السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

يونس التايب:أعرافنا المرعية أرقى من تهافت أعداء الأمة المغربية

يونس التايب:أعرافنا المرعية أرقى من تهافت أعداء الأمة المغربية يونس التايب
استوقفتني صورة جميلة لمواطنة بريطانية تقبل يد جلالة الملك شارل الثالث، وفيها تعابير حب تلقائي من مواطنة لملكها الجديد وابن ملكتها الراحلة. وفجأة تساءلت، كيف يا ترى سيتلقى جيراننا تلك الصورة التي ستتكرر في شوارع لندن، عاصمة مملكة عريقة هي المملكة البريطانية؟
هل سيعتبر جيراننا أن "بوسان اليدين" البريطاني يستحق حملة هوجاء في وسائل إعلامهم و مواقعهم الإلكترونية، لسب و شتم البريطانيين و التشهير بملكهم الجديد، و اتهامهم بممارسة "العبودية" و "الخضوع لغير الله" ؟ أم أن القوم ليست لهم تلك الشجاعة، ولا قبل لهم على مواجهة تناقضاتهم الفكرية، وأن ما يكتبونه من كلام رديء ومسموم، هو موجه بشكل حصري للنيل من المغرب وتشويه صورة المغاربة عبر استغلال أي شيء، معتقدين أنهم بذلك يسيئون إلينا، أو يمكن أن يؤثروا على نفسيتنا وقناعاتنا كمغاربة؟
وهنا لابد أن أستحضر التعاليق الحقيرة التي ينشرها جيراننا حولنا عما يعتبرونه "بوسان اليدين"، أي تقبيل المغاربة ليد ملكهم، والحديث عن "ركوع" المغاربة لغير الله، ويقصدون انحناءنا أمام الملك حين يحظى أي مغربي بشرف الوقوف بين يدي جلالته أو ملاقاته والسلام عليه في سياقات مختلفة.
وقد سبق لي أن تجادلت حول هذه الأعراف، مع بعض المتفاعلين الجزائريين الذين يبحثون عن فهم الأمور بشكل سليم، ولو أنهم قلة مقارنة بالكم الكبير من الغوغائيين الذين لا يستطيعون استيعاب دلالات الأعراف والتقاليد المرعية و "الترابي" (من التربية) عند أبناء الأمة المغربية. ولأن التهجمات حول هذه الجوانب تتكرر كثيرا في كل تعليقات الجيران، أريد في هذا المقال أن أقف لبيان الأمور بشكل أوضح لمن كان لهم قلب سليم.
في هذا الإطار، ما يتعين على الجيران فهمه، هو أننا لسنا في باب ركوع الصلاة وسجود المصلين الذي يؤديه المغاربة في صلواتهم وهم واقفين بين يدي الله الواحد الأحد. كما يفعل ذلك جلالة الملك أمير المؤمنين حين يؤدي صلواته ويقف بين يدي ربه سبحانه ويركع له ويسجد، كما كان أجداده من آل البيت الطيبين الطاهرين يفعلون، امتداد إلى الدوحة النبوية الشريفة. وظني أن المؤمنين الصلحاء من علماء وأبناء الجزائر يفعلون ذلك هم أيضا.
وما يسميه أعداءنا "ركوعا" بين يدي جلالة الملك، إنما هو انحناءة إرادية نقوم بها تعبيرا عن تقديرنا لجلالته و توقيرا لمقامه الشريف، لا يفرضها علينا أحد و لا يلزمنا بها أحد. نحن من نصر، حين يحضى أي منا بشرف الوقوف بين يدي الملك أو بلقائه في سياق ما، أن نسلم عليه بتقبيل يد جلالته حبا و فرحا بلقائه، دون أن يكون ذلك مفروضا و لا مطلوبا. و في غالب الأحيان، يسحب الملك يده تقديرا لأبناء شعبه و استحياء منهم، و رغم ذلك نصر على عرف تاريخي يقاس بالقرون، في تناسق أخلاقي مع ما نقوم به مع آبائنا حين نقبل أيديهم حبا و احتراما، و مع شيوخنا و كبارنا سنا و قدرا حين نقبل أيديهم مودة و توقيرا، و مع علمائنا و فقهائنا الأجلاء حين نقبل أيديهم توقيرا و تقديرا.
