لا نحتاج إلى إبراز الأدلة على ضعف شبكة الطرق الرابطة بين الأقاليم المغربية وتآكل المنشآت الفنية وغياب الصيانة واندثار معالم الطريق على مستوى الجنبات وغياب كلي للتشوير الأفقي والعمودي، بشكل يزيد من صعوبة السياقة نهارا، فأحرى ليلا، ويرفع من منسوب المخاطر ويقلل من معايير السلامة الطرقية ويرفع مستوى الضغط والتوتر لدى مستعملي الطريق.
الخطير في الأمر أن معظم الشبكة الطرقية المهملة الرابطة بين أطراف المغرب (طاطا - الحوز- خنيفرة - كلميم - شفشاون - أزيلال - سطات - تارودانت- سيدي بنور - الفقيه بنصالح - جرادة - اليوسفية - تنغير- قلعة السراغة- بولمان- سيدي قاسم...إلخ)، تشهد تنقلات مهمة لأسطول هائل من الشاحنات يتجاوز 90 ألف شاحنة تحمل كل سنة أزيد من 160 مليون طن من المؤن الغذائية والسلع لتموين ساكنة المغرب (محروقات، علف الحيوانات، خضر، دقيق، معلبات، مواد صناعية محولة، مواد البناء، قنينات الغاز...إلخ)، هذا دون الحديث عن تنقل الملايين من السكان سنويا،عبر سياراتهم أو عبر الحافلات، في كامل التراب الوطني (خاصة في الصيف مع تدفق مغاربة العالم على الأحواض الجغرافية المصدرة للهجرة). وبدل أن تكون الشبكة الطرقية هي أولوية الأولويات لدى الحكومة والبرلمان في القوانين المالية لرصد الاعتمادات اللازمة (إحداث طرق جديدة، صيانة ، تشوير ، توسيع ، إحداث قناطر أو ممرات تحت أرضية...)، نجد صانعي القرار يضعونها في آخر سلم الأولويات.
والنتيجة هاهي أمامنا، أطراف من التراب المغربي مشلولة وأقاليم معزولة ومراكز حضرية وقروية محاصرة ومجالات غابوية وسياحية وساحلية غير مفتوحة في وجه الاستثمار لغياب مسالك طرقية، وحتى إن وجدت فعلى المرء أن يتوفر على طراكس بالسلاسل شبيهة بآلة الطراكس المستعملة من قبل الجيوش في الحروب. وهنا ندعو الوزراء والبرلمانيين ورؤساء الجهات إلى التنقل مثلا بين تارودانت وتحناوت عبر تيزي نتاست، أو إلى التنقل بين كلميم وطاطا عبر تيغجيجت وتيمولاي، أو إلى التنقل بين سيدي بنور واليوسفية عبر خميس متوح وحد لبخاتي، أو إلى التنقل بين قصبة تادلة والراشيدية عبر واومانة وبومية، أو إلى التنقل بين فاس والحسيمة عبر تاونات ومولاي بوشتى، أو إلى التنقل بين وزان وطنجة عبر زومي ومقريصات، أو إلى التنقل بين القنيطرة وتاونات عبر دار بلعامري وجرف الملحة، أو إلى التنقل بين البروج وبني ملال عبر الدشرة وإيمداحن، أو إلى التنقل بين إملشيل وتونفيت عبر أنفكو (واللائحة طويلة)، ليقفوا على انهيار الشبكة الطرقية وردائتها.
ولي اليقين أن تنظيم جولة من 15 إلى 20 يوما بالحافلة لوزراء حكومة أخنوش ولرؤساء الفرق البرلمانية ولقادة الأحزاب ولرؤساء الجهات عبر كافة التراب الوطني، ونحن على مقربة من البدء في إعداد قانون مالية جديد لعام 2024، سيولد الإحساس بالندم لدى صانعي القرار من شدة إهمالهم للطرق بأحواض جغرافية عديدة بالمغرب، حتى تعفنت وتقيحت ترابيا واقتصاديا ووصلت إلى مستوى من المخاطر يقتضى بترها. وهاهو زلزال الحوز أظهر صواب هذا الطرح، إذ استفاق المغاربة على جماعات ترابية ومجالات معزولة وغير مرتبطة بشبكة طرقية ملائمة، مما صعب من الإنقاذ ومن إيصال المساعدات في ظروف ميسرة وآمنة.
فلنحول فاجعة زلزال الحوز إلى فرصة لوضع مخطط مديري للطرق يمتد على ثلاث أو خمس سنوات لتمكين كل الأقاليم المغربية من "السميك الطرقي" SMIG Routier، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون !