الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

وسام شكيري: الواقعية في مسرحية ( Trois point ) لمنصف الإدريسي الخمليشي

وسام شكيري: الواقعية في مسرحية ( Trois point ) لمنصف الإدريسي الخمليشي وسام شكيري
عبر واقعية نقدية ينقلنا منصف الإدريسي الخمليشي لنعيش وسط عائلة من العائلات المغربية التقليدية . انها عائلة " الحر " التي تعيش صراعات مختلفة مع الدين و الجنس والحياة اليومية بظروفها الصعبة . يجدر بنا ان نصف هذه العائلة قليلا ؛
 إن هذه العائلة هي عائلة متوسطة الحال تتكون من أب سكير ( سمير حر ) مدمن زنا المحارم ، و قد اعتاد ممارسة زنا المحارم مع اثنين من بناته . أما الأم ( سعيدة بنت عمر ) ، فهي مهزومة ضعيفة و ان كانت على علم ببعض من تفكير الأب الذي قد أخذ يثير الشبهاة ، فنشاهد في المسرحية أن الأب لا يحب زوجته ، فهو يصرخ في وجهها بقسوة و يشتمها ، لكن الأم قد صبرت على هذه العيشة التي تخلو من الاحترام و الوقار لكي تكبر بناتها في جو عائلي مكون من أب و ام . 
-  الفتاة " وسيلة " في المشهد الثاني من الفصل الأول ؛ تنهر أبيها و توبخه بعدما أطلق جملة على الأم قد نفذت إلى مسامعها ، لكن الأب يرد على ابنته ساخرا . و يخرج تاركا الأم غارقة في دموعها. . .هذه الخلوة بين الأم و الابنة " وسيلة " تسمح للأم بأن تعبر عن شكوكها لابنتها وسيلة المثقفة حول أخلاق و تصرفات الأب التي أصبحت غير مألوفة و مثيرة للجدل . فتتقبل ( وسيلة ) أفكار الأم المحزونة بعقل سليم ، و عبر هذه الواقعية السحرية يعرفنا " منصف الإدريسي الخمليشي " على هذه العائلة التي تعاني من قسوة أب لا يؤمن إلا بالرغبة و الأمور المادية جاهلا الأمور الروحية و الأخلاقية . و يجدر الإشارة ان بعضا من تفكير الأب قد نبغ في الابن " ريان " الذي أصبحت له خلفية الحادية و بحكم معاشرته لاخواته البنات أصبح له توجها جنسيا خاصا . 
يجد ريان الابن الأصغر للعائلة لذة خاصة في مجالسة صديقه ( نور فادي ) الذي كان هو الآخر مثلي الجنسي . فيشبعان حاجتهما الجنسية الملحة إلى بعضهما ، فنشاهد مشهد نور يقبل صديقه من وجنتيه بطريقة أنثوية و يتبادلان كلمات رومانسية في المشهد الثاني من الفصل الثاني . و لعل " نور فادي " لم يكن شريكا جنسيا لريان حر فحسب . بل كان شريكا يشبع رغبة صديقه في التفكير الوجودي الذي يثقل كيان الصبي الذي بات يسأل أسئلة تتعلق بالوجود و بات الضمير يأنبه عند طرح كل سؤال . كأن  منصف يصور لنا صراعا نفسيا خاصا يعيش الملحد بسبب تفكيره العدمي ، مما يرجح فكرتي التي سبق و ناقشها في رواية " مشكلة صغيرة في يوليا " :
 ( ان الإلحاد هو الجنون . و أن تكون ملحداً يعني أنت على مقربةٍ من الجنونِ . إنَّ الإلحادَ لا ينكرُ وجود الله و لا يجزمه . إنَّهُ صراع مع اللاَّمعنى و اللَّاهدفية . صراع يسعى صاحبه إلى إيجادِ أساسٍ ثابتٍ للإيمان بالإله و لحبِّ الحياة . وأن تكون ملحدا حقّّا يعني أنك ليس إنسان بل شيء آخر تمامًا .  لأنَّ الإنسانية من صنع الإله ومن فعلِ الإله . وطالما أنَّ الملحد يؤمن ايماناً راسخاً أنَّه إنسان إذن أنَّ إيمانه باللهِ لم ينتهِ . إنَّ الملحدَ هو الَّذي وجد غير الله ملتحداً و طالما أنَّ الملحد لا يجد حتى الآن ملتحدا دون الله إذن أنَّ الإلحاد لا يدعمه أي دليل واقعي وهو مرض نفسي ومسألة شخصية بالدرجةِ الأولى لا دينيَّة. .وهذا هو الإلحاد بصفةٍ عامَّةٍ ) . 
و على العموم ليس هناك ملحد واحد على مر التاريخ استطاع أن يؤكد صدق أفكاره حقيقة ، و استطاع أن يثبت بطريقة او اخرى أن الله غير موجود . إن جميع الملحدين من اقدمهم إلى أحدثهم لم يستطيعون أن يأكدوا أفكارهم وأثبتوا للعالم أنهم مجموعة من الحمقى . إن الله يثبت ذاته في أنفسهم ، يسيطر على ردود أفعالهم . فتجد الملحد يتصارع مع الموت وهو ينادي يا إلهي. يتعب و يقول يا رباه. .يرى الجمال و يسبح باسم الله لا إراديا ، و كما قال الكاتب الفرنسي " فيكتور هوجو " إن الضمير هو عين الله في قلب الإنسان. أما الفيلسوف الألماني " إيمانويل كانط " ، فيستند إلى الضمير كأقوى البراهين على وجود الذات الإلهي .  

وما أقوى دهشتي حين رأيت منصف يطبق فلسفة " كانط " على بطله ، فهو ذا يخلق لنا شخصية ملحد يعذبها الضمير . كذلك تأكيدا لدوستويفسكي الملحد ايفان القائل " ان لم يكن الله فان كل شيء مباح " يعذبه ضميره ظنا منه أنه المحرض على موت الأب فيدور ، و ينتهي آخر الأمر إلى الجنون 
 واخيرا تنتهي المسرحية بحكم القاضي على المهتم ( سمير حر ) بالإعدام كان منصف ينتقم من شخصيته الشاذة بمشهد إعدامه حرقا.