الاثنين 25 نوفمبر 2024
مجتمع

عبد الرزاق الحنوشي: فـي الحاجة إلى مراجعة قانون الجمعيات

عبد الرزاق الحنوشي: فـي الحاجة إلى مراجعة قانون الجمعيات عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الحنوشي،‭ ‬الباحث‭ ‬والفاعل‭ ‬الحقوقي
في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬يجيب‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الحنوشي،‭ ‬الباحث‭ ‬والفاعل‭ ‬الحقوقي،‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬للحياة‭ ‬الجمعوية‭ ‬بالمغرب،‭ ‬والعوائق‭ ‬والإكراهات‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬النسيج‭ ‬الجمعوي،‭ ‬وكذا‮ ‬‭ ‬التقييم‭ ‬الممكن‭ ‬للسياسات‭ ‬العمومية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالعمل‭ ‬الجمعوي،‭ ‬كما‭ ‬يقدم‭ ‬الحنوشي‭ ‬قراءة‭ ‬في‭ ‬المعطيات‭ ‬التشخيصية‭ ‬المتاحة‭ ‬حول‭ ‬النسيج‭ ‬الجمعوي،‭ ‬ثم‭ ‬يختم‭ ‬بمسألة‭ ‬التمويل‭ ‬الأجنبي‭ ‬للعمل‭ ‬الجمعوي‭ ‬بالمغرب‭.‬
 
كيف‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬الجمعوية‭ ‬في‭ ‬المغرب؟
الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬للنسيج‭ ‬الجمعوي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعطيات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬تحليلها‭ ‬وفهمها،‭ ‬أولها‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬عقدين،‭ ‬أصبح‭ ‬بالإمكان‭ ‬معرفة‭ ‬بعض‭ ‬الأرقام،‭ ‬والجوانب‭ ‬الكمية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بعدد‭ ‬الجمعيات‭ ‬منذ‭ ‬نشر‭ ‬أول‭ ‬بحث‭ ‬للمندوبية‭ ‬السامية‭ ‬للتخطيط‭. ‬ثم‭ ‬أعقب‭ ‬ذلك‭ ‬نشر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‮ ‬‭ ‬لأرقاما‭ ‬وإحصائيات‭ ‬حول‭ ‬العمل‭ ‬الجمعوي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالمجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي،‭ ‬أو‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ووسيط‭ ‬المملكة،‭ ‬الامانة‭ ‬العامة‭ ‬للحكومة‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقارير‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬لدينا‭ ‬إذن‭ ‬ملامح‭ ‬كبرى‭ ‬عن‭ ‬الوضعية‭ ‬العامة‭ ‬للجمعيات‭.‬

الواضح‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تطورا‭ ‬مضطردا‭ ‬لعدد‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬يفوق‭ ‬260‭ ‬ألف‭ ‬جمعية،‭ ‬وهو‭ ‬تطور‭ ‬يرافقه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التحولات‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إيجابي‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬سلبي‭ ‬نتيجة‭ ‬إكراهات‭ ‬وصعوبات‭ ‬تعترض‭ ‬العمل‭ ‬الجمعوي‭. ‬مثلا‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الانتشار‭ ‬الجغرافي،‭ ‬حيث‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تفاوتا‭ ‬مجاليا‭ ‬في‭ ‬التغطية،‭ ‬إذ‭ ‬تتواجد‭ ‬أغلب‭ ‬الجمعيات‮ ‬‭ ‬في‭ ‬الشريط‭ ‬الساحلي‭ ‬الأطلسي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬طنجة‭ ‬وأكادير،‭ ‬مقابل‭ ‬تقلص‭ ‬عددها‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬العميق‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬دينامية‭ ‬محلية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬النائية‭. ‬ومن‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬ملاحظتها‭ ‬أيضا‭ ‬هي‭ ‬تزايد‭ ‬زخم‭ ‬تأسيس‭ ‬الجمعيات،‭ ‬والذي‭ ‬يرتبط‭ ‬أحيانا‭ ‬بعوامل‭ ‬خارجية،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬إمكانيات‭ ‬التمويل‭ ‬والشراكة‭ ‬مع‭ ‬مؤسسات‭ ‬أجنبية‭ ‬أو‭ ‬وطنية،‭ ‬وهناك‭ ‬معطى‮‬‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬ميلاد‭ ‬وبروز‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭..‬
 
‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬260‭ ‬ألف‭ ‬جمعية،‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬فعلا‭ ‬أمام‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني‭ ‬حقيقي،‭ ‬كما‭ ‬ونوعا،‭ ‬يترافع‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬راهنية‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالمواطن؟
هناك‭ ‬معايير‭ ‬معينة‭ ‬لقياس‭ ‬مدى‭ ‬نجاعة‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬وهناك‭ ‬مؤشرات‭ ‬لقياس‭ ‬هذه‭ ‬الدينامية‭ ‬الجمعوية‭. ‬وحتى‭ ‬نبقى‭ ‬في‭ ‬المؤشرات‭ ‬الرقمية،‭ ‬مبدئيا‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬الرقم‭ ‬260‭ ‬ألف‭ ‬جمعية،‭ ‬ضخما،‮ ‬‭ ‬لكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تأمل‭ ‬هذا‭ ‬الرقم،:‭ ‬أولا‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬لايخبرنا‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬تشكل‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬الجمعيات،‮ ‬‭ ‬فالراجح أن‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬تراكمي،‭ ‬وهو‭ ‬يعطينا‭ ‬تعداد‭ ‬الجمعيات،‭ ‬منذ‭ ‬دخول‭ ‬ظهير‭ ‬تأسيس‭ ‬الجمعيات‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬نونبر‭ ‬1958‭. ‬بالمقابل‭ ‬ليس‭ ‬لنا‭ ‬معطيات‭ ‬حول‭ ‬الجمعيات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قائمة،‭ ‬سواء‭ ‬بالحل‭ ‬الذاتي‭ ‬أو‭ ‬القضائي،‭ ‬أو‭ ‬انتهاء‭ ‬مهامها،‭ ‬أو‭ ‬إندثارها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬لايعطينا‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬تشتغل‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬لمعرفة‭ ‬اهتماماتها‭ ‬وتصنيفاتها‭ ‬وأيضا‭ ‬تشكيلاتها‭ ‬البشرية،‭ ‬ومدى‭ ‬مساهمتهم‭ ‬في‭ ‬التنمية‭.. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬غير‭ ‬متوفرة،‭ ‬مما‭ ‬يصعب‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬نجاعة‭ ‬جمعوية‭ ‬من‭ ‬عدمها‭.. ‬ففي‭ ‬فرنسا‭ ‬مثلا‭ ‬هناك‭ ‬2500‭ ‬جمعية‭ ‬لكل‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬نسمة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬رغم‭ ‬هذا‭ ‬الرقم،‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬700‭‬جمعية‭ ‬لكل‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭. ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬فارق‭ ‬بثلاثة‭ ‬أضعاف،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬يمكن‭ ‬قراءته‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬مختلفة،‭ ‬لكن‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬النسيج‭ ‬الجمعوي،‭ ‬كما‭ ‬أبانت‭ ‬عنه‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬أنجزتها‭ ‬المندوبية‭ ‬السامية‭ ‬للتخطيط،‮ ‬‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الهشاشة‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالاستمرارية‭ ‬وضعف‭ ‬الضوابط‭ ‬التنظيمية‭ ‬والإدارية‭ ‬والتدبيرية‭. ‬هناك‭ ‬أيضا‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الشيخوخة‭ ‬للنخب‭ ‬المدبرة‭ ‬لهذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬مما‭ ‬يطرح‭ ‬إشكالية‭ ‬الخلف‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬الحياة‭ ‬الجمعوية،‭ ‬أيضا‭ ‬هناك‭ ‬ملاحظات‭ ‬على‭ ‬التدبير‭ ‬الديمقراطي‭ ‬للجمعويات،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إشكالية‭ ‬الاستقلالية،‭ ‬ليس‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق‭ ‬أو‭ ‬طوباوي،‭ ‬ولكن‭ ‬استقلالية‭ ‬في‭ ‬الاختيارات‭ ‬والبرامج‭ ‬وعدم‭ ‬الارتهان‭ ‬بالممول‭ ‬أو‭ ‬الشريك‭..‬
 
‬لكن‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬مساهمات‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬وقوة‭ ‬اقتراحية،‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الصنف‭ ‬من‭ ‬الجمعيات؟
‬لاينبغي‭ ‬أن‭ ‬نخلق‭ ‬وهما‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الناس‭ ‬كون‭ ‬الجمعيات‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬عصا‭ ‬سحرية‭ ‬لحل‭ ‬جميع‭ ‬الإشكالات‭ ‬في‭ ‬مختلفة‭ ‬المجالات‭ ‬والقطاعات،‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬استمرار‭ ‬للسياسات‭ ‬العمومية،‭ ‬هذا‭ ‬خطأ‭ ‬ووهم،‭ ‬الجمعيات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬فلسفتها‭ ‬هي‭ ‬مبادرات‭ ‬حرة‭ ‬لمواطنين‭ ‬التقت‭ ‬إرادتهم‭ ‬للتعاون‭ ‬وتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬لفائدة‭ ‬الجماعة‭ ‬ويريدون‭ ‬تقاسم‭ ‬تجاربهم‭ ‬مع‭ ‬مواطنين‭ ‬آخرين،‭ ‬وفق‭ ‬أهداف‭ ‬واضحة،‭ ‬ويريدون‭ ‬خدمة‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬قناعاتهم‭ ‬الشخصية‭ ‬المشتركة،‭ ‬وليس‭ ‬لهم‭ ‬رهانات‭ ‬سياسية‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬ليس‭ ‬هدف‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬السلطة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬لها هدف‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬وتنطلق‭ ‬من‭ ‬محددات‭ ‬أخرى‭ ‬مختلفة‭. ‬وهذا‭ ‬الخلط‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يطرح‭ ‬إشكالات‭ ‬عميقة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬هوية‭ ‬الجمعية‭ ‬وفلسفتها،‭ ‬لأنه‭ ‬أحيانا‭ ‬نكون‭ ‬أمام‭ ‬حماسة‭ ‬التأسيس،‭ ‬وتوافق‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬والأهداف،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬تخبو‭ ‬هذه‭ ‬الجذوة،‭ ‬وأحيانا‭ ‬نكون‭ ‬أمام‭ ‬انزياح‭ ‬في‭ ‬الأهداف‭ ‬لخدمة‭ ‬رهانات‭ ‬مستجدة،‭ ‬ونعطي‭ ‬الأسبقية‭ ‬لاستمرارية‮ ‬‭ ‬الجمعية‭ ‬بأي‭ ‬ثمن‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لايمنع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للجمعيات‭ ‬قوة‭ ‬ترافعية‭ ‬وتفاوضية‭ ‬لإيجاد‭ ‬الصيغة‭ ‬الأمثل‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬استقلاليتها‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬المجتمعية‭ ‬ذات‭ ‬الاهتمام‭ ‬المشترك‭ ‬والتي‭ ‬تتقاطع‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات،‭ ‬مثلا‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم‭ ‬هناك‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬التي‭ ‬تشتغل‭ ‬ومرتبطة‭ ‬بمؤسسات‭ ‬تعليمية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قوة‭ ‬اقتراحية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬جمعيات‭ ‬ذات‭ ‬الاهتمام‭ ‬البيئي‭ ‬والرياضي‭ ‬والثقافي‭.. ‬في‭ ‬إطار‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التكامل‭ ‬الذي‭ ‬لايمس‭ ‬من‭ ‬استقلالية‭ ‬الجمعيات‭.‬
 
هل‭ ‬بهذه‭ ‬البروفيلات‭ ‬التي‭ ‬نشاهدها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الجمعوية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الهيئات‭ ‬ذات‭ ‬مساهمة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني؟
هناك‭ ‬إكراهات‭ ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬بروفيلات‭ ‬مدبري‭ ‬الشأن‭ ‬الجمعوي،‭ ‬بالمقابل‭ ‬هناك‭ ‬جدية‭ ‬لجمعيات‭ ‬أخرى‭ ‬أثبتت‭ ‬جدارتها‭ ‬في‭ ‬المساهمة‭ ‬باقتراحاتها‭ ‬وأضحت‭ ‬شريكا‭ ‬أساسيا‭ ‬لبعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية،‭ ‬وهي‭ ‬تشكل‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الجمعوي‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التعليمي‭ ‬أو‭ ‬الطفولة‭ ‬أو‭ ‬البيئة‭ ‬أو‭ ‬التنمية‭..‬
 
