السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

لحسن العسبي: التاريخ سيحكم بين المغرب والجزائر

لحسن العسبي: التاريخ سيحكم بين المغرب والجزائر لحسن العسبي
دفع وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في حوار أجرته معه قناة "العربية"، على هامش انعقاد القمة العربية بالجزائر، نحو اعتبار غياب العاهل المغربي الملك محمد السادس عنها، "فرصة ضائعة للمغرب العربي" وأن "التاريخ سيحكم". قبل أن يستطرد على أن ذلك ما كان مأمولا، في ما معناه أنه لم تكن هناك قنوات لتفعيل ذلك عمليا، بل أن مجرد الحضور سيكون فرصة لذلك. وهذا في مجال الديبلوماسية يعتبر "هروبا إلى الأمام"، لأنه كما تقول العرب "ما هكذا تورد الإبل" في مجال ممارسة الفعل السياسي المسؤول الممأسس بين الدول.
التاريخ سيحكم نعم، لكن استنادا إلى وقائع، والوقائع دامغة لا تكذب مغاربيا. فليس المغرب من يفتح أراضيه لمجموعات مسلحة للاعتداء على جيرانه، وليس المغرب من يرصد ميزانيات بملايين الدولارات لتسليح تلك المجموعات ورعايتها وشحذ اللوبيات لفائدتها (وفتح الباب لدخول أجندات خارجية مثل الأجندة الإيرانية)، وليس المغرب من يتهم جيرانه بالباطل ويصعد الكلام والفعل حد قطع العلاقات الديبلوماسية وإغلاق الأجواء من جانب واحد (ولم ترد الرباط أبدا بالمثل إلى اليوم)، وليس المغرب، رغم كل ذلك، من لا يمد يده لجيرانه للمطالبة بالجلوس إلى طاولة الحوار المسؤول من أجل إيجاد آلية لتعزيز قدراتنا المغاربية وفتح باب الأمان أمام مستقبلنا التنموي المشترك. بالتالي، فالتاريخ سيحكم فعلا، لكن تأسيسا على الوقائع.
إن المسؤولية أمام التاريخ، تقتضي من كل صاحب ضمير في مستويات المسؤولية المغاربية، أن يسائل نفسه عن ما يقوم به فعليا من أجل مصلحة شعوبنا المغاربية، وما الذي ستحكم به الأجيال القادمة عليه، ولا أحد يوهم نفسه أنه في منطق السياسة هناك مجال للمثاليات واليوتوبيات، قدر رسوخ منطق المصالح. وارتكازا على هذا اليقين، فإن الوطنية المغاربية (تلك التي سقاها الشهداء هنا وهناك يدا في يد لمقاومة المحتل الأجنبي زمن الاستعمار) تفرض جدول أخلاق واجب في شكل الدفاع عن تلك المصالح وترتيب آليات تنفيذها.
إن ما سلطت مناسبة القمة العربية بالجزائر عليه الضوء بوضوح كشاف، هو التوزع الجزائري على مستوى النخبة الحاكمة هناك، بين طموح "الريادة القومية" عبر ملفنا الحيوي المشترك عربيا الذي تمثله عدالة القضية الفلسطينية، وبين التقاطب الداخلي فيها بين تيار "التصعيد الأمني" لمجموعة سعيد شنقريحة ضد كل ما هو مغربي (وأيضا ضد كل مُطالبٍ بالتغيير داخليا من نخب الجزائر)، وتيار "الدور الديبلوماسي" (الطامح لشكل من الإصلاح الداخلي) كما تقدم بعض ملامحه جماعة الرئيس عبد المجيد تبون وذراعه الديبلوماسي. وهو التوزع الذي يشكل السبب في التشويش الذي يُضعف أثر أي مبادرة جزائرية (بمنطق الدولة) ضمن محيطها المغاربي والجهوي والمتوسطي. ولو شئنا وضع عنوان لذلك، لقلنا بلغة الإعلام، إنه على قدر ما تسعى جماعة الرئيس تبون تجسير العلاقة مع باريس ماكرون، على قدر ما جماعة قائد الأركان شنقريحة تعزز العلاقة مع روسيا بوتين. بكل ما لذلك من إسقاطات على باقي الملفات المتعالقة مع رزنامة علاقات الجزائر مع محيطها.
لم يطلق وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الكلام على عواهنه، حين قال (في ما يشبه التوضيح الواجب)، إن تعذر حضور جلالة الملك محمد السادس القمة العربية راجع "لاعتبارات إقليمية"، فالمعنى واضح هنا، أن بلادنا لم تتلق الرد المتجانس (بمنطق حسابات الدولة) من الجزائر العاصمة، لأن هناك من يقول، بـ "فرصة للمغرب العربي" وهناك من يفتح بخبث بالوعة السباب الساقط للتصعيد ضد المغرب ورموزه وشعبه. بالتالي، فإن الكرة هناك في قصر المرادية بالجزائر العاصمة، التي عليها أن توحد خطاب الدولة الجزائرية بما تقتضيه مسؤولية الأمانة التي يُحملها لها شعبها لتعزيز أسباب الأمن العام مغاربيا وجهويا وشمال إفريقيا ومتوسطيا. أما المغرب، فهو واضح الموقف والخطاب منذ سنوات، ولم يتعب (ولن يتعب) في أن يظل يقدم اليد ممدودة للجزائر من أجل الحوار المسؤول، البناء، الصريح، بدون أية أجندات أو شروط مسبقة. ليس لأنه في موقف ضعف، بل من موقع انتصاره للمسؤولية التي تفرضها أمانة حماية حقوق شعوبنا المغاربية ومصالحها وتطلعاتها من نواذيبو حتى بنغازي (مرورا بغار جبيلات وقفصة)، وفي هذا استحضار لحساب التاريخ فعلا.
ليس مزايدة، ولا ترفا في الرد الصحفي، إذن، حين أعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة (كما عممت ذلك قصاصة لوكالة الأنباء الفرنسية ولهذا المصدر معناه)، أن العاهل المغربي يوجه دعوة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لزيارة المغرب. إنه مواصلة لذات المنطق المغربي الواضح، أن بلادنا تجنح للإيجابي في الأمور وليس للسلبي والتصعيد، والتاريخ سيحكم.