الجمعة 7 فبراير 2025
كتاب الرأي

محمد الدرويش:  الأسئلة المطروحة للمشرع حول مشروع المرسوم الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين

محمد الدرويش:  الأسئلة المطروحة للمشرع حول مشروع المرسوم الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين محمد الدرويش
بعد سنوات من الإنتظار تسربت بشكل غير مألوف  النسخة الرسمية لمشروع مرسوم رقم 2.23.545 بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي ، و في وقت حساس و دقيق تم اختياره بعناية كبيرة و بحسابات قد تكون ضيقة تؤكد ما ذهبنا إليه قبلاً، إذ اعتبرنا أن الوزارة ترهن هذا المشروع بمشروع الإصلاح البيداغوجي ، فبين اثنين واثنين تم الافراج عن المشروع ، الاثنين الماضي المساءلة الشهرية للسيد رئيس الحكومة حول موضوع التعليم العالي و الإثنين بعده الدورة الإستثنائية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين و البحث العلمي لإبداء الرأي حول موضوع ضوابط الدفتر البيداغوجية و مرسوم الشهادات ، وبعيدًا عن أي تأويل أو إصدار أحكام جاهزة ، وبغية المساهمة الموضوعية في النقاش الدائر حول الموضوع ، ومن منطلق الإهتمام بقضايا المنظومة بعيدًا عن الطرح النقابي لأن الموضوع سيناقش نقابيًا في الأجهزة المخول لها ذلك محليًا وجهوياً  و وطنياً وسيكون محط تقييم موضوعي خلال المؤتمر القادم - قلت بعيدًا عن كل ذلك - ونحن نذكر بأن التعليم العالي المغربي عرف نساؤه ورجاله 4 انظمة اساسية ،وهذا خامسها : 
 *الأول سنة 1959 في شكل مرسوم لكل فئة أستاذ التعليم العالي وأستاذ محاضر ومساعد الكلية .
 *الثاني سنة 1970 و الذي احتفظ بنفس الهيئات .
 *الثالث سنة 1975 ويضم أساتذة التعليم العالي والأساتذة المحاضرين و الأساتذة المساعدين و المساعدين .
 *الرابع سنة 1997 ويشمل أساتذة التعليم العالي والأساتذة المؤهلين وأساتذة التعليم العالي المساعدين .
وتم وضع مرحلة انتقالية للأستاذ المساعد والمساعد في طور الإتقراض .
 
واليوم و نحن نطلع على المشروع المنتظر نسجل الملاحظات التالية و هي في شكل أسئلة نوجهها للمشرع :
 أولا ً / ما موجب المادة 26 من المشروع بخصوص الأساتذة المساعدين ولمساعدين من حيث وضعياتهم و التعويضات المخولة لهم ؟هل لم يستحضر المشرع محضر الإتفاق الذي تم بين النقابة الوطنية للتعليم العالي و قطاعات التعليم العالي والمالية و الوظيفة العمومية الموقع يوم 29 ابريل 2011 والذي تضمن مادة بمقتضاها "حل مشكل المساعدين الحاصلين على دبلوم الدراسات العليا و ذلك بتفريغهم في اطار أستاذ مساعد ثم أستاذ التعليم العالي مساعد " وبمقتضى، ذاك الإتفاق تم إعفاء حملة د.د.ع او السلك الثالث من شرط الحصول على شهادة الدكتوراة وهو ما تم بالفعل وترجم إلى نص تشريعي ضمن المرسوم كما هو مبين في المادة 33 من المرسوم حسب ما تم تغييره و تتميمه ،وما نصت عليه المادة 37 من المرسوم حيث وضع هذان الاطاران في طريق الإنقراض ،و ما زلت أتذكر حالتين بجامعة القاضي عياض، وحالة بجامعة الحسن الثاني وحالات أخرى سويت جميعها .فلا وجود لأي حالة اليوم لإطار أستاذ مساعد وحتى المساعد، وإن وجدت إحدى الحالات وهو أمر مستبعد فإما أن الادارة لم تقم بواجبها في تطبيق مقتضيات الإتفاق و المرسوم، وإما أن توظيفات جديدة تمت و هو أمر مستحيل.!!؟؟ألهاته الدرجة صارت ذاكرة القطاع الوصي " مثقوبة " ؟ 
ثانيا / نتحدث كثيرًا عن تقاعد كفاءات عالية ونصفها بالخسارة الكبرى ،و في المقابل لم يتم التنصيص في هذا المشروع على إحداث إطار أستاذ فخري كما هو معمول به في مجموعة من الدول المتطور تعليمها العالي والتي تحتفظ باساتذتها حتى يقرروا هم التوقف و الذي غالبا ما يكون لأسباب صحية ، و نضرب مثالاً بعالم اللسانيات الأمريكي نوام تشومسكي الذي فاق سنه 85 سنة و ما زال يحتفظ بمكتبه بالامايتي ( M.I.T) ، عوض ان نترك مجموعة من الجامعات تقرر إسناد هاته الصفة لبعض اساتذتها و بعض الأساتذة يسندون لأنفسهم هاته الصفة ، والجهتان معاً  تفعل ذلك دون سند قانوني ولا امتيازات تذكر . فلماذا هذا الجحود ، ولم هاته " الدراما نبكي " على تقاعد الكفاءات و نتجاهلها في التشريع 
ثالثا / و نحن نتحدث عن نقص كبير في التأطير للأسباب المعلومة لدى الجميع ، ونتحدث عن جلب كفاءات الخارج و عن جيل جديد من الطلبة الدكاترة الباحثين ، لماذا لم يتم التنصيص على هاته الفئة في إحدى  مواد المرسوم حتى يكون ذلك الذكر مؤطراً قانوناً و محفزاً لهم و مشجعاً  على العطاء وبذل المجهودات المطلوبة وأكثر دون أن يكون لهم وضع إداري قار والذي سيحصلون عليه بعد الإستجابة لمقتضيات التوظيف ، وهكذا ستربح المنظومة مرتين .
رابعا / كيف يفسر المشرع انتقال الرقم الإستدلالي للأستاذ الباحث في بداية مشواره من 336 الى 509 أي من نظام 75 إلى نظام 97 بما يحمله الرقم الاستدلالي من تعويضات يساوي كل رقم منها مقداراً  مالياً يحتسب في الأجور الشهرية ، و يعتمد في احتساب التقاعد واحتفاظ المشرع بنفس الرقم الإستدلالي، وهو ينتقل من نظام 97 الى نظام 2023 أي 509 دون تغيير يذكر .
خامسا / كيف قبل المشرع أن يبدأ الأستاذ الباحث ( 8 سنوات على الاقل بعد الباكالوريا ) بالرقم الإستدلالي 509 وهو نفس الرقم الإستدلالي الذي خوله المشرع للأطباء ( 6 سنوات بعد الباكالوريا ) و يقارب الرقم الاستدلالي الخاص بفئة المهندسين ( 5 سنوات بعد الباكالوريا ) وهؤلاء جميعهم يفترض أنهم طلاب أساتذة التعليم العالي .
سادسا / هل يعتقد المشرع أن البحث عن كفاءات الخارج مدخله الأساس هو النظام الأساسي الذي يسمح لهم باجتياز مباراة الإلتحاق بالتعليم العالي في سن أقصاه 55 سنة كما هو مبين في المشروع ،لا نعتقد ذلك ، لأن كفاءات الخارج الحقيقية و العالمة تبحث عن بنيات الاشتغال و البحث العلمي بشروطه وإمكاناته و ظروفه وأوساطه و هي لعمري غير متوفرة في أغلب جامعاتنا المغربية مع كل أسف ، ولنا أمثلة كثيرة نذكر منها مثالًا لواقعة أستاذ باحث مغربي من جامعة انجليزية جاء للمغرب لتنفيذ مقتضيات اتفاقية دولية مع جامعة محمد الخامس بالرباط قبل شهرين من الآن وظل "يتنقل  " بين شوارع الرباط دون أن يجد مخاطبًا ولا شروط الإشتغال فكتب رسالةً بمثابة قرار الاستقالة من هاته المهمة وعاد أدراجه إلى انجلترا 
وعليه أرجو أن لا " نبيع الوهم " لشبابنا ومواطنينا و مسؤولينا ،إذ يجب أولاً توفير كل الظروف المطلوبة و بعدها لننفتح فيكون المستقبل واعدًا للجميع .
سابعا /  ألم يكن من المستحب - و نحن نتفاضل بالحديث ايجاباً عن جيل يغادر التعليم العالي بسبب بلوغه سن التقاعد و هوالجيل الذي كان له الفضل الكبير في تكوين وتأطير جيل الشباب الحالي وجيل من سيغادر خلال السنوات القليلة القادمة – ان يقرر المشرع تاريخ المفعول المادي و النظامي بأثر رجعي يبتدئ من سنة 2018 مثلًا أو بعدها أو قبلها بقليل تكريماً  لهذا الجيل واعترافاً  له بما قدمه من خدمات جليلة لجامعاتنا في ظروف صعبة ليست كظروف اليوم .
ثامناً / ما هي فلسفة وخلفية أن يساوي المشرع بين الأستاذ المحاضر والأستاذ المحاضرالمؤهل و هما اطاران مستقلان في المهام وعدد ساعات العمل و يميز بينهما في الأرقام الاستدلالية و الأجور ؟ 
تاسعًا/ في زمن  الخصاص المهول في عمليات التأطير و زمن البدء في الإصلاح البيداغوجي المرتقب يلجأ المشرع إلى خصم 4 ساعات أسبوعية من الإطار الأول دون تعويض ذاك الخصاص بالموارد البشرية المطلوبة . فنسبة التأطير بلغت اليوم أكثر من 120 % أي أستاذ لكل 120 طالب وخلال الدخول المقبل ستقارب النسبة 150 % في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح !!؟؟
وأخيراً وليس آخرا ً لا بد من التذكير بأن كل نص تشريعي له روح و فلسفة، فالنصوص الأربعة الخاصة بهيئة الأساتذة الباحثين لها فلسفة و روح لمسناها، ونحن نشرحها ونفاوض بشأن بعضها خلال السنوات الماضية .
 
والسؤال المطروح ما هي الفلسفة التي قام عليها مشروع المرسوم المنتظر و كيف هي روحه ؟ 
لأننا أحسسنا بأنه تجميع لما لا يجمع و حذف ما لم يكن واجبا حذفه ،و إضافة ما لا يجب إضافته وتلصيق فقرة من هنا و فقرات من هناك ، فكان نص حقيقةً بدون روح ولا فلسفة ، رغم ان الحكومة قدمت فيه مجهودًا مالياً محترماً ، لكن المشرع أغفل فئات أخرى فكان غير منصف لها ، وهو الأمر الذي قد يتسبب في عدم استقرار المنظومة،  وعدم الانطلاقة الجيدة للإصلاح المقرر تنزيله شتنبر المقبل2023 دون التوفر على الحد الأدنى الإمكانات المطلوبة ودون تقديم ضمانات ذلك .
و ختاماً نؤكد أن الكلام الجميل و  الجذاب يجب أن يترجم بالأفعال و المواقف والقرارات الأكثر جمالًا و اجتذاباً .
 
محمد الدرويش، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي قبلًا رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين، أستاذ التعليم العالي