الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

المختار لغزيوي يرثي الزميل توفيق مصباح.. وجدت فيه نبلا حقيقيا تلتقطه بالعين المجردة بسهولة..

المختار لغزيوي يرثي الزميل توفيق مصباح.. وجدت فيه نبلا حقيقيا تلتقطه بالعين المجردة بسهولة.. الراحل توفيق مصباح
هي صدمة كبيرة تركها الزميل توفيق مصباح سكرتير تحرير جريدة "الوطن الآن" في صفوف زملائه الصحافيين..
الزميل المختار الغزيوي، مدير نشر
"الأحداث المغربية"، رثاه، في افتتاحية عدد الثلاثاء 10 يناير 2023، بكلمات صادقة تبرز مدى التأثر البالغ لفراق زميل عنا. 

رحم الله زميلنا توفيق مصباح.. كان من النوع الطيب الحي، وهو نوع شبه نادر بيننا نحن قبيلة الصحافة. 
عرفته في بدايات العمر الصحفي، وكل منا يشق طريقه نحو ماهو سائر إليه من خطوات كتبت علينا، ومن كتبت عليه خطى مشاها، فوجدت فيه نبلا حقيقيا تلتقطه بالعين المجردة بسهولة، وتدركه حواسك الداخلية بيسر شديد. 
رحلتنا معا إلى مهرجان الفيلم الوطني بطنجة بداية سنوات الألفين لازالت راسخة في الذهن بتفاصيلها المضحكة من قبيل الدراهم القليلة التي كانت في جيوبنا جميعا، والتي فرضت علينا إنهاء تغطيتنا للمهرجان في اليوم الثالث منه فقط، بعد أن توقف بنا حمار الشيخ، أو حمار المال، في عقبة البوغاز، أو من قبيل مرحنا ونحن نشاهد أفلاما كالأفلام، ونتساءل بصخب داخل قاعة "روكسي": من منح هؤلاء الحمقى الدعم لكي يرتكبوا مثل هاته الكوارث؟ 
انقطعت بنا سبل الحياة بعدها، لكن ظل بيننا احترام وتقدير (أظنهما متبادلين) عن بعد. 
ظللت أتابع المسار الأنيق لتوفيق، وأقرأ بعناية مايكتبه عن التلفزيون والسينما. وبقيت مقتنعا في حالته هو، لكن أيضا في حالات زملاء وزميلات آخرين أن من اخترع عبارة "قاتل بسعد وإلا فدع" لم يكن مخطئا بالمرة، لأن العديدين ممن يقلون عن توفيق موهبة وتميزا في مجالنا أدركوا أمورًا لم ينلها هو بسبب الحظ.. فقط لاغير. 
عندما علمت منذ أشهر بواسطة زميلنا العدلاني أنه مريض جدا، وأن الحكاية هي حكاية أسابيع فقط، مع أن الأجل بيد الله، تألمت حقا، وعاتبت نفسي كثيرا أنني أقفلت بابي علي، ولم أعد أسأل في الكثيرين. 
قارنت الأمر بما وقع مع راحل عزيز آخر هو يوسف هناني رحمه الله، وتذكرت أنني بقيت أؤجل مواعدنا معا إلى أن فات الموعد تماما ورحل يوسف إلى ربه. 
لعله درس حياة آخر يلقنه لنا الموت: العمر أقصر من أن نضيعه في التافه من الأشياء، وفي تأجيل كل شيء إلى أن يمضي كل شيء…
يوم الأحد 8 يناير 2033، تأخرنا بسبب ظروف العمل عن الجنازة، وعندما وصلنا إلى مقبرة "الغفران" بالدار البيضاء، كان مشيعو توفيق من أهله وأصدقائه قد ذهبوا. 
وحده كان هناك تحت الثرى، محاطا بتراب كثير، وفوق رأسه صخرة بيضاء صغيرة كتب عليها بخط أزرق بدائي: "توفيق مصباح، الرقم 94".
كان المشهد مؤلما وحزينا وقاتلا. قرأنا ماتيسر، نبسنا ببعض الدعاء، ذهبنا لحال سبيلنا في انتظار استكمال بقية الخطوات والخطى وكفى. 
رحمك الله توفيق.