تحدثت‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬إنبات‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬وإخراجها‭ ‬للوجود،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬بعضها‭ ‬استرزاقي،‭ ‬ألا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬ضوابط‭ ‬قانونية‭ ‬لاحقة‭ ‬للجمعيات؟
‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإيجابيات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الرؤية‭ ‬والفلسفة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬التنزيل‭ ‬ظهرت‭ ‬مشاكل‭ ‬جمة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الجهات‭ ‬المستفيدة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجمعيات‭.‬‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اختلالا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الجمعوي‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬هذا‭ ‬المبادرة،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأرقام‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المحددات،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحنا‭ ‬أمام‭ ‬واقع‭ ‬بات‭ ‬فيه‭ ‬العرض‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الطلب‭ ‬بالمنطق‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬التمويلات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التدبير‭ ‬الناجع‭ ‬و‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المتاحة‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬الجمعية‭ ‬وفلسفتها‭ ‬ورؤيتها،‭ ‬مما‭ ‬جعلنا‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬التجاوزات‭ ‬والانحرافات‭. ‬والأمر‭ ‬ليس‭ ‬منحصرا‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬بل‭ ‬حديثا‭ ‬في‭ ‬مبادرات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬برنامج‭ ‬أوراش‭ ‬وفرصة‭.. ‬هذه‭ ‬التجاوزات‭ ‬تطرح‭ ‬مسؤولية‭ ‬النخب‭ ‬الجمعوية‭ ‬في‭ ‬تأطير‭ ‬المنتسبين‭ ‬للحياة‭ ‬الجمعوية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬العمل‭ ‬الجمعوي‭ ‬لسكته‭ ‬النبيلة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬نبل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬وتشكيل‭ ‬جمعيات‭ ‬وديمومة‭ ‬حفاظها‭ ‬على‭ ‬هويتها‭ ‬وماهيتها،‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬الجمعيات‭ ‬وهذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬المانحة‭ ‬أو‭ ‬الداعمة‭.‬‭ ‬وهذا‭ ‬يجعل‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬المسؤولية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الوقوف‭ ‬وقفة‭ ‬تأمل‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬نجاعة‭ ‬وأهمية‭ ‬ودور‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬تطوير‭ ‬وتحسين‭ ‬وتجويد‭ ‬من‭ ‬أدائها‭..‬
 
حتى‭ ‬نبقى‭ ‬في‭ ‬إشكالية‭ ‬التمويل‭ ‬الجمعوي‭ ‬والاستقلالية،‭ ‬في‭ ‬التجارب‭ ‬المقارنة‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المسؤوولية‭ ‬أو‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬رهين‭ ‬بأداء‭ ‬انخراط‭ ‬سنوي،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬أمام‭ ‬استقلالية‭ ‬في‭ ‬التسيير‭ ‬والتدبير،‭ ‬بالمقابل‭ ‬هناك‭ ‬قطاع‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بقاء‭ ‬الجمعيات‭ ‬فيه‭ ‬رهين‭ ‬بمدى‭ ‬وجود‭ ‬دعم‭ ‬عمومي‭ ‬جهوي‭ ‬أو‭ ‬مركزي،‭ ‬ألا‭ ‬يشكل‭ ‬هذا‭ ‬مساسا‭ ‬باستقلالية‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات؟
‬تتوقف‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬صلابة‭ ‬المواقف‭ ‬المبدئية‭ ‬للمؤسسين،‭ ‬وقناعاتهم‭ ‬الراسخة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬تأسيس‭ ‬الجمعيات،‭ ‬ووضع‭ ‬كل‭ ‬الضوابط‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يحدث‮ ‬‭ ‬انزياح‭ ‬عن‭ ‬الأهداف‭ ‬والغايات‭ ‬لضرورات‭ ‬تمويلية،‭ ‬وللأسف‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬يتهدد‭ ‬الحياة‭ ‬الجمعوية،‭ ‬بحيث‭ ‬تتلون‭ ‬جمعيات‭ ‬وفق‭ ‬أجندة‭ ‬المانحين‭. ‬بالمقابل‭ ‬هناك‭ ‬جمعيات‭ ‬ابتكرت‭ ‬صيغة‭ ‬متوازنة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬المانحة،‭ ‬وقوت‭ ‬من‭ ‬موقعها‭ ‬التفاوضي،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬أي‭ ‬تمويل‭ ‬يرهن‭ ‬إستقلاليتها،‭ ‬كما‭ ‬التجأت‭ ‬إلى‭ ‬تنويع‭ ‬مصادر‭ ‬التمويل،‭ ‬حتى‭ ‬لايكون‭ ‬هناك‭ ‬ارتهان‭ ‬لجهة‭ ‬وحيدة‭.‬

مسألة‭ ‬أخرى‭ ‬أود‭ ‬إثارتها‭ ‬هي‭ ‬المتعلقة‭ ‬بجانب‭ ‬التبرعات،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬كندا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬طبعا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬نقاش‭ ‬وتشريع‭ ‬متعلق‭ ‬بالتبرعات‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬يعرف‮ ‬‭ ‬بالإحسان‭ ‬العمومي،‭ ‬ولكن‭ ‬المقتضيات‭ ‬التشريعية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالتبرع‭ ‬للجمعيات‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تطويرها‭. ‬ونحن‭ ‬نلاحظ‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬الجمعوي‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬التطوع‭ ‬والتبرع،‭ ‬والتمويل‭ ‬عمومي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬محدود‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬حجم‮ ‬‭ ‬التبرعات‭ ‬أو‭ ‬مشاريع‭ ‬مدرة‭ ‬للدخل،‭ ‬لأنه‭ ‬أحيانا‭ ‬يقع‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬اللبس،‭ ‬فعدم‭ ‬ربحية‭ ‬الجمعيات‭ ‬قد‭ ‬يفهمه‭ ‬البعض‭ ‬عدم‭ ‬قيامها‭ ‬بمشاريع‭ ‬مدرة‭ ‬للدخل،‭ ‬وهذا‭ ‬غير‭ ‬صحيح،‭ ‬يمكن‭ ‬للجمعية‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بهذه‭ ‬المشاريع‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬توزع‭ ‬الأرباح‭ ‬بين‭ ‬أعضائها‭.‬
 
‬ربما‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬الجمعوية‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬ينقص‭ ‬بعض‭ ‬جمعياتنا،‭ ‬التي‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬المكتب‭ ‬بأعضائه،‭ ‬مما‭ ‬يرهق‭ ‬من‭ ‬الأداء‭ ‬وينقص‭ ‬الفعالية‭ ‬والنجاعة‭..‬
 هذه‭ ‬النقطة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالإدارة‭ ‬الجمعوية،‭ ‬مدير،‭ ‬مكلف‭ ‬بالمشاريع،‭ ‬سكرتارية،‭ ‬موظفين‭.. ‬برزت‭ ‬ضمن‭ ‬التحولات‭ ‬التنظيمية‭ ‬للجمعيات‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬ان‭ ‬تحدثنا‭ ‬عنها‭ ‬بداية‭ ‬الحوار‭. ‬فبداية‭ ‬من‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بدأ‭ ‬يبرز‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬تحاكي‭ ‬التدبير‭ ‬المقاولاتي‭ ‬في‭ ‬التسيير‭ ‬والتدبير،‭ ‬بمعنى‭ ‬هناك‭ ‬جهاز‭ ‬منتخب‭ ‬وهناك‭ ‬إدارة‭ ‬تدبر،‭ ‬على‭ ‬النموذج‭ ‬الأنجلسكسوني،‭ ‬وأحيانا‭ ‬يتوارى‭ ‬دور‭ ‬المكتب‭ ‬المنتخب،‭ ‬تاركا‭ ‬زمام‭ ‬الأمور‭ ‬لطاقم‭ ‬يضع‭ ‬المشاريع‭ ‬ويوقع‭ ‬الشراكات،‭ ‬وينظم‭ ‬الأنشطة‭.. ‬وهذا‭ ‬الشكل‭ ‬التنظيمي‭ ‬أبرز‭ ‬مشاكل‭ ‬جديدة،‭ ‬لأنه‭ ‬أحيانا‭ ‬تقع‭ ‬خلافات‭ ‬بين‭ ‬الجهازين‭ ‬المنتخب‭ ‬والإداري،‭ ‬فالمؤسسون‭ ‬لهم‭ ‬فلسفة‭ ‬معينة‭ ‬وفق‭ ‬أهداف‭ ‬مضمنة‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي،‭ ‬وبين‭ ‬إدارة‭ ‬مقاولاتية،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬تفقد‭ ‬هويتها‭ ‬ويتراجع‭ ‬المؤسسون‭ ‬للوراء‭ ‬جراء‭ ‬التفويض‭ ‬الكامل‭ ‬والكلي‭ ‬للتدبير‭ ‬الجمعوي‭..‬
 
لكن‭ ‬بالمقابل‭ ‬حققت‭ ‬جمعيات‭ ‬أخرى‭ ‬اعتمدت‭ ‬الإدارة‭ ‬الجمعوية،‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬المأسسة‭ ‬وتحقيق‭ ‬النجاعة‭ ‬وتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الجهاز‭ ‬المنتخب‭..‬
هي‭ ‬مسألة‭ ‬متعلقة‭ ‬بمدى‭ ‬درجة‭ ‬التفويض‭ ‬والحضور‭ ‬الدائم‭ ‬للمؤسسين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬الجمعوية،‭ ‬والأمر‭ ‬مرتبط‭ ‬بتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الجهازين،‭ ‬فالجمعية‭ ‬بمؤسسيها‭ ‬هي‭ ‬مدرسة‭ ‬للتكوين‭ ‬والمواطنة‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك،‭ ‬والتربية‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬والتضامن‭ ‬ونكران‭ ‬الذات‭ ‬والاعتراف‭ ‬والوفاء‭ ‬وخدمة‭ ‬الصالح‭ ‬العام،‭ ‬وتدبير‭ ‬الاختلاف،‭ ‬بمعنى‭ ‬أننا‭ ‬لسنا‭ ‬في‭ ‬منطق‭ ‬مقاولاتي‭ ‬يحقق‭ ‬الأرباح‭ ‬والنجاعة‭ ‬المادية‭ ‬فقط،‭ ‬طبعا‭ ‬هذا‭ ‬مطلوب،‭ ‬لكن‭ ‬ضمن‭ ‬دينامية‭ ‬الجمعية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬التحدي،‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬نصبح‭ ‬أمام‭ ‬جمعيات‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬“ماكينة”‭ ‬لتنفيذ‭ ‬المشاريع،‭ ‬وأسئلة‭ ‬التأسيس‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬مرافقة‭ ‬لحياة‭ ‬الجمعية‭..‬
 
‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الدعم‭ ‬والمنح‭ ‬التي‭ ‬تتلقاها‭ ‬الجمعيات،‭ ‬هناك‭ ‬الدعم‭ ‬الأجنبي‭ ‬والذي‭ ‬أسال‭ ‬مدادا‭ ‬كثيرا،‭ ‬بين‭ ‬مؤيد‭ ‬له‭ ‬ومعارض،‭ ‬ومدى‭ ‬إمكانية‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬السيادة‭ ‬الجمعوية‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬هويتها‭ ‬الوطنية‭.. ‬فمهما‭ ‬كان‭ ‬الأمر،‭ ‬فإن‭ ‬التمويل‭ ‬عند‭ ‬هذه‭ ‬الجهات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬ليس‭ ‬لسواد‭ ‬عيون‭ ‬جمعياتنا،‭ ‬ما‭ ‬موقفك‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النقاش؟
‬ينبغي‭ ‬تجاوز‭ ‬صنفين‭ ‬من‭ ‬الخطابات،‭ ‬الأول‭ ‬يسعى‭ ‬لشيطنة‭ ‬التمويل‭ ‬الأجنبي‭. ‬شخصيا‭ ‬أنا‭ ‬أرفض‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‮ ‬‭ ‬السذاجة،‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬للجمعيات‭ ‬بدون‭ ‬تمويل‭. ‬أجنبي‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إحداث‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬الأمرين،‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أن‭ ‬الجمعية‭ ‬تدرك‭ ‬تمام‭ ‬الإدراك‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬وفق‭ ‬فلسفتها،‭ ‬ومن‭ ‬حقها‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬تفاوضي‭ ‬لتقدير‭ ‬مدى‭ ‬تناسق‭ ‬هذا‭ ‬التمويل‭ ‬المتاح‭ ‬مع‭ ‬أهدافها‭ ‬التأسيسية،‭ ‬وتبحث‭ ‬عن‭ ‬العرض‭ ‬الأكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬مع‭ ‬أهدافها،‭ ‬وتضع‭ ‬إطارا‭ ‬تعاقديا‭ ‬مع‭ ‬شريكها‭ ‬لتحقيق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تلك‭ ‬الشراكة‭. ‬ونستحضر‭ ‬جمعيات‭ ‬ناجحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬ولم‭ ‬تمس‭ ‬“سيادتها‭ ‬الجمعوية”،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬الجمعوية‭ ‬مثل‭ ‬الحياة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬تقييمات‭ ‬مرحلية‭ ‬لمعرفة‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬والمستقبلي‭ ‬لأي‭ ‬شراكة‭ ‬من‭ ‬تمويل‭ ‬أجنبي،‭ ‬ولاشيء‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬إلغائها‭ ‬أو‭ ‬مراجعتها‭ ‬إذا‭ ‬انزاح‭ ‬التمويل‭ ‬عن‭ ‬مساره‭ ‬المرسوم‭ ‬في‭ ‬البداية‭. ‬وعندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬عولمة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬نكون‭ ‬أمام‭ ‬عولمة‭ ‬التمويل،‭ ‬وهناك‭ ‬تمويلات‭ ‬متاحة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬وجب‭ ‬استثمارها‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬الأهداف‭ ‬والغايات،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬رفض‭ ‬مطلق‭ ‬لها،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬التمويلات‭ ‬تذهب‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬جمعيات‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أو‭ ‬مصر‭ ‬أو‭ ‬لبنان‭.. ‬علما‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬لازال‭ ‬التمويل‭ ‬الأجنبي‭ ‬المصرح‭ ‬به‭ ‬لدى‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة‭ ‬للحكومة‭ ‬وفقا‭ ‬للقانون،‭ ‬محدود‭ ‬نسبيا،‭ ‬وآخر‭ ‬رقم‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬مشروع‭ ‬الميزانية‭ ‬الفرعية‭ ‬للأمانة‭ ‬العامة‭ ‬للحكومة‭ ‬أمام‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬256‭ ‬جمعية‭ ‬فقط‭ ‬قد‭ ‬صرحت‭ ‬بتوصلها‭ ‬بتمويل‭ ‬أجنبي‭ ‬بلغ‭ ‬386‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭. ‬وعموما‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬اليوم‭ ‬لإصلاح‭ ‬شامل‭ ‬للإطار‭ ‬التشريعي‭ ‬للعمل‭ ‬الجمعوي،‭ ‬وكل‭ ‬أشكال‭ ‬التنظيمات‭ ‬غير‭ ‬الربحية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬(Fondation)‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الرعاية‭ ‬وما‭ ‬يعرف‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬بالشركات‭ ‬غير‭ ‬الربحية‭.‬
 
في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬العوائق‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬العمل‭ ‬الجمعوي‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬سبل‭ ‬تجاوزها؟
أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬المفيد‭ ‬ملاءمة‭ ‬التشريعات‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالجمعيات‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬الدستور‭ ‬وكذا‭ ‬مستلزمات‭ ‬الممارسة‭ ‬الإتفاقية‭ ‬للمغرب،‭ ‬ولاسيما‭ ‬التكريس‭ ‬الواضح‭ ‬لحرية‭ ‬الجمعيات‭ ‬والطابع‭ ‬التصريحي‭ ‬للقانون‭ ‬وتعزيز‭ ‬دور‭ ‬السلطة‭ ‬القضائية‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬أيضا‭ ‬لإخراج‭ ‬المجلس‭ ‬الإستشاري‭ ‬للشباب‭ ‬والعمل‭ ‬الجمعوي‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬الوجود‭ ‬باعتباره‭ ‬المؤسسة‭ ‬الدستورية‭ ‬المؤهلة‭ ‬بمواكبة‭ ‬وتطوير‭ ‬النسيج‭ ‬الجمعوي‭.‬