Saturday 31 May 2025
في الصميم

أريري: في الحاجة لتجفيف المغرب من سموم الشرق!

أريري: في الحاجة لتجفيف المغرب من سموم الشرق! عبد الرحيم أريري
يعاني عموم المغاربة، سواء في عهد اليسار بالأمس، أو في عهد الأصوليين اليوم، من اليتم، بسبب غياب نخب سياسية وحزبية وفكرية مهووسة بوضع أجندة المغاربة على رأس الأولويات، وليس الاستلاب من الشرق، أو غيره، إلى حد عبادة أصنامه وزعمائه ومثقفيه وشيوخه، بل إلى حد التماهي بشكل مذموم مع مشاكله وقضاياه.
 
نعم لتشغيل الرادار لالتقاط كل ما يجري بالعالم ومعرفة التحولات، لكن ليس على حساب تخدير العقل العام المغربي وتعطيل ملكاته الفكرية في التعبئة الداخلية. 

فحذار من الانبطاح على نحو شامل للمشارقة وكأننا إقليم تابع لتركيا أو لمصر أو للسعودية أو إيران ، وكأن الشرق غير غارق في تناقضاته ومشاكله.
 
فعبر التاريخ - وباستثناء الوحي الإلاهي وبعض الأوجه المنيرة فكريا وفنيا- لم تأتنا كمغاربة، سوى السموم والدسائس من الشرق.
 
نحن في حاجة إلى تجفيف منابع "شرقنة" المغرب (نسبة إلى الشرق)، وتطويق هذا التماهي المبالغ فيه مع المشرق.
المغرب في حاجة ماسة إلى إزالة "شحوم الشرق"، في بعدها الظلامي والمظلم، من مناهجه الدراسية ومن شبكة برامجه بالإذاعة والتلفزة ومن أسماء شوارع مدنه، عبر حذف كل ما يعلي من هاته الصورة المبالغ فيها للمشارقة الى حد الانبطاح والتأليه في المتخيل المغربي. 
 
فمن العار أن ندجن المغربي منذ طفولته، ونربيه على تأليه رموز الشرق بحفظ كتابه وشعرائه وسياسيه ورياضييه وممثليه، و"نطلي" كتبنا التعليمية وواجهات مؤسساتنا وشوارعنا بأسماء مثقفي النخب المشرقية، بينما نحتقر النخب المغربية التي قدمت عطاءات في السياسة وفي الاقتصاد وفي العلوم الفقهية وفي الفكر وفي الأدب وفي الغناء وفي العلوم وفي الرياضة وفي المقاومة وفي الجيش الذي استشهد أفراده دفاعا عن الحدود، ولا نتغنى بأمجادهم وبصماتهم وإسهاماتهم وإشراقاتهم في كتبنا المدرسية وفي أغانينا وفي أسماء شوارعنا وواجهات مرافقنا العمومية. 
 
فاللهم ارزقنا نخبا سياسية يخفق قلبها بنبض المغرب والمغاربة أولا وثانيا وثالثا وأخيرا. 
فمن كان يلهث بالأمس وراء الحقائب المالية لجمال عبد الناصر وصدام والأسد والهواري بومدين والقذافي، فها هو المغرب حي وأصنام الشرق دمرت، وآلت إلى التاريخ أو النسيان ليفعل بها ما يشاء.. ومن يلهث اليوم خلف الحقائب المالية للإخوان المسلمين والعثمانيين والسلفيين والوهابيين والشيعة الفارسيين المعمدة بالبيترودولار، فإن آبار النفط ستجف غدا، وسيبقى المغرب شامخا وطاهرا من هذا التدنيس.

"فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".