يواصل برنامج "سيرة ومسار" مسيرته في استضافة رموز الفكر والثقافة من كتاب وشعراء، وحينما يلتقي الاثنان في واحد و حينما ترافق بلاغةُ السرد و روعتُه إيقاع الشعر و اناقتَه ، فإن شيئا عظيما يهز الوجدان لا بد أن يحدث، وقد حدث مع محمد الاشعري، شاعر وروائي وسياسي واعلامي، يحلق حرا في ملكوت الادبيات بمختلف سرودها ليحط الرحال حيثما واتته أرض الكتابة.
اديب بلا حدود وسياسي بلا قيود، انخرط في سن مبكرة في صفوف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تشبع بالفكر اليساري المرتبط بالمرحلة، فكانت التعبئة فكرا ونضالا، وانخرط في تجربته الاعلامية من خلال عموده الشهير عين العقل فبصم جريدة الاتحاد الاشتراكي بأسلوبه الحكائي والشاعري وبجرأته اللاذعة الساخرة.
ظل محمد الاشعري وفيا للثقافة مهووسا بقضاياها، فانتقل عشقه للكلمة من متعة الكتابة الى احساس بالمسؤولية، تبلور ذلك من خلال حضوره في اتحاد كتاب المغرب لمدة جاورت العشر سنوات.
مسؤولية بوأته ليتقلد حقيبة وزارة الثقافة خلال حكومة التناوب مع عبد الرحمن اليوسفي وحقيبة وزارة الثقافة والاتصال خلال حكومة ادريس جطو.
بدأ محمد الاشعري تجربته الابداعية شاعرا مع صهيل الخيل الجريحة تلتها عينان بسعة الحلم وغيرها وتمددت دواوينه لتصل الى آخر ديوان له جدران مائلة، انتقل محمد الاشعري إلى القصة تاركا وراءه مقولة النفري "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" ليثبت عبر مجموعته القصصية يوم صعب والخميس مقرونية اتساع الرؤية بفيض العبارة، وما زال محمد الاشعري يسهم بكفاءة روائية مائزة في بناء عالم روائي أدهش رموز الفكر والثقافة ليتألق في الرواية مع جنوب الروح والقوس والفراشة.
خلال رحلة الذهاب والاياب بين هذه الأجناس الأدبية ظل محمد الأشعري يكتب الشعر بروح القصة ويكتب القصة بروح الشعر.
يكتب محمد الاشعري للنحن هنا والان فتحضر الذات ويحضر المكان والزمان، جعل من المكان جغرافية لسرده، فحمله ذاكرة في وجدانه ومادة في قلمه.
عاد في جنوب الروح والقوس والفراشة، إلى مسقط الروح والوجدان قرية بومندارة بمدينة زرهون ثم الى الدار البيضاء مع أحوال البيضاء والى الرباط مع علبة الاسماء والى مراكش مع ثلاث ليال والى غيره.
ينبش محمد الاشعري بمهارة وبمرارة في التاريخ يستلهم من أحداثِه وشخوصه مادة حكائية، فينتصر للذات وللتاريخ.
جرأة النبش في الذاكرة متعة الادهاش قوة الاقناع مواقف ساخرة اقتلاع ومنفى استنطاق للخرائب، بوح واحتاج ولغة غاوية تتيح متعة الاستدراج. هكذا يحكي محمد الأشعري اشعاره ورواياته.
تجربة ابداعية فريدة ومتميزة لم تكن لتمر دون التفاتة من طرف العديد من المؤسسات الوطنية والعربية، فقد حظي محمد الأشعري بعدة جوائز وتكريمات توازي القيمة الثقافية والفكرية التي تميزه وترافق مساره الابداعي اللامتناهي. فقد حصل على جائزة البوكر عن رواية القوس والفراشة سنة 2011 وجائزة الاركانة للشعر سنة 2020.
ويعتبرها محمد الاشعري جوائز رفعت من منسوب مقروئية نصوصه الروائية واستدعت في نفس الآن النقاد إلى الالتفات إلى اعماله الشعرية.
محمد الاشعري هو عنوان لكتاب في كاتب حفر اسمه بمهارة في الذاكرة ليصبح اسما سامقا في المشهد الثقافي وطنيا ودوليا.
ترقبوا هذه الحلقة من برنامج "سيرة ومسار" يوم الجمعة 21 مارس 2025 على الساعة العاشرة ليلا على شاشة القناة الثقافية.
البرنامج من إعداد سعاد اليعقوبي وإخراج وداد التافكي.