هي أعراف مرعية تضبط علاقاتنا الاجتماعية، ولم يسبق أن حملت، في يوم من الأيام، أية دلالة أخرى غير المودة والتقدير والتوقير. فماذا عسانا نقول لمن طبع الله على قلوبهم حتى حرفوا وعيهم الاجتماعي، وأصبح همهم الوحيد هو التهجم على المغاربة بسبب ما لا يفهمونه عنهم، وما لا يستطيعون إدراك معانيه في أفعالهم ...؟؟ وكيف يمكن أن نشرح لمن ليس لهم عمق حضاري ولا رسوخ تاريخي، بأن تقبيل يد ملكنا، إذا سمح جلالته بذلك لمن يقف أمامه، هو تجسيد لحب و تقدير لمكانة الملك، أمير المؤمنين، بما له من رمزية دينية في وجدان أبناء الشعب المغربي ؟؟
كيف نشرح لمن لا ذاكرة لهم، أن جلالة الملك محمد السادس، حين كان وليا للعهد، كان يسلم على جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، بتقبيل يده و الانحناء أمامه. كما كان المغفور له الملك الحسن الثاني حين كان وليا للعهد، يسلم على والده السلطان محمد الخامس، طيب الله ثراه، بتقبيل يده و الانحناء أمامه؟؟ و كيف أشرح لجيراننا أن قادة المقاومة و جيش التحرير الجزائري، حين كانوا يلتقون بالمغفور له السلطان محمد الخامس، كانوا ينحنون أمامه انحناءة كبيرة فيها توقير و تقدير لمقامه، و لم يكونوا يجدون في ذلك أي حرج، و لا كان يقلل ذلك في شيء من قيمتهم و احترامهم لأنفسهم و احترامنا لهم؟؟ أم أن هنالك من بين جزائريي 2022، من يستطيع المزايدة على المرحوم فرحات عباس و مجايليه المجاهدين، في قدرهم و قيمتهم و وطنيتهم و شرفهم و كرامتهم ؟؟
كيف نفسر لجيراننا أن علماءنا و فقهاءنا، و رموز العمل السياسي الكبار في تاريخنا السياسي و الوطني، الذين لا يمكن لأحد أن يشكك في قيمتهم و في قدرهم، و لا في مستوى وعيهم السياسي و قناعاتهم الديمقراطية، كانوا يبادرون للسلام على ملوك المغرب، بانحناءة توقير و يقبلون أيديهم حبا و مودة و تقديرا ؟؟
وكيف نبين لمن تشكل وعيهم السياسي في ظل نظام جمهوري غير ديمقراطي، استولى فيه العساكر على الحكم بالانقلاب، وسيطروا على دواليب الدولة، وأفسدوا الممارسة السياسية والحياة الحزبية، وخربوا منظومة الوعي الديني والثقافي والإعلامي والتربوي للمواطنين، أن الروابط بين أبناء الشعب والملك، في ظل نظام ملكي دستوري مغربي له شرعية تاريخية ودينية وسياسية، هي روابط متعددة الأبعاد ولها أسس قيمية تكتسي عمقا أكبر بكثير مما يمكن أن تستوعبه عقول تفكر بشكل غير موضوعي، وقلوب حقودة تنشر الشر؟؟
على أية حال، هذه توضيحات ارتأيت كتابتها ونشرها، ولا يهمني أن يفهمها جميع من يعنيهم الأمر، تماما كما لا يهمني ما يقولوه عنا أناس غلب عليهم غباءهم حتى صاروا غارقين في مستنقع التفاهة. وأكيد لا يعنيني ما يفكر فيه بخصوصنا، أعدءنا ولا ما ينشرونه عنا، إلا في حدود ما يفرضه واجب الرد على انحرافاتهم، في إطار اليقظة الوطنية أمام أعداء الأمة المغربية.
على بعض جيراننا أن يستوعبوا، إذا سمح بؤس وعيهم السياسي المختل، أننا مقتنعون بأنه من نعم الله علينا أن لنا ملك بيعته في أعناقنا، بيعة شرعية ثابتة. وأننا سنستمر ننحني باحترام وتوقير أمامه، وسنقبل يده بحب وولاء صادق، وبالدارجة "كييت اللي ما لقى و لو شبه رمز صغير، يواليه و يفتخر به ... !!"
لا شك أن حقد الخصوم فات الحد، وأصبح لزاما أن نتحرك بمنطق من فرضت عليه حرب لا يمكنه الهروب منها. ولأن الحرب ليست كلها بالسلاح، هنالك مجالات كثيرة يمكن أن نجسد من خلالها قتالية عالية، ونطور أساليب دفاعنا عن وطننا ورموزنا ومؤسسات دولتنا وأبناء شعبنا. ولي عودة مقبلة للموضوع، لتفصيل ما أقصده.
في الانتظار، رأيي أن علينا أن نجعل المتربصين ينفجرون غضبا وهم يستمعون لنا و نحن نقول بصوت عالي: عاش المغرب، وعاش جلالة الملك، وعاش الشعب المغربي الوطني الأصيل و الغيور على ثوابته وعلى مصالح بلاده، و لا عاش المتخاذلون و الخونة.
وكل يوم ووطننا الغالي محفوظ من كل سوء، ببركة السبع المثاني وما يتلى في مساجد وزوايا المغرب المجيد من قرآن كريم.