من دون شك، تمنيت لو فازت مرشحة المملكة المغربية لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي. لكن، عدم تحقق ذلك الفوز ليس نهاية العالم. بل، أجزم أن قيمة ذلك "الفشل"، إذا جاز أن نحتسبه "فشلا"، لا تعادل قيمة النجاح الكبير الذي حققته ديبلوماسية بلادنا من خلال التعبئة التي تمت لقطع الطريق على مرشح دولة الجوار الشرقي لمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، الوزير الأول الكيني السابق، رايلا أودينكا، أحد أشرس المناصرين لأطروحة جبهة الوهم الانفصالي والإرهابي، الذي حظي، أيضا، بدعم من حكومة جنوب إفريقيا، ضدا في السيد محمود علي يوسف، وزير خارجية دجيبوتي ومرشحها الفائز بمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.
بالموازاة، أعتبر أن ما شاهدناه من تفاعلات و تعابير عن خيبة الأمل بعد انهزام مرشحة المغرب، هي أمور عادية، كما هو الحال فيما يتعلق بالحاجة إلى فهم الأسباب التي أدت إلى هذا "الإخفاق" الذي لا نستحقه بالنظر لما تبذله ديبلوماسية بلادنا من جهود، وفق رؤية استراتيجية و توجيه ملكي، لجعل المملكة المغربية لاعبا محوريا في دينامية عمل الاتحاد الإفريقي، بعد غياب استمر ثلاثين سنة، ثم عودة أثمرت الكثير من المنجزات، و أهمها محاصرة ديبلوماسية العبث لدولة "العالم الآخر"، و نسف مناوراتها لإلهاء الدول الإفريقية بموضوع النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، عوض التركيز على التنمية في القارة و حفظ السلم و الأمن لشعوبها.
لكن، ما لم أجد له معنى في ما تابعته من تفاعلات، هو مغالاة البعض في التعبير عن الشعور بالخيبة، واختزال مسار طويل من التدافع الديبلوماسي لخدمة مصالحنا الوطنية، في نتيجة محطة واحدة أتت بعكس ما كنا نرغب فيه.
وهي على كل حال، محطة واحدة بمضمون لا يغير شيئا في المسار الاستراتيجي الذي يعنينا حقا لخدمة قضايانا، وانتهى الكلام.
في رأيي، عوض الوقوف أكثر من اللازم عند كبوة عادية بالنظر لسياق لعبة الرشاوي التي تتقنها ديبلوماسية البؤس في دولة الجوار الشرقي، علينا أن نستحضر ما تحقق في سياقات أخرى، و نركز على المحطات الديبلوماسية القادمة، وهي كثيرة ومتنوعة، لاستثمارها من أجل تعزيز المكاسب التي تحققت لنا منذ عودة المغرب للاتحاد الافريقي.
في هذا السياق، من الضروري الانتباه لما يحتاجه تدبير اليوم التالي لعملية التصويت على رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، والتركيز على دعم الرئيس الجديد للمفوضية، لقطع الطريق على مناورات ديبلوماسية السوء التي ستسعى لتشثيت تركيز الدول الإفريقية وشغلها بما يلهيها عن رفع تحديات التنمية و تأهيل الرأسمال البشري.
إن دقة المرحلة و تعاظم المخاطر التي يحملها السياق الجيوستراتيجي، تستدعي الالتزام بالثبات في المواقف، والهدوء في التعاطي مع الأحداث، و الابتعاد عن "خفة الرجل" في التعاليق و التفاعل، و توجيه كامل جهودنا نحو ترتيب الأولويات بما يعزز قوة الجبهة الداخلية، و يرسخ مقومات القوة الاستراتيجية للدفاع عن مصالحنا وقضايانا الوطنية.
لذلك، مهم جدا أن يكون نقاشنا العمومي لقضايا واقعنا، أو لتحركات ديبلوماسيتنا في المحافل الدولية، قادرا على التحليل الموضوعي النزيه والمتجرد، مع الابتعاد عن نهج التسفيه والعدمية الذي يحاول أصحابه خلط الملفات واستثمار كل نقطة سلبية، أو كبوة قد تطرأ هنا أو هناك، لإشاعة إحساس غير طبيعي بالفشل، وتأجيج عواطف الناس ليغرقوا في الشعور ب "هزائم" غير حقيقية، أو هزائم، إن وجدت، تكون نسبية وغير مطلقة.
من يحمل غيرة على مصالح بلادنا، عليه أن يستوعب ماذا يعنيه أن نكون في قلب ديناميات جيوستراتيجية قوية، بل في أتون حروب مفروضة على بلادنا بأوجه متعددة التجليات، يراد أن تزعزع استقرارنا و تنال من وحدة مجتمعنا ومن تركيزنا على إنجاح معركة وحدتنا الترابية. وهي حروب يؤجج نارها أعداء ظاهرون و متآمرون مستترون، تتم بمعارك متوالية، يحتاج تحقيق النصر فيها إلى التماسك دفاعا عن الذات المجتمعية و عن مؤسسات الوطن، والصمود أمام استراتيجيات التضليل التواصلي وأمام خطابات الفتنة والتشكيك في الذات لخلق البلبلة، والالتزام بأعلى درجات الذكاء والاستباقية في التعامل مع المستجدات، بهدوء ورزانة، و استثمار كل نقط الضوء الإيجابية لتعزيز حظوظ تحقيق ما يخدم مصالح الوطن والمواطنين.
الديبلوماسية ليست مسارا مستقرا لا تتغير تضاريسه، وليست مجالا ثابتا لا يتحرك. بل هي ساحات كر وفر، تحتمل الانتصارات والتراجعات والانتكاسات. وتبقى الانتصارات الديبلوماسية أفقا لا يصله المنهزمون نفسيا ولا المرتبكون أمام أول كبوة. لذا، يجب أن نجعل من الانتصارات التي نتطلع إليها، أفقا و مسارا وحالة وجدانية، وإرادة مستمرة لمنع المتربصين والمتآمرين ضدنا من الحصول على فرص تسجيل نقط لا يستحقون الفرح بها.
لذلك، لابد من قطع الطريق على الأعداء بكل السبل والوسائل الممكنة، وفي كل الساحات المتاحة، مع تجنب المغالاة والتباكي دون وعي بخطورة الصور التي نمنحها للأعداء، والدعوة لتجويد خطط العمل لتحويل كل تعثر ظرفي وطارئ، إلى درس نستمد خلاصاته لتحقيق انتصارات، ديبلوماسية وغيؤ ديبلوماسية، في القادم من الأيام.
ذلك أقل ما يستحقه منا وطننا ودولتنا، وما يجب أن تحفزه فينا ثوابتنا وأمجاد تاريخنا ورسوخ أصالتنا ومستقبلنا المشرق الموعود في مملكة مغربية ستظل أكبر من كل العابثين.