السبت 23 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: الجزائر ليست طرفاً في المشكل.. بل هي المشكلُ عينُه!!

محمد عزيز الوكيلي: الجزائر ليست طرفاً في المشكل.. بل هي المشكلُ عينُه!! محمد عزيز الوكيلي
هذه العبارة المختصَرة والمُفحِمة تختزل، بالفعل، الموقف الجزائري من النزاع المفتعل حول صحرائنا، وتضعها في موقعها المناسب، الذي لو انتبهت إليه هيأةُ الأمم المتحدة ومجلس الأمن لصرفا النظر عن الدعوة إلى المائدة المستديرة، ولأعادا الأمر إلى نصابه من خلال الدعوة المنطقية والحكيمة إلى مائدة مثلثة الشكل، لا يجلس عليها سوى ممثل للهيأة الأممية، وممثلان عن كل من المغرب والجزائر وجهاً لوجه... هذا هو الواقع المطلوب تكريسه، وتزكيته، من لدن منتظم دولي يبدو أنه يستملح الاقتيات على نزاعات لا تنتهي، وكأنه يجد فيها دون غيرها علةَ وجوده!!
 
بالمناسبة، فالعنوان أعلاه مقتبَس من خلاصة حكيمة انتهى إليها الباحث الشاب دكتور عبد الفتاح نعوم في إحدى حلقاته التواصلية الأخيرة... فتعالوا نناقش هذه الخلاصة للوقوف على دلالاتها المستمَدة من صميم الواقع: 
 
* إنّ الجزائر، هي التي احتضنت منذ سنة 1973 من القرن الماضي شرذمةً من الشباب، المعارض آنئذ للتوجهات الأمنية "الأوفقيرية"، نسبة إلى الجنرال الدموي محمد أوفقير، الذي كاد أن يعض ويمزّق اليد التي أكرمته وصنعت منه شخصية عمومية لها وزنُها واعتبارُها بعد أن كان كما تركته فرنسا قبل رحيلها "إنسانَ ثكناتٍ" وليس إلاّ؛
 
* إنّ الجزائر، هي التي راودت المعتوه معمر القذافي، منظِّر "جنون العظمة" في إفريقيا، ليتبنى بمعيتها ذلك اللقيط الذي سمّوه بذلك الإسم المضحك ذي الصلة "بالكفاح من أجل تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب"، حتى وهُم يعلمون علم اليقين بأن المغرب هو الذي أودع ملف تصفية الاستعمار الإسباني بأقاليمه الجنوبية، ومِن بينها الإقليمان المذكوران، لدى اللجنة الرابعة... والأفظع والأبشع من ذلك، أن الرئيس الجزائري بوخروبة ترك تسجيلا موثَّقاً بالصوت والصورة، من داخل القاعة التي انعقدت بها إحدى الجلسات المغلقة لمؤتمر القمة العربية بالرباط، برسم دورة 1974، أكد فيه أمام القادة العرب بأنه ليست لديه أدنى مطالب أو مطامع بخصوص الأقاليم المغربية الصحراوية، وزاد على ذلك بالتأكيد على استعداده عملياً لمد أخيه الملك الحسن الثاني، في حدود ساعتين من الزمن كما قال، بما يحتاج إليه من كتائب الجيش الجزائري لاسترجاع تلك الأقاليم بقوة السلاح متى شاء ذلك!! 
 
وللإشارة، فقد عملت وزارة الإعلام المغربية  قبل نهاية السبعينات، في عهد وزير الدولة المكلف بالإعلام دكتور عبد الهادي بوطالب، بمناسبة انقلاب بوخروبة على التزامه العربي بعدئذٍ، على توزيع ذلك التسجيل بالصوت والصورة على دواوين عدد كبير من قادة الدول بالقارات الخمس، حتى يعرف العالم منذ ذلك الحين "مع من حشرنا الله في الجوار"، مصداقاً لهذه المقولة الحسنية الخالدة؛
 
* إنّ الجزائر، هي التي انخرطت "بكل أريحية" في تنظيم وتكوين وتمويل وتسليح مرتزقتها وميليشياتها الحاملة لاسم البوليساريو، ثم الدفع بها إلى شن اعتداءات إرهابية دامية ضد المواطنين والجنود المغاربة فيما سمّوه آنئذٍ "حربَ عصابات"، بعد أن حاولت قوات الجيش الجزائري ذاته أن تقدم لها الدعم البشري بإقحامِها ضباطَها وخبراءَها في معارك خاسرة لم تحقق من ورائها سوى المزيد من الخسائر والهزائم، مستعينةً في كل ذلك بضباط وخبراء عسكريين من مصر وكوبا وبوليفيا ومن الجيش الأحمر الصيني، ومن ضباط وجنود فارين من حدود البلدان الإفريقية المتاخمة للجزائر، دون نسيان بعض عساكر الأنظمة السورية المتعاقبة على الحكم تحت يافطة راعيها الأول، الاتحاد السوفياتي غير المأسوف على ذهابه؛
 
