الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

الصادق بنعلال: عن نجاح المسلسل التلفزيوني المغربي "لمكتوب"؟

الصادق بنعلال: عن نجاح المسلسل التلفزيوني المغربي "لمكتوب"؟ الصادق بنعلال
إذا وضعنا جانبا الأحكام و الارتسامات المتسرعة الصادرة عن بعض المشاهدين المغاربة، الذين تفاعلوا من خارج الزاوية الفنية مع مسلسل "لمكتوب"، الذي تعرضه القناة الثانية، فإننا نعتبر وبقدر كبير من الثقة أن هذا العمل الجمالي يعد بحق قفزة نوعية بالغة الاعتبار في سياق تاريخ الدراما الوطنية. وفي خضم مجموعة من العروض غير الموفقة والضعيفة التي تميز "الإبداع" السينمائي والتلفزيوني في شهر رمضان الفضيل، يظل هذا المسلسل نقطة ضوء في فضاء ثقافة بصرية وطنية في حاجة إلى إقلاع فني جاد ومسؤول. يندرج هذا المحتوى التلفزيوني في جنس أو نوع الدراما الكوميدية للمخرج السيد علاء أكعبون والسيناريست فاتن يوسف، وتشخيص كوكبة من خيرة الممثلات والممثلين الواعدين.
تتمحور أحداث المسلسل حول الواقع المر الذي يطوق مغنية شعبية تُعنت "بالشيخة"، ما يجعلها في صراع بلا نهاية للتغلب على شدائد الحياة ومصاعبها غير المنتهية، وضمان لقمة العيش تماما كما هو الشأن بالنسبة لكل العاملين المجتهدين في مختلف الميادين والمجالات، لكن في الآن عينه يسلط المسلسل الضوء على أبرز الإشكالات والأعطاب ذات الصلة بواقعنا الاجتماعي متعدد الأبعاد والمستويات، أقلها التفاوتات الاجتماعية غير السليمة القائمة على مرتكزات الحيف والظلم والفساد بمعناه الشمولي، والأزمات والمماحكات المرضية التي تستشري في أسرنا و أحيائنا ومقرات عملنا، التي قد تكون بمثابة قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، والعلاقات غير السوية بين الإخوة بناتا وذكورا وبين الأبناء والآباء، في مناخ لا يطاق من حيث اختلاف النوايا و"المخططات"، المستندة إلى المصالح الضيقة والرغبات والميول بالغة الرعونة والانحراف..
بل أكاد أقول بأن هذا العمل الدرامي الهام يرسم بكفاءة عالية لوحة فنية قاتمة السواد، تعكس بجلاء ما يحبل به مجتمعنا المغربي من مظاهر البؤس الأخلاقي المبين؛ من تمرد سلبي واندفاع وانتهازية و وصولية ومكر واستغلال و انعزالية ولامبالاة.. التي تقف بحدة في وجه قيم الإخلاص والمروءة والتفاني في العمل، رغم حجمها الضئيل في عالم من التنمر والإثارة والانهيار القيمي شبه المطلق. يعد مسلسل "لمكتوب" صيحة مدوية في وجه مسلكياتنا الموغلة في الفردانية المقيتة، فالكل يسعى سعيا نحو الخلاص النفسي والمادي على حساب الآخر حتى ولو كان من أقرب المقربين إليه، لقد أضحى المال والسطو والجشع أكثر من أي وقت مضى هدفا يعلو ولا يعلى عليه، ووسيلة فعالة للإطاحة بالأبرياء والمظلومين. إنه رسالة مدنية إنسانية تدق ناقوس خطر، يحدق بنسف قواعد التضامن والأخوة والمحبة وقبول الآخر. وقد صيغ هذا الإنتاج التلفزيوني في قالب "دراماتولوجي" جمع بين دقة الإخراج وتفوقه الملحوظ وسلامة السيناريو من الإطناب والإضافات غير الملزمة، والتشخيص الناجح إلى أبعد مدى لممثلات وممثلين مغاربة شباب أبانوا عن كفاءة محترمة في تشخيص الأدوار الصعبة والمركبة.. مما جعله يحظى بمتابعة الملايين من المشاهدين. أملنا أن يكون انطلاقة حقيقية و ليس مجرد نجاحا مؤقتا في مسار المنجز الدرامي الوطني!.