الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (ح/6)

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (ح/6) مصطفى حمزة إلى جانب المقاوم المرحوم أحمد زغلول

في لقاء لجريدة "أنفاس بريس" مع الباحث مصطفى حمزة، المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي، بخصوص حلقات حول: "جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر"، أشار بالقول: " إننا عادة ما يكون عدم اهتمامنا ببعض الأحداث، والأمكنة وغيرها من تراثنا المادي واللامادي رغم أهميتها المادية والمعنوية، سببا في زوالها واندثارها، وبذلك نفقد جزءا مهما من ذاكرتنا".

وانطلاقا من هذه الملاحظة، شدد الباحث مصطفى حمزة قائلا: "يتضح أننا ضيعنا جزءا كبيرا من تراثنا المادي واللامادي". مضيفا بأن ما ضيعناه على سبيل المثال لا الحصر بإقليم اليوسفية بقبيلة أحمر من معالم ومواقع أثرية وتاريخية يتمثل في "معلمة القصبة الإسماعيلية، ومدرسة الأمراء العلويين، إلى جانب الحاضرة الفوسفاطية التي بدأت تخضع للتشويه، فضلا عن بنايات حي (الديور الجداد)، ومراكز قرية سيدي أحمد، والقرية الفوسفاطية المزيندة، والأحياء العمالية، وقصبات الكثير من القواد، دون الحديث عن معلمة معصرة السكر بمنطقة سيدي شيكر...".

وأكد رئيس جمعية أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية (مصطفى حمزة) إلى أن الإهمال جعلنا نضيع كذلك "العديد من الأهازيج والأغاني النسائية، والأحاجي، والألعاب الشعبية، والكثير من الكلمات التي كانت تشكل ثروة لغوية، كما ضيعنا العديد من أسماء الأعلام البشرية والجغرافية".

ورغبة منه في المساهمة في توثيق و الحفاظ على تراث المنطقة، قرر الباحث مصطفى حمزة الشروع في الكتابة عن بعض الأحداث والوقائع من تاريخنا الراهن، وأن تكون البداية بـ "سجن الشماعية" القديم والذي انقرضت معامله بمدينة الشماعية، لكونه استقبل شخصيات وطنية كان لها وزن كبير عند الحمريين والمغاربة، يذكر منهم: (الفقيه عبد السلام المستاري، أحد الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال، والوطني محمد بن الطبيب الآسفي، والحاج أحمد زغلول أحد أبرز الوطنيين ببلاد أحمر..)

 

اعتقال الموزع ومحاكمة المقاوم أحمد زغلول بسبب "جريدة العلم"

مع صدور جريدة العلم بتاريخ 11 شتنبر 1946م، بدأ أحمد زغلول يتوصل بأعداد منها ويكلف أحد الشباب بتوزيعها ، ومع تزايد انتشار الجريدة وإشعاعها والرسائل التي كانت تمررها، شرع الفرنسيون في التضييق على أحمد زغلول ومجموعته، مستعملين كل أساليب الترهيب، بما فيها استغلال أي حدث للإيقاع بأعضاء المجموعة.

 وفي هذا السياق، يدخل الاعتقال الذي تعرض له الشاب الذي كان مكلفا بتوزيع الجريدة، من طرف مفوضية الشرطة ب "لوي جانتي" اليوسفية حاليا، وخضوعه للاستنطاق حول علاقته بالجريدة.

ويبدو أن هذا السلوك، كان الهدف منه هو إرهاب وتخويف أعضاء المجموعة، إلا أنه عند استدعاء أحمد زغلول واستنطاقه، أقر في محضر الاستماع إليه بدون خوف، أنه هو المسؤول عن الجريدة وهو من يتوصل بها، وأن علاقة الشاب بالجريدة هي التوزيع فقط مقابل أجر مادي.

 

موقف القائد محمد بلكوش من محاكمة أحمد زغلول

وبعد إنجاز محضر الاستماع لأحمد زغلول، وتضمينه تصريحاته كاملة، تم عرضه على جلسة بحضور المراقب المدني " Jean DENIS "، فتم الحكم عليه بغرامة مالية، ورغم أن الحكم كان خفيفا نظريا، فقد اعتبره القائد محمد بلكوش - الذي خلف والده القائد العربي الذي توفي سنة 1945م - حكما جائرا، وخاطب المراقب المدني أثناء الجلسة قائلا: « كان عليكم منع الجريدة من الدخول إلى المدينة والمنطقة، خصوصا أنكم تتوفرون على كل الإمكانيات التي تسمح لكم بذلك، بدلا من إصدار مثل هذا الحكم الجائر في حقه » ، ويتبين أن القائد كان يدرك خلفيات هذا الحكم، ولذلك بعد مرور مدة وجيزة، تم عزل أحمد زغلول من مهمة عدل ، بمبرر أنه يمارس نشاطا تجاريا ( بيع الجريدة )، ومهمة عدول. 

 

تضييق الاحتلال الفرنسي على المقاومة   

ولم يقف تعسف  الفرنسيين عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى حد اتخاذ إجراءات تحد من الحريات العامة للإنسان المغربي، ومن ضمن هذه الإجراءات:

- كانوا يسألون المغاربة عن صلتهم بجريدة العلم، وهل يقرؤونها؟

- اعتبار مصافحة المغاربة للوطنيين في الأسواق وغيرها من الأماكن جريمة يعاقب عليها القانون.

- منع المغاربة من تنظيم حفلات عيد العرش كما حدث سنة 1952م، إذ تم منع ناحية أولاد عيسى من الاحتفال بعيد العرش منعا كليا، والحفلة التي أقيمت بمدينة الشماعية اقتصرت على بضع ساعات في اليوم الأول من أيام العيد.

- إلزام المغاربة بالوقوف للمسؤولين الفرنسيين، وتأدية التحية  لهم كلما التقوا بهم أو مروا من أمامهم، وهو ما تؤكده مجموعة من الأحداث نذكر من منها:

1- أن المكلف بسجن الشماعية، كان يأمر السجناء برفع أيديهم لتحيته، كما تؤكد ذلك شهادات مجموعة من السجناء الوطنيين.

2 - أن المراقب المدني المحلي، عندما كان يقوم رفقة القائد بالجولة الاعتيادية لزيارة الحفلات المنظمة بمناسبة عيد العرش، كان يلزم المنظمين والحضور بالوقوف ورفع أيديهم لتحيته.

وبالمقابل كانت هناك مواقف للوطنيين رافضة لهذا السلوك وتعتبره عملا لا مبرر له، وهو ما عبر عنه الوطنيون من أسفي المعتقلون إثر إضراب 11 يناير 1952م، لما رفضوا رفع أيديهم لتحية المسؤول عن سجن الشماعية، ووطنيو مدينة "كشكاط" (اليوسفية) بقيادة أحمد زغلول لما رفضوا الوقوف للمراقب المدني وتحيته أثناء زيارته للحفلة التي نظموها بمناسبة عيد العرش سنة 1952م.