الخميس 28 مارس 2024
منبر أنفاس

عبد السلام البراق شادي: السيادة الكروية..

عبد السلام البراق شادي: السيادة الكروية.. عبد السلام البراق شادي
إنتصار المنتخب المغربي على المنتخب البرازيلي في ودية طنجة التاريخية يفتح الباب واسعا لإنهاء نقاش جانبي صغير يفتحه المناوؤون والمنهزمون شكلا ومضمونا في كل مناسبة حول أحقية هذا المنتخب في الوصول إلى نصف النهاية في مونديال قطر ويخرس بعض الأصوات النشاز من تجار الأزمات التي ترى في إنتصارات المنتخب وفرحة الشعب المغربي هزيمة لهم و لأفكارهم العدمية والحكاية تعرفونها جيدا ..

لمدة ثلاث وعشرين سنة ظلت البرازيل شبحا حقيقيا للمنتخبات العربية فالمنتخبات الإفريقية غالبا ما كانت تنهزم أمام نجوم السيلساو جبابرة المستطيل الأخضر، حيث كان البرازيل عقدة إفريقية وعربية والأسود الأطلسية استطاعت تحطيم هذه الأسطورة وتحقيق انتصار مستحق بروح قتالية و آداء رياضي خرافي أكد أن ماعشناه في قطر كان عملا وإعدادا بدنيا ونفسيا لفريق متكامل إسمه المنتخب المغربي، اليوم بدأ المغرب بشكل فعلي في تجسيد الحلم الذي ابتدأناه مباشرة بعد نهاية مباراة فرنسا الذي تمثل في العمل على صناعة المجد الكروي وتحقيق السيادة الرياضية المغربية والعمل على الريادة الكروية قاريا و عالميا .

الدعم الجماهيري الكبير الذي حظي به المنتخب المغربي داخل  الملعب وخارجه في "ودية البرازيل" هو دليل متجدد على إيمان الجماهير المغربية بالنصر و رهان مستدام على فريق تألق في نهائيات المونديال وصنع معجزة إفريقية و عربية عنوانها الوصول عن جدارة وإستحقاق إلى  نصف نهائي المونديال و تحقيق المركز الرابع عالميا ، الإنتصار الكروي على البرازيل يأتي في ظل ظروف اجتماعية صعبة مرتبطة بغلاء الأسعار وتواطئ المضاربين و تجار الأزمات و خفافيش الظلام لنهب جيوب دافعي الضرائب بزيادات غير مبررة و غير مقنعة في أثمنة العديد من المواد التي يستهلكها المغاربة، فنسبة المشاهدة العالية والإحتضان الجماهيري للمنتخب أثناء إجراءه لمباراة ودية لعبها شباب مغاربة صادقون في حبهم لهذا الوطن متسلحين بالنية والمعقول، يقدمون أروع صور تمغربيت بإصرارهم على إدخال الفرحة على كل مغربية.

وفي الجانب الآخر نجد لامبالاة المواطن للندوة الأسبوعية التي يجريها السيد الناطق الرسمي بإسم الحكومة بعد كل مجلس حكومي الذي فشل مرتين: المرة الأولى فشل ذريع في تبرير عجز الحكومة السيطرة على الأسعار وتسقيفها والمرة الثانية فشل كوزير في هذه الحكومة في الوفاء بالوعد الذي قدمه قبل أسابيع بأن أثمنة الخضر والفواكه ستعرف استقرارا قبل دخول الشهر الفضيل هو رسالة واضحة المعاني بأن المغاربة اليوم ينتظرون الإنجازات بلهفة ويصفقون على الإنتصارات بحب و يدعمون الطموحات المستحيلة بصدق لتتحول إلى إنتصارات في الميدان، فالمغاربة على عادتهم لا يفضلون الشعارات البئيسة ولغة التلاعب بالأرقام الجوفاء والخطابات الغارقة في التمطيط والنمطية.

لايمكن للحكومة التعامل مع غلاء الأسعار وضرب القدرة الشرائية للمواطن كأنها قضاء وقدر على المغربي البسيط التعامل معه بدعوى أنه نتيجة لسياسات حكومية سابقة تسقيف أسعار بعض المواد التي يكتوي بنيران أسعارها المغربي هو قرار سياسي بالأساس وليس قرارا تقنيا، فإستحضار المقاربة الإجتماعية والإنسانية أثناء التعاطي مع هذه الأزمة هو السبيل الوحيد أمامنا اليوم لتجاوزها، قبل أيام قليلة  أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، على إعطاء انطلاقة العملية الوطنية "رمضان 1444"، التي تنظمها مؤسسة محمد الخامس للتضامن بمناسبة شهر رمضان الأبرك، والتي يستفيد منها هذه السنة 5 ملايين شخص، حيث تعكس هذه المبادرة ذات الرمزية القوية في هذا الشهر الفضيل، العناية الملكية الموصولة بالأشخاص في وضعية هشاشة إجتماعية، كما تأتي لتكريس القيم النبيلة الإنسانية والتضامن والتآزر والتقاسم التي تميز المجتمع المغربي، لذا فإستحضار البعد الإجتماعي التضامني هو ضروري أكثر من أي وقت مضى لتحقيق توازن بين القدرة الشرائية للمواطن وغلاء الأسعار.

عودة لأجواء المباراة وتداعياتها الإيجابية فالتنظيم الأمني المحكم في الميدان والحضور المكثف والوازن للمؤسسات الأمنية في عين المكان والإشراف المباشر للسيد المدير العام للأمن الوطني على البروتوكولات الأمنية المرتبطة بالمقابلة وفق المعايير الدولية المتعارف عليها في هذا المجال هو رسالة متعددة الأبعاد بأن أمن هذا الوطن بأيادي آمنة في تجسيد آخر للرؤية الملكية المتبصرة لدور المؤسسات الأمنية والسيادية في المساهمة بإنتصارات الوطن والمشاركة الدائمة بالأوراش التنموية الكبرى، الجامعة الملكية لكرة القدم كانت في الموعد كعادتها فمثل هذه المباريات الدولية الكبرى للمنتخب المغربي ستساهم بشكل كبير في تطوير كرة القدم في المغرب و ستشكل فرصة ممتازة للاعبين المغاربة بإستغلال مواجهة أفضل فريق في العالم لتكريس قدراتهم الكروية العالمية وبالتالي تحسين مستوى اللاعبين الفني والتكتيكي والبدني؛ من جانب آخر فإن تنظيم مثل هذه المباريات ذات المستوى العالمي يساعد في تطوير البنية التحتية الرياضية في المغرب حيث تتطلب هذه المباريات تحديث وتحسين الملاعب والمرافق الرياضية والإقامة والتنقلات والأمن والسلامة والتغطية الإعلامية وغيرها من الجوانب الأخرى المتعلقة بتنظيم هذه الأحداث الكبيرة وهذا بدوره يعزز تطوير كرة القدم في المغرب ويساعد في تحسين مستوى اللعبة وزيادة الاهتمام بها خاصة وأن المغرب يشارك في إطار ملف ثلاثي لإحتضان كأس العالم 2030 رفقة جيرانه الشماليين إسبانيا والبرتغال فقرار الترشح لإستضافة كأس العالم 2030 رفقة شركاء إقليميين موثوقين يتماهى بشكل كبير مع الرؤية الملكية المتبصرة للنهوض بالقطاع الرياضي والتموقع الريادي الذي يتمناه الجميع للرياضة المغربية لتتحول المملكة في السنوات القليلة المقبلة إلى رائد قاري وعالمي وهذا لا يتأتى إلا بالتنزيل الدقيق لمضامين الإستراتيجيات الوطنية في هذا المجال والتي تمتح من الأفكار والرؤى والتوجيهات التي تتضمنها الرسائل الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية للرياضة 2013 بالصخيرات والمناظرة الدولية حول كرة القدم في إفريقيا سنة 2017  بالصخيرات وكذا الرسالة الموجهة بمناسبة تسليم جائزة التميز 2022 من "الكاف" للملك محمد السادس ، اليوم بهذا الإنتصار والروح القتالية الكبيرة التي أظهرها اللاعبون وكذا  الصفحات المشرقة التي سطرتها الجماهير المغربية كأحسن جمهور في العالم والإستعدادات العالية المستوى التي رصدتها الجامعة الملكية المغربية بتنسيق مع باقي المؤسسات الإستراتيجية لجعل ودية البرازيل منعطفا حقيقيا للنهوض بالكرة المغربية و الرياضة المغربية بشكل عام . اليوم المغرب يسير بخطى حثيثة نحو ترسيخ مفهوم جديد هو "السيادة الكروية"  والسيد فوزي لقجع يعلنها مدوية إفريقيا وعالميا بأن زمن العبث التحكيمي وزمن الإملاءات والتفاهمات والتواطئات على حساب المغرب قد إنتهى والمغرب اليوم عازم كل العزم على إستعادته وضعه الطبيعي كقوة كروية قارية وعالمية بتفاصيل مغربية دقيقة و بتفرد مغربي أكد عليه جلالة الملك محمد السادس في رسالة كيغالي قائلا : " وبقدر ما شرفت كرة القدم المغربية القارة الإفريقية خلال كأس العالم الأخيرة بقطر، فإنها قد أعلت من شأن القيم الإنسانية المتمثلة في روح المثابرة ونكران الذات، والدفع بالقدرات الذاتية إلى أقصى الحدود، وهي القيم التي حرصنا على ترسيخها من خلال ضم الرياضة إلى التربية، سعيا منا إلى توسيع قاعدة ممارسة كرة القدم بشكل خاص، وتحرير الطاقات ومواكبة ما يتم اكتشافه من مواهب بما يناسب من تكوين وتأهيل. " ..// إنتهى الإقتباس.

هذه المسيرة الكروية المتميزة أكيد سيكون لها أعداء ومناوؤون و متآمرون يرون في تقدم المغرب تراجعا لهم وفي إرساء قواعد إحترافية للتباري واللعب النظيف قاريا إضرارا بمصالحهم، كلنا نتذكر بأسى المجازر التحكيمية التي كان المغرب ضحيتها في جميع المناسبات القارية بتواطئ مكشوف مع محاور إقليمية و قارية هيمنة لعقود طويلة على كرة القدم الإفريقية، لذا اليوم الهدف السامي بتحقيق الريادة الكروية يتطلب العمل الجاد والاستثمار في اللاعبين والإداريين والمدربين والأنظمة والتكنولوجيا والتسويق، ويتطلب الالتزام بخطوات محددة واضحة وأساسية منها الإستثمار في القدرات الكروية وتطوير المواهب الشابة وتوفير البنية التحتية اللازمة لتدريبهم وتطوير مهاراتهم الفنية والبدنية وكذا تطوير النظم الإدارية والتقنية عن طريق الزيادة في الإستثمار بالأنظمة الإدارية والتقنية المتعلقة بالتدريب والإدارة والتحليل الفني والتكنولوجيا المتعلقة بالتسويق والاتصالات. وفتح المجال أمام ابتكار الأفكاروالإستراتيجيات الجديدة عن طريق التفكير في الأفكار الجديدة وإبتكار الإستراتيجيات التي تساعد على تحسين الأداء الرياضي والمالي والتسويقي والتركيز على تحسين الأداء الرياضي للفريق، وتحديد الأهداف والخطط الاستراتيجية اللازمة لتحقيق النجاحات الرياضية و كذا إبعاد البؤساء و الأغبياء عن تدبير الشأن الرياضي وبشكل خاص تحرير ملاعب القرب من سيطرة لوبيات جمعوية وإنتخابوية بئيسة تمارس الوصاية على المواهب الصاعدة والعمل إرساء قواعد صارمة للنهوض بالبطولة الإحترافية لكي تتحول إلى حاضنة حقيقية لنجوم المنتخب المغربي مستقبلا .

نعود مرة أخرى ونقول إن الاستفادة المباشرة من الإنتصارات التي حققها المنتخب المغربي والدعم الملكي والجماهيري المنقطع النظير لن يتم إلا بتطهير كرة القدم المغربية من سرطانات وبؤر فساد متحورة تؤثر على حركية رؤوس الأموال والصناديق الإستثمارية الكبرى في مجال الرياضة، السيد فوزي لقجع يمتلك مخططا لإصلاح منظومة كرة القدم والإرتقاء بها وتشجيع المساءلة والشفافية والحكامة الرشيدة داخل المكاتب المديرية للفرق والأجهزة الكروية المحلية والجهوية والوطنية، واجبنا اليوم كعشاق للكرة المغربية هو دعم الرجل ومساندته ومساعدته بدل المشاركة بوعي أو بدون وعي في حملات مغرضة تستهدف سمعته وشرفه المهني.

المملكة المغربية اليوم تسابق الزمن رياضيا وتؤسس لنموذج متفرد في النهوض بالشأن الرياضي  ليشكل رافعة أساسية لتنمية الوطن كما أكد جلالته في رسالة كيغالي قائلا: " ولقد حرصت دوما على جعل كرة القدم في بلدي، المملكة المغربية، ركيزة للنجاح ورافعة للتنمية البشرية المستدامة. فلئن كانت لعبة تستأثر بقلوب الملايين، وموهبة تعكس طاقة إبداعية خلاقة، فهي تقوم أيضا على أساس رؤية مستقبلية، والتزام طويل النفس، وحكامة قوامها النجاعة والشفافية، واستثمار في البنيات التحتية وفي الرأسمال البشري" ..//  إنتهى الإقتباس.