الأحد 23 فبراير 2025
كتاب الرأي

عبد الواحد أولاد الفقيهي: العلاج الوهمي أو "البلاسيبو"

عبد الواحد أولاد الفقيهي: العلاج الوهمي أو "البلاسيبو" عبد الواحد أولاد الفقيهي
العلاج الوهمي، أو "البلاسيبو"، ظاهرة علمية وفلسفية في آنٍ واحد، حيث يستجيب المريض لتحسن حالته الصحية بعد تلقيه علاجا لا يحتوي على أي مادة فعالة، فقط لأنه يؤمن بفعاليته. هذه الظاهرة تفتح لنا آفاقا متعددة لفهم العلاقة بين العقل والجسد، والوعي والشفاء، والوهم والحقيقة.

يؤكد العلاج الوهمي أن الإيمان بقوة العلاج قد يكون في بعض الأحيان أقوى من الدواء نفسه. وشير الدراسات إلى أن الدماغ يستجيب للعلاج الوهمي بنفس الطريقة التي يستجيب بها للأدوية الحقيقية، حيث يفرز الإندورفينات ويحدث تحسنا فعليا في بعض الحالات. كما يبرز البلاسيبو دور التوقعات النفسية في عملية الشفاء، فكلما كان المريض يثق بالطبيب والعلاج، زادت فرص تحسنه.

إذا كان "الوهم" قادرا على خلق المرض (كما في الأمراض السيكوسوماتية = النفسجسدية)، فهل يمكن للوهم أن يعالج أيضا؟ هنا، تتداخل الفلسفة مع العلم في سؤال أعمق: هل نحن نعيش وفقا لحقيقة موضوعية، أم وفقا لما نؤمن بأنه الحقيقة؟

في بعض المدارس الروحية والتأملية، ينظر إلى الجسد كمرآة للعقل والروح. فإذا كان العقل قادرا على إحداث الألم، فهو قادر أيضا على تحقيق الشفاء.

وفي الفلسفات الشرقية، مثل الطب الصيني واليوغا والتأمل العميق، ينظر إلى الشفاء كحالة من التوازن الداخلي، حيث يلعب الإيمان والإرادة دورا جوهريا. وبالتالي فتجربة العلاج الوهمي تشبه إلى حد ما التأثير النفسي للصلاة أو التأمل العميق، حيث يحدث العقل تغييرات بيولوجية ملموسة.

لكن البلاسيبو يثير أسئلة أخلاقية معقدة: هل من الصواب أن يعطى المريض علاجا وهميا دون علمه؟ في بعض الحالات، قد يكون البلاسيبو هو الحل الوحيد المتاح، خاصة عندما تكون الخيارات الطبية محدودة أو غير فعالة. هنا، تتدخل الأخلاق الطبية في موازنة الحقيقة الطبية مع الحاجة إلى علاج فعال حتى لو كان قائما على الإيحاء.

العلاج الوهمي ليس مجرد خدعة، بل هو شهادة على قوة العقل، ودليل على أن بعض العلاجات لا تحدث في المختبرات فقط، بل أيضا في إدراكنا الذاتي للحياة والصحة والمرض. ربما يكون أقوى دواء هو ما نؤمن بفعاليته، سواء كان ذلك دواء حقيقيا أو مجرد فكرة مغروسة في اللاوعي.