أكد عبد الفتاح البلعمشي، رئيس مركز الدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن الجيل الجديد من السياسة الخارجية التي تسعى له المغرب وموريتانيا هو قطيعة مع ممارسات الهيمنة والوصاية في إفريقيا، وخلق جو سياسي واقتصادي يسوده الاحترام المتبادل، لتعزيز قوتهما وموقعها التفاوضي، وحمايتهما من المخاطر التي تحيط بهما سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو السياسي.
يأتي ذلك في ندوة علمية نظمها مركز الدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، وجمعية الأطر الموريتانيين خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس المغربية بنواكشوط مساء يوم الأربعاء 24 يوليوز 2024 بمقر الجمعية، وذلك تحت عنوان: "آفاق العلاقات المغربية الموريتانية".
وبعد تمهيد تربة بنت عمار رئيسة الجمعية، عرفت فيه بضيف موريتانيا عبد الفتاح البلعمشي ومؤهلاته العلمية، ورحبت بالضيوف والنخب الحاضرة، ثم تحدثت في لمحلة تاريخية عن العلاقات الموريتانية المغربية ذات الأبعاد الثقافية والإنسانية والمجالية، ثم أحالت الكلمة للضيف رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات.
استهل البلعمشي كلمته بتحديد السياق العام لهذه الندوة التي جاءت في ظرف مهم للبلدين، حيث ينتظر المغاربة هذه الأسبوع الذكرى 25 لعيد العرش، بينما ينتظر الموريتانيون تنصيب الرئيس محمد ولد محمد أحمدولد الغزواني الذي انتخب لفترة رئاسية جديدة بعد اقتراع 29 يونيو الماضي.
وفي ظل هذا الاستقرار السياسي والمسار الديمقراطي الذي يعيشه البلدان ضمن تحولات دولية عميقة جاءت هذه الندوة لتسلط الضوء على الآفاق الواعدة للعلاقات بين البلدين والتي يفرض الواقع والمصلحة العليا للبلدين تعزيزها وتطويرها وتنميتها في كل الاتجاهات والأبعاد.
مذكرا بأن دور الفاعلين الأكاديميين والاقتصاديين والفنانين والرياضيين وفعاليات المجتمع السياسي والمدني بالبلدين، يتحملون مسؤولية مهمة في الدفع نحو التقارب بين الشعبين، ليس من زاوية تعويض العمل الرسمي لمؤسسات الدولة، ولكن من باب تثمين العلاقات الثقافية والحضارية، واقتراح كل ما من شأنه تعزيز التقارب بين البلدين، في شتى المجالات، عبر دبلوماسية موازية ناعمة مقدامة ومكملة للأدوار الدبلوماسية الرسمية للبلدين.
واستعرض المحاضر عمق العلاقة بين لبلدين معتبرا أن كل واحد منهما يشكل عمقا تاريخيا للآخر، وأكد على ضرورة استفادة البلدين من بعضهما، من أجل رسم ملامح المغرب الكبير، حيث أن البلدين يمثلان رمزا للسلم والتنمية والاستقرار في شمال إفريقيا، ويضمنانه في منطقة متوترة، كما أكد على ضرورة القوة التفكيرية و الاقتراحية من المجتمع المدني سواء تعلق الأمر بمراكز التفكير، أو الجامعات، أو المنتديات الاقتصادية، من أجل تعزيز وتطوير هذه العلاقات، وتقديم مقترحات بشأنها للمعنيين.
فالعلاقات المغربية الموريتانية لها خصوصيتها الذاتية، وكذا الإفريقية خاصة بعد استرجاع المغرب لمكانته الإفريقية بعد انضمامه للاتحاد الإفريقي في يناير 2017، وتعزيز حضوره داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي، وتطوير أدائه، كما أكد المحاضر على دور المغرب في مأسسة الدول الأطلسية، وفتح المجال أمام دول الصحراء والساحل لولوج الأطلسي، ضمن مبادرة استراتيجية مغربية واعدة، تعبر عن التزام المملكة بتوجه جنوب-جنوب، ومنطق الاستفادة المتبادلة من وإلى إفريقيا، وفتح آفاق جديدة للاقتصاد العالمي، فمثل هذه المبادرات، والفاعلية المغربية في البعد الإفريقي من شأنها تعزيز آفاق التعاون بين البلدين ورسم علاقات صلبة بين البلدين على كافة الأصعدة.
وفي نهاية الندوة أعطيت الكلمة للحضور الذي تشكل أساسا من مسؤولين حكوميين سابقين ورؤساء منظمات غير حكومية دولية وإعلاميين وأساتذة جامعيين وأعيان، للتفاعل مع المحاضرة، من خلال كلمات عبرت كلها عن عمق المحبة والاحترام بين الشعبين وضرورة التصدي لكل من يصطاد في المياه العكرة ضدا على الماضي المشترك والعمق المتبادل والطموح المفترض، كما عبر هؤلاء الأطر والمثقفون بمختلف أعمارهم ومشاربهم السياسية والثقافية، على أن العلاقات المغربية الموريتانية هي قبل هذا وذاك تعبير صادق عن مشاعر الأخوة التي تجمع شعبين عريقين قادرين على بناء جسور جديدة من التعاون والاعتماد المتبادل.