الثلاثاء 16 إبريل 2024
في الصميم

محمد يتيم: «اللهم أريني في منامي أرقام الكيادر الثلاثة»

محمد يتيم: «اللهم أريني في منامي أرقام الكيادر الثلاثة»

شكل موضوع فوز صلاح الدين يتيم (نجل القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية والكاتب العام لذراعها النقابي محمد يتيم) بـ 50 مليون سنتيم في القمار (لعبة البوكر)، بكازينو السعدي بمراكش، الموضوع الصحفي الأكثر إثارة وتداولا في مواقع التواصل الاجتماعي، على امتداد الأسبوع الماضي.

وهو ما يبدو طبيعيا بالنظر إلى مكانة الأب السياسية والنقابية والدعوية، وارتباك هذه المكانة بالانتماء إلى مرجعية أصولية تمزج بين البعد السياسي والبعد الدعوي المسترشدين بما يعتبره الحزب تنزيلا للشريعة الإسلامية على أرض الواقع !

استنادا إلى ذلك، كان من الطبيعي أيضا أن يستحضر القراء، وهو يطلعون على خبر غنيمة صلاح الدين يتيم، شعارات حزب العدالة والتنمية خلال أيامه في المعارضة، وبرنامجه العام خلال حملاته الانتخابية، وضمن ذلك ترديد العنوان الكبير: محاربة الفساد والمفسدين، والقضاء على  كل ممارسات الميسر والخمور والقمار والأنصاب الأزلام باعتبارها «رجسا من عمل الشيطان». ومع ذلك، فقد كان من الممكن أن يمر خبر صلاح الدين بدون الضجيج الذي واكبه لو ظل محمد يتيم صامتا لكون تصرفات الابن، كيفما كانت، لا تلزم الوالد بأي التزام إذ «لا تزر وازرة وزر أخرى »كما في الآية الكريمة. إن بإمكان أبنائنا، فلذاتنا التي تمشي على الأرض، أن يختاروا أسلوب حياتهم بالشكل الذي يرتضوه، سواء ساروا على هدي ما نعتبره الصواب كما نتمناه لهم، أو تبنوا طريقا أخرى هم من سيحاسب عليهم، في جميع الحالات، لأن «كل شاة تعلق من كراوعها» كما يقول المثل المغربي. في هذا المقام لم يختر السياسي والنقابي محمد يتيم حكمة الصمت، فقد نقلت عنه بعض وسائل الإعلام اعتباره «لعبة البوكر أمرا حلالا»! وبأن الأمر لا يعدو أن يكون حرية شخصية للابن. وهو ما جعل هذا التصريح لا يطفئ الحريق، بل إن يزيدها «تزنيدا» لأنه يعطي انطباعا يسير باتجاهات متناقضة، ذلك أنه خشية أن يخدش كرامة ابنه، ويسقطه في المحظور، آثر أن يحلل ما يكفره فقهاء العدالة والتنمية وحركة الإصلاح والتوحيد. كل شيء ممكن في ملة واعتقاد «البيجيديين» لأن الكبدة أرفع من الحزب ومن الحركة على حد سواء، حتى ولو كان «الرجس» داخل البيت، أو قريبا منه.

أما بخصوص الحرية الشخصية، فهل يريد محمد يتيم أن يقنعنا بأنه ينهج سلوكا ليبراليا يضع الابن على مسافة مع الأب؟

إذا كان هذا هو المقصود، فالأمر يضع محمد يتيم في ورطة حقيقية لأنه يقبل لابنه ما لا يقبله لفئات واسعة من المغاربة. إن حزب يتيم وحركته بشكل عام لا تتوقف عن التأكيد على تحريم لاعبي القمار وشاربي الخمر  وآكلي سمك السردين المصطاد في مياه انقلبت فيها سفينة محملة بالويسكي و»الروج»
ومرتكبي باقي الفواحش. ومعناه ذلك أن لصلاح الدين وحده حريته الشخصية بخلاف «القمارين» الآخرين الذين يقترفون هذا الإثم العظيم.

الأكثر من ذلك أن يتيم وحزبه وحركته لا يكتفون فقط بحكم التحريم كما تؤكد ذلك أدبياتهم وبرامجهم الانتخابية. بل نراهم أيضا يدعون إلى اقتحام المجال  التنفيذي بالدعوة إلى انتهاج تدابير تدريجية في الموضوع.
والجميع يذكر كيف نادى عدد من قادة « البيجيدي» في مناسبات مختلفة بمحاربة القمار والخمور والإشهار لهما، وكيف اقترحوا الرفع من الضرائب على المشروبات الكحولية. كما نذكر المعركة الصاخبة التي خاضها حزب «لامبا» حين دعا إلى إلغاء إشهار ألعاب «اللوطو» وغيرها من ألعاب القمار من الشاشات التلفزيونية المغربية.

مجمل القول إن يتيم الابن قد فاز، وهذا يهمه شخصيا ( ولا دخل لنا في ذالك) لكن يتيم الأب خسر لأنه تفاعل بشكل متناقض ومرتبك مع نفسه، وحزبه وحركته. ومقابل ذلك نجح في إبراز جانب آخر من النزوع الشيزوفريني الذي يطبع سلوك الإخوانيين كلما وضعوا أمام امتحان ما. تماما كما فعل نظراؤهم
في مصر حين حكموا دار الكنانة سنة كاملة لم يتحدثوا خلالها، ولو في خطاب واحد عن شعارهم المركزي في الانتخابات التشريعية والرئاسية: «الإسلام هو الحل». لقد سكتوا عنه، لا لأنهم مقتنعون بأن هذه الأطروحة تحتاج إلى ملاءمة واجتهاد لتتواكب مع ضرورات العصر ومقتضياته، ولكن لأنهم يضعون الإسلام كمجرد شعار للوصول إلى الحكم، وبعدها يقبلون بالحكومة، كراسيها وامتيازاتها وميزانياتها ومحروقاتها و«ديبلاسماتها» التي يتكون جزء هام منها من مداخيل الخمور والقمار والتيرسي التي كانوا يدعون أنها الحرام.

إنه نفس السلوك المزدوج لـ «البيجيديين» الذين يعلنون مرة أنهم يحكمون البلاد ومرة لا يحكمون. في هذا السياق بالضبط، سبق أن سئل أحمد الريسوني، الراعي الروحي لهؤلاء، في مارس 2012، عن سبب موافقة حزب العدالة والتنمية على إدراج عائدات الضرائب على بيع الخمور والتبغ والقمار ضمن الميزانية العامة للدولة فأجاب «إن العدالة والتنمية يرفض كل المحرمات، وكل ما ينافي المرجعية الإسلامية، بما فيها المحرمات الموجودة في القوانين القائمة اليوم. وموقفه في ذلك لم يتغير، لكن ليس هو المسؤول عن وجودها واعتمادها، وليس في مقدوره الآن تغييرها بمفرده. وفوق طاقتك لا تلام، لا
يكلف الله نفسا إلا وسعها». الشيزوفرينيا لا تعني فقط داء الانشطار الذاتي فقط، بل تعني كذلك اللعب
على حبال المقدس والمدنس، وتركيز الخلط بينهما بكل المبررات، ومهما كان الثمن.
فاللهم حقق أحلام محمد يتيم، واجعله يرى في منامه «أرقام الكيادر الثلاثة».