الأربعاء 5 فبراير 2025
كتاب الرأي

صديق معنينو: بئر أنزران

صديق معنينو: بئر أنزران صديق معنينو
وأنا في طريقي إلى مكناس انتبائي شعور غريب نظرا لأني على موعد مع ضابط شهير في القوات المسلحة الملكية... لم يكن الشخص عاديا فقد ارتبط اسمه بإحدى أكبر المعارك العسكرية في الصحراء بل يمكن اعتبار ما حققه من انتصار تحولاً استراتيجيا في ميزان القوى ومسار المواجهات العسكرية....
 
فيلا النصر
كان علي أن أجد شارع بئر انزران» ثم «فيلا النصر» حيث يقطن الجنرال المتقاعد... اندهشت بكون الشارع يحمل اسم المعركة التي انتصر فيها... لا أدري هل هو الحظ أم أن تسمية الشارع إشارة ذكية إلى تميز أحد ساكنه.... والغريب أن مفاجأتي ستتواصل طيلة مقامي في مكناس....
 
استقبلتني العائلة بكاملها، ووقف الجنرال حسين مزيرد لتحيتي والترحيب... قال... «أنت منا، وأنا أعرفك منذ زمان.... شكرا على اهتمامك وزيارتك.... وساد الصمت.... بدا لي الرجل مرهقاً مما عقد مهمتي حيث حرت من أين أبدأ... كان هدفي هو الحصول على مزيد من المعلومات حول بئر أنزران وكان في نيتي أن أركز على المعركة التي قطعت الطريق أمام المرتزقة.... لكن الصمت ظل يخيم على جلستنا.
 
اغتنمت المناسبة للقول بأني سعيد بهذا اللقاء وأني حاولت منذ سنوات الحصول على عنوان أو هاتف الجنرال ولكن الله سهل الأمور خلال الأسابيع الماضية حين اتصلت بي أصغر بناته.... قلت لها... «أريد أن أرى والدك.... بعد أيام حددت لي الموعد... أصغر بناته لها قصة جميلة بل يمكن القول أن اسمها يؤرخ المعركة بئر أنزران.... سألت والدتها عن سبب حملها لهذا الإسم واندهشت من جوابها....
 
في حاسي بيضا
سألت الجنرال متى التحقت بالجيش؟ اقترب مني السي الحسين وكانت أنفاسه تتصاعد وقال ... «التحقت بالأكاديمية العسكرية بمكناس سنة 1959 وبعد سنتين تخرجت منها ملازما مساعداً وفوراً التحقت بآيت با عمران وكانت سيدي إيفني لازالت تحت الاحتلال الإسباني كما هو الأمر بالنسبة للصحراء.....
 
في سنة 1963 قام الجيش الجزائري بالهجوم على نقطة مراقبة للحدود في حاسي بيضا، قتل الحراس وأحرق الخيام والسيارات... «فوراً تلقيت الأمر بالتوجه إلى المنطقة.... اجتزنا تيزنيت حتى المحاميد وخضنا حرباً دفاعية استرجعنا فيها أرضنا.... ومعلوم أن خلافات داخلية في الجيش الجزائري للسيطرة على الحكم كانت وراء الهجوم.... ولحد اليوم لازال الجيش الجزائري يتذكر تلك الهزيمة، بكثير من الألم، ولازالت القيادة الجزائرية تعتبره السبب الرئيسي للتوتر بين البلدين وإغلاق الحدود....

ونظراً لأن الرجل أبان على درجة عالية من المهنية في التحرك والشجاعة فقد وشح صدره الجنرال ادريس بن عمر قائد الجيش المغربي المكلف باستعادة حاسي بيضا.
غادرت أصغر بنات الجنرال الجلسة وعادت بصورة رائعة للجنرال بن عمرو وهو يوشح صدر الضابط مزیرد.
 
فوس بوكراع
عاد للصمت وكان علي أن أبادر... قلت «هل عدت إلى ضواحي سيدي إيفني ؟... أجاب... «عدت إلى تيزنيت لسنوات قبل أن ألتحق بالأكاديمية كمدرب... طال عملي فيها سبع سنوات وتخرجت علي يدي عدة أفواج... بعد ذلك تقدمت لاجتياز امتحان القيادة العليا ونجحت فيه... بعد سنة سيعلن الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء.... كنت إذاك في وجدة ومنها وجهتنا القيادة إلى أغادير...
 
بعد انطلاق الحرب كلفت بإعداد أربع فرق لوحدات التدخل السريع ودام ذلك ستة أشهر ثم رحلت إلى «فوس بوكراع لحماية مناجم الفوسفاط والشريط المطاطي الناقل حتى العيون.... تعرضنا لعدة هجومات كان بعضها عنيفا ومكلفاً ... كان العدو يغادر تيندوف ليلا ويتقدم بسرعة وهو مشتتا وحين يقترب من الهدف يتم التجمع والهجوم وبعد ساعة من القتال ينسحب وهو متفرقاً مما تصعب معه المطاردة».
 
الدروس الحسنية
مع مرور السنوات وارتفاع درجة المواجهة سينتقل إلى بئر لحلو ثم تيفاريتي... هناك سيتلقى الأمر بالتوجه إلى بئر أنزران.... ستدوم الرحلة ثلاثة أيام وسيقوم الفوج المحمول السادس بمرافقتنا... كانت المنطقة مهددة باستمرار، وكان السكان يخشون اختطافهم وحملهم إلى معسكرات تيندوف... كان موقع بئر أنزران استراتيجيا والسيطرة عليه تفتح الطريق نحو الداخلة....
 
نحن الآن في رمضان 1979... وكان الحسن الثاني يترأس الدروس الحسنية... يوم 3 غشت أخذ الملك الكلمة وأعلن أن المغرب قرر استرجاع وادي الذهب بعد أن تخلت موريطانيا عن التزاماتها... وقال قولته الشهيرة «كبرها تصغار».
 
وكانت موريطانيا قد شهدت انقلابا عسكريا أطاح بالرئيس ولد دادة ووصل إلى الحكم، ولد هيذلا الذي سارع إلى الاعتراف بجمهورية تيندوف والارتماء في أحضان عسكر الجزائر وسرياً تم الاتفاق على أن موريطانيا ستتراجع عن كل اتفاقياتها مع المغرب وتطالب بانسحاب القوات المغربية التي كانت تحميها من هجوم الانفصاليين... أعلنت موريطانيا انسحابها من وادي الذهب واتفقت مع الجزائر أن تفتح لها الطريق الاحتلال الداخلة.
 
كان التخطيط الجزائري يسعى لتحقيق ثلاثة أهداف... أولا هزيمة الجيش المغربي المرابط في بئر أنزران واحتلال الموقع ثانيا اختطاف السكان المغاربة الصحراويين وعددهم يفوق الألف والخمسمائة والتقدم نحو مدينة الداخلة لاحتلالها.... ثالثا إعلانها عاصمة للجمهورية الصحراوية وطلب النجدة من الحلفاء.... وكان وحدات من الجيش الجزائري في مطار تيندوف تنتظر النداء... في هذه الأثناء اجتاحت مدينة الداخلة مظاهرات عارمة أعلن خلالها السكان عن مغربيتهم والمطالبة بحمايتهم .... رفعوا الرايات وصور الملك واعتصموا مطالبين بالتدخل السريع للقوات المغربية نظرا لاحتمال تعرض المدينة لهجوم مفاجئ.....