الجمعة 3 مايو 2024
كتاب الرأي

ادريس المغلشي: الصمت والألم توأمان

ادريس المغلشي: الصمت والألم توأمان ادريس المغلشي
في جو ممطر وبرد قارس وفضاء اختلطت فيه أصوات ألم هنا ودردشة هناك.حين سكن الليل في أروقة خالية من جلبة يوم مكتظ. في غرفة فاقدة للدفء تصطك أبوابها، عديمة أقفال احتلها بالقوة مجرى ريح عنيفة. فوضوية كعادتها تتدخل في كل لحظة وحين لتقطع بشكل فج هدوء القاعة.
تخرج رؤوس من تحت أغطية مفزوعة ساخطة مزمجرة لكنها مستسلمة لقدرها، بأعين جاحظة لا تقوى على الكلام. بعدما أزعجتها وقضت مضجعها، لتسرق منها نعمة النوم؛ اجتهد أحد النزلاء بإحكام إغلاق باب الغرفة بحبل يشبه لحد بعيد ما كانت أمي تحيطه "بكسكاس الطعام "ليعوض مكان قفل يليق بالصورة التي اهتز رونقها وشوه معالمها وقوض شكلها .
فوق بقايا سرير مهترئ باهت اللون. يحمل كثيرا من الأسرار وبقايا آلام مرت من هنا، يحتفظ بأمانة بأنين وآهات مكلومة.
ما أتعسك من سرير...!
فقدرك ومصيرك أن تبقى كحائط المبكى. إلى أن تقذف في آخر أيام عمرك في مركن المتلاشيات. أوفي سوق قديم ليقتنيك تعساء يبحثون عن لذة نعاس حرموا منها لزمن طويل .
بل ما أنبلك من سرير ...!
فأنت الحضن الأمين الذي يحفظ الآلام والأسرار ليس كباقي البشر .
ما أرقاك في هذا الدور الاستثنائي...!
الذي قلما نجده خارج إطارك الأصلي .
ترقد لوحدها نائمة مستلقية على ظهرها تغالب الألم بالنوم. تبحث وهي تقلب جسدها النحيف يمنة ويسرة باحثة عن وضعية مثالية ومريحة للنوم. أخرجت يدها المرتعشة ببطء شديد من تحت الغطاء ولوحت بشارة النصر، وهي تتمتع بعزيمة قوية. عيناها الذابلتان تنتقل بين نظرة عابرة تكاد تشبه إغماءة يلفها البياض وأخرى متيقنة واضحة من أجل معرفة وجودك بجانبها. تصدر بصعوبة ابتسامة خفيفة وهي تكابد الألم كرسالة حب جاري لتجيب على كل أسئلتك الحارقة لعلها تطفئ لهيبها المستعر. تعلم جيدا نفسيتك واهتمامك وتراعي في كل حواراتها هذا الجانب. حريصة على التواصل معك بشكل جيد. لا تترك البياض للشك وسوء الفهم تبادر بكل ما يفصح عن الموقف غير تاركة المجال لشيء آخر.
تغمض عينيها بعدما تيقنت بتحقيق المراد كاستراحة محارب وهي مطمئنة، لتسلم جسمها كلية إلى نومة عميقة يفضحها صوت أجش خفيف شخير منقطع عند كل حركة. فيعود الصمت من جديد بعد ضجيج لايطيقه المكان .
حين يتواطأ الصمت مع الألم فهي إشارة بليغة تعني أن البوح لم يعد يؤدي رسالته الأساسية. وأننا أمام واقع مأزوم استسلم لأيدي عابثة بفضاء إنساني بامتياز. لم نراع حرمته ولا قدسيته، فتعسفنا عليه مرتين، تدبيرا واستغلالا مع الأسف الشديد.