الأربعاء 24 إبريل 2024
منبر أنفاس

أشخلف عبد الله: قراءة حقوقية في مضامين القانون التنظيمي رقم 16-26 الخاص بترسيم الأمازيغية

أشخلف عبد الله: قراءة حقوقية في مضامين القانون التنظيمي رقم 16-26 الخاص بترسيم الأمازيغية أشخلف عبد الله

لقد أصبحت اللغة الامازيغية لغة رسمية للدولة المغربية، بعدما نص عليها دستور 2011 في فصله الخامس، وهذا الأخير نص في فقرته الرابعة على أن "يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية".  وهذا ما تحقق في يوليوز 2019، بعد مصادقة البرلمان عليه.

 

لكن إذا حاولنا وضع الفصل الخامس من الدستور المغربي والقانون التنظيمي الخاصين بترسيم الأمازيغية على سكة حقوق الانسان، التي تستحضر في مقارباتها مبادئ أساسية كالمساواة وعدم التمييز والعدالة والانصاف... فإن الفصل الخامس أعلاه صيغ بلغة فرضت نوعا من التراتبية بين اللغات الرسمية، بحيث نص في الفقرة الأولى والثانية على أن "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها". وبالمقابل نص المشرع الدستوري في الفقرة الثالثة من نفس الفصل على انه "تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة". وباستعماله لمصطلح "أيضا" يكون قد حدد موقعا هامشيا للأمازيغية وأبعدها عن الموقع المركزي، رغم أنها محدد أساسي للهوية المغربية، وهنا نطرح السؤال عن موقع مبادئ حقوق الانسان في هذا الفصل، كما نتساءل عن المانع لدى المشرع الدستوري من جعل اللغة العربية واللغة الامازيغية لغتان رسميتان للدولة المغربية على قدم المساواة؟

 

وإلى جانب التراتبية التي كرست في الفقرات الأولى من الفصل الخامس من الدستور جاءت الفقرة الرابعة المشار اليها أعلاه من نفس الفصل لتكرس الدونية، من خلال استعمال المشرع الدستوري لمصطلح "إدماج" اللغة الامازيغية في التعليم والحياة العامة، وكأنها لغة دخيلة عن المجتمع المغربي، لأنه في الواقع لا يدمج الا ما اعتبر خارجا عن المنظومة، واللغة الأمازيغية باعتبارها مكون حضاري أصيل في غنى عن أي ادماج، كما أنها ليست دخيلة حتى نبحث لها عن كيفيات إدماج في الثقافة والمجتمع ومؤسسات الدولة. وبالمقابل فهي تحتاج إلى إرادة صادقة من أصحاب القرار وإلى قناعات مبدئية في تغيير العقليات. ولقد تكرر مصطلح (الإدماج) أكثر من 9 مرات في أبواب ومواد وعناوين القانون التنظيمي، بهدف استبعاد الامازيغية من الموقع المركزي ضمن اللغات المعتدة دستوريا، باستعمال أساليب ولغة توحي بأن الأمازيغية دخيلة على المجتمع المغربي، تحتاج الى آليات لاندماجها، في حين أنها هوية مغربية لا تحتاج الا لمن يصونها ويحضنها ويعتمدها في التعليم والحياة العامة ذات الأولوية.

 

إن الفقرة الثالثة من القانون التنظيمي تتحدث عن حق المغاربة في تعلم الامازيغية، وهنا نطرح الأسئلة التالية: هل هذا الحق كان محظورا وتداركه المشرع؟ أم أن هناك لغات يمنع تعلمها داخل المغرب واستثنيت الامازيغية منها؟ وهل تعلم الامازيغية يعتبر حقا أم أنه واجب وطني كلغة يتحدث بها أغلبية المغاربة، ومكون من المكونات الأساسية للهوية المغربية؟

 

المادة السادسة التي تتحدث عن إمكانية تحديث مسالك تكوينية ووحدات للبحث المتخصص في اللغة والثقافة الأمازيغيتين بمؤسسات التعليم العالي، جاءت رهينة اعتبارات لم يفسح عليها المشرع ولم يحددها، ويبقى تعبير "يمكن" الوارد في المادة مؤشرا سلبيا في عملية تفعيل هذا التدبير.

 

كرست التراتبية والتميز بشكل جلى في المادة الخامسة عشر من القانون التنظيمي استجابة لتوجهات المشرع الدستوري التي تنص على أن "تبث الخطب والرسائل الملكية والتصريحات للمسؤولين العموميين على القنوات التلفزية والإذاعية العمومية الأمازيغية مصحوبة بترجمتها الشفاهية أو الكتابية الى اللغة الامازيغية"؛ وهذا يعني أن الخطب الملكية والتصريحات الرسمية للمسؤولين الرسمين تبث في القنوات التلفزية والاذاعية العمومية الأمازيغية باللغة العربية، ونصيب الأمازيغية هي الترجمة فقط، وبهذا تستحوذ اللغة العربية على جميع القنوات العربية والامازيغية كلغة السيادة في المجالات العامة ذات الأولوية، ونصيب اللغة الامازيغية يكمن في الاستئناس وتسجيل الحضور وإرضاء الخواطر، مما يبعدها عن الحياة العامة ذات الأولوية.

 

لم يرد في المادتين 27 و28 من القانون التنظيمي حول اللغة التي تكتب أعلى وأسفل اللوحات وعلامات التشوير المثبتة في واجهات الإدارات والمؤسسات العمومية، وترك الأمر لحكم الواقع الذي هو سيد الموقف في كثير من مواد هذا القانون، مع غياب استحضار الخصوصية الجهوية التي وردت في بعض مواد هذا القانون، ولم ترد في هذا الموضوع.

 

لم يشر الفصل الخامس من الدستور وكذلك القانون التنظيمي المرتبط به الى أية إشارة لإعادة الاعتبار الى اللغة الامازيغية التي مورس عليها حيف واقصاء ممنهج منذ الاستقلال الى تاريخ صدور دستور 2011. بحيث أن الدساتير الخمسة السابقة للمملكة لم تشر إلى هذا المكون الاجتماعي بشكل مطلق، مما يستدعى معه ولو بشكل رمزي احداث ما يحيي الذاكرة الجماعية للمجتمع المغربي كنوع من جبر الضرر.

 

إن المادة 21 المتعلقة بكتابة اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية، البيانات المتضمنة في الوثائق الرسمية، لم تتحدث عن الإجراءات المعتمدة لتنزيل ما جاء بخصوص كتابة اللغة الامازيغية على الوثائق الرسمية، ولم تحدد له إطارا زمنيا. كما لاحظ أن وزارة الداخلية لم تعتمد هذه التدابير التي خصص لها الباب السادس بالكامل، حينما قررت الوزارة استبدال البطاقة التعريف الوطنية بأخرى جديدة واستبعدت فيه تطبيق مواد هذا الفصل رغم تزامنه مع المصادقة على القانون التنظيمي.

 

يمثل الملك في المغرب رمز البلاد وممثل الأمة وحامي حقوق المواطنين، وتربط الملك بالشعب علاقة روحية وتاريخية. وهذه المكانة التي تحظى بها المؤسسة الملكية كفيلة بأن تؤثر بشكل فعال في قناعة ورغبات واهتمامات رعايا الملك. لذا من العدالة والإنصاف أن تكون الخطب الملكية الموجهة إلى عامة الشعب باللغة العربية تارة وبالأمازيغية تارة أخرى كنوع من تحفيز المغاربة بكل مكوناته على تعلم اللغة الأمازيغية، والرقى بها إلى مستوى اللغة الرسمية، لتأخذ طريقها بشكل طبيعي في كل مجالات الحياة ذات الأولوية. فملك دولة بلجيكا مثلا ألقى خطابا رسميا كاملا باللغة الألمانية، علما أن عدد السكان الناطقين بهذه اللغة لا يتعدى 80 ألف مواطن بلجيكي، وفي الحالات العادية يقوم الملك البلجيكي بإلقاء الخطب الرسمية بالفرنسية والوالونية تفعيلا لمبدأ الإنصاف والمساواة وعدم التمييز.

 

لم يشر القانون التنظيمي إلى أي مكانة للأمازيغية في التمثيل الدولي، من خلال القاء بعض الخطب داخل أروقة الأمم المتحدة باللغة الأمازيغية، حتى تعرف بها الدولة كلغة رسمية ودولية يتحدث بها أكثر من 100 مليون شخص. كما أن بعض التقارير الدورية التي تقدمها الدولة إلى الهيئات الدولية يجب أن تكتب وتلقى باللغة الأمازيغية حتى ترقى فعلا إلى مستوى اللغة الرسمية المعتمدة لدى الهيئات والآليات الدولية.

 

لقد فرضت بعض القطاعات الحكومية على الدارسين والباحثين تقديم بحوثهم باللغات الأجنبية التي لم يتلقوها في المراحل التعليمية. في حين لم تفرض المادة 9 من القانون التنظيمي على ممثلي الأمة تعلم اللغة الأمازيغية للتفاعل مع مداخلات البرلمانيين الناطقين بالأمازيغية عوض استعمال الترجمة. حيث يلقى على عاتق النواب التواصل مع مرشحيهم باللغة التي يفهمونها للتعرف على مشاكلهم ومعاناتهم بدل الاكتفاء باستغلال أصواتهم. وفي هذا الإطار يجب تفعيل المادة 25 من هذا القانون، التي تنص على حرص إدارات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وسائر المرافق العمومية على تأهيل موظفيها المعنيين بما يمكنهم من التواصل باللغة الأمازيغية مع المواطنين المتحدثين بها.

لم يهتم القانون التنظيمي بحق الأمازيغ في تسمية أبنائهم بأسماء أمازيغية، والتي كانت محط دعاوى قضائية عديدة انتهى جلها بتأييد القرارات الإدارية، كما كانت انتصارا لفتاوى القائمين على الشأن الديني الذين اعتبروا الأسماء الأمازيغية خروجا عن الدين ومبادئه، رغم براءة هذا الأخير من هذه الدعوات التي يقف وراءها أشباه الفقهاء والعلماء. وبهذا حرم كثير من المواطنين من تسمية أبنائهم بأسماء أمازيغية.

 

إن منطق تنزيل الحقوق بالتدرج توازيا مع الإمكانات والقدرات والاعتبارات الأخرى مقبول نسبيا، إلا أن تجاوز المدد الزمنية المعقولة يعتبر تفاعلا سلبيا ومؤشرا على غياب رغبة حقيقية لدى أصحاب القرار في التفعيل، والمدة الزمنية بين إعلان أجدير 2001 ودستور 2011 إلى حدود صدور القانون التنظيمي 2019، طويل جدا تجاوز حدود المعقول والمقبول.

 

إن القانون بشكل عام هو عبارة عن قواعد قانونية ملزمة. وهذه الصفة مركزية في القاعدة القانونية، وانعدامها يعني إفراغ القاعدة القانونية من مضمونها. ويلاحظ أن صياغة قواعد القانون التنظيمي رقم 16-26، يطغى عليها الطابع الأدبي والطابع الفني أكثر منه القانوني. فقراءة مواد القانون التنظيمي يعطى انطباعا بأننا أمام تصريح بالشرف، وأمام اعلان مبادئ ترتكز على التحفيز والتشجيع، ولسنا أمام قواعد قانونية ملزمة تتضمن الجزاء. حتى يكون الإطار القانوني هو الحاسم في النهوض باللغة الأمازيغية وحمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها انطلاقا من قانون ملزم يربط عدم التنفيذ بالمحاسبة. فطغيان استعمال مصطلح "يمكن" في القانون التنظيمي مؤشر واضح على غياب أي الزامية لهذا القانون مما يفسح المجال لخروقات عديدة تحت ذريعة الإمكانيات والخصوصيات. ويظهر ذلك في البرامج التي حدد لها إطار زمني ولم يحدد لها أي جزاء في حالة التراجع عن المكتسبات القانونية الواردة فيه.

 

لذا فالقانون التنظيