اليوم هناك 50 ألف طبيب ينحدرون من كوبا يعملون في 62 دولة، ويضخون للخزينة الكوبية كل سنة حوالي 10 ملايير دولار، بشكل جعل الذراع الطبي يحتل المرتبة الأولى في جلب العملة الصعبة بكوبا، بعد السياحة وتجارة السيكَار الفاخر.
أما داخل كوبا فهناك 91.800 طبيب (منهم 14.964 طبيب أسنان)، يضاف لهم 88.364 ممرض، أي ما مجموعه 180.164 من الأطر الطبية وشبه الطبية لساكنة لا تتجاوز 11.300.000 نسمة. أي أنه من أصل 1000 كوبي يسير في الشارع أو بالشاطئ، هناك 15 فردا يمتهن الطب أو التمريض.
بينما في المغرب لا نجد من أصل 1000 مواطن يسير بالشارع العام أو بالشاطئ سوى 1.6 فرد يمتهن الطب أو التمريض. وهذا ما يفسر لماذا يصنف المغرب ضمن الدول 50 الأكثـر خصاصا، في حين تتربع كوبا عرش الدول الأكثر تقدما في المجال الصحي. بدليل أن منظمة الصحة العالمية توصي بـ 23 طبيبا لكل 10 آلاف نسمة، بينما في الواقع نجد المغرب لا يتوفر سوى على 7 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، بينما كوبا توفر 82 طبيبا لكل 10 آلاف نسمة، أي أن كوبا أكثـر قوة من المغرب بـ 12 مرة في هذا الباب.
لكن ما هي الوصفة التي جعلت كوبا محط أنظار المراقبين بفضل إشراقاتها الصحية؟
للجواب عن ذلك ينبغي الغوص في التاريخ الحديث للبلاد..
للجواب عن ذلك ينبغي الغوص في التاريخ الحديث للبلاد..
فحين وصل الراحل فيديل كاسترو إلى الحكم عام 1959، أرادت أمريكا تركيعه باستقطاب معظم أطباء كوبا عبر إغرائهم بالمال والمنصب. فتم تفريغ كوبا من الأطر الطبية (كان في البلاد وقتها حوالي 6000 طبيب وممرض). لكن بقدر ما كانت خطة الولايات المتحدة موجعة لكوبا في بداية الثـورة، فإنها كانت الفرصة الذهبية لتعبيد الطريق لتصبح كوبا منارة طبية، ليس في جزر الأنتيل وبحر الكاريبي فقط، بل وفي أمريكا اللاتينية ككل، قبل أن تصبح مضخة تصدر الأطباء والممرضين إلى العالم. إذ ضدا في أمريكا، قرر كاسترو آنذاك، بناء كليات الطب (تتوفر كوبا الآن على 34 كلية للعلوم الصحية، بينما المغرب لا يتوفر سوى على 11 كلية للطب. كما قرر كاسترو الاستثمار في التعليم والصحة، وهو ما جعل كوبا اليوم تحصد ما زرعته في العقود الماضية.
ترى ما الذي سيكون عليه وضع المغرب بعد 6 أو 7 سنوات إن قلدنا نموذج كوبا، بدل البقاء رهائن عقدة وعقيدة برنامج التقويم الهيكلي في ثمانينيات القرن العشرين، التي لم تخرب المستشفى العمومي وحسب، بل نسفت أوتاد المرفق العمومي في التعليم والسكن وفك العزلة عن سكان الجبال والواحات؟