* إنّ الجزائر، هي التي تركت كل ملفات تقرير المصير المطروحة أمام اللجنة الرابعة بهيأة الأمم المتحدة تحت بند تصفية الاستعمار، ولم تتمسك منها سوى بملف النزاع المفتعل حول صحرائنا، وكأنه الملف الوحيد المعروض على تلك اللجنة، ناسية أن وجوده أمام أنظار هذه الأخيرة إنما كان على يد الخارجية المغربية منذ كانت صحراؤنا تحت إدارة الاستعمار الإسباني، وأن سحبه من تلك اللجنة ليس سوى مسألة وقت فحسب، لأن المغرب اللبيب لا يتسرّع لكونه لا يرغب في إرباك عمل الهيأة الأممية في معالجتها لهذا النزاع في مجمله، والذي أصبح حله وإنهاؤه مسألة وقت كذلك وليس أكثر، بعد أن اقتنع نحو ثمانين في المائة من المجتمع الدولي بمصداقية مقترَح الحكم الذاتي الذي عمّر الآن أزيدَ من سبعً عشرةَ سنة منذ طرحه سنة 2007 على أنظار مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة؛ 
 
* إنّ الجزائر، هي التي اتخذت ضد المغرب كل ما يمكن أن يتصوره العقل من إجراءات عدائية وتدابير استفزازية واستنزافية ترمي كلها إلى إطالة أمد هذا النزاع بغرض تأبيده وإجبار المنتظم الدولي إلى التخلي عنه، والتنصل من مسؤولية معالجته، كما هو الشأن بالنسبة لملفات غير قليلة بدأ يطالها التقادم والنسيان رغم بقائها بلا أدنى حل، مثل حالة الأحواز بإيران، والأكراد بتركيا والعراق، والإيغور بالصين... وكل هذه تضاءلت المطالبة بمعالجتها فصارت أمرا واقعاً لا يستدعي الالتفات... حتى أنها لم تعد موضوع إثارة أو صراع داخل الدهاليز الأممية؛
 
* وأخيراً وليس آخراً... فإنّ الجزائر هي الدولة الوحيدة، في هذا العصر، وأقصد النظام الجزائري بالذات، التي جعلت من ملف نزاعها المفتعل معنا، ومن شرذمة مرتزقتها الجنوبيين، بمثابة رمز شرفها، وعلّة وجودها، حتى أنها لا ترى هذا الوجود إلا من خلال تأمين "العَلَف" لإرهابيي البوليساريو، على حساب شعب تمت مطرقتُه إلى درجة نسي معها نفسَه، وصار يَستطيبُ كل أشكال التعذيب التي ينال منها كل يوم داخل طوابير المهانة، وهوامش الفقر دائمة التوسع والانتشار، لمجرد معاكسة "العدو الكلاسيكي"، المرّوك، الذي صار همّاً مشتركا بين الشعب ونظامه العسكري الكسيح... والباقي يدركه العالم كله من حولنا ويتندّر عليه صباحَ مساء!!!
 
نهايتُه... إنه لم يَعد من اللائق أن نقول إن الجزائر "طرفٌ معنيٌّ" في النزاع المفتعَل الدائر حول صحرائنا، ولا حتى القول إن الجزائر هي بمثابة "الطرف الرئيسي" أو حتى "الطرف الوحيد" في ذلك النزاع بمعيتنا نحن أصحاب الحق والأرض... بل صار من اللازم والصواب أن نقول "بالفم المليان" إن الجزائر هي "عين المشكل القائم"، من خلال نظامها الحاكم بطبيعة الحال والواقع، وبالتالي فأي حل محتمل لهذا المشكل لن يكون إلا بزواله من أساسه وجذوره، أي بزوال النظام الجزائري الراهن ذاتِه، وربما بعد ذلك، تأتي الرياح إلى المرفأ الجزائري بسفينة متّزنة، وصالحة للشروع في تجربة جزائرية غير مسبوقة يقول فيها ذلك الشعب كلمته، كما لم يفعل المسكين ذلك أبداً من قبل، بعد أن يستفيق من غفوته وعربدته، ويختار حكامه وممثليه، ويختار بتحصيل الحاصل نوعية النظام الأصلح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مِمّا بقيَ مِن كِيانه... وساعتئذ سيتسنى لنا الحديث عن نزاع يمكن حله، وعن أطرافٍ في وسعها تخمين الحل والمرور رأساً إلى تفعيل آلياته... 
وإلى أن يتحقق هذا المُبتغَى الطوباويُّ والمثاليُّ شديدُ البُعد، دعونا فقط نحلم... ما دام الحلم لا يزال مُباحاً!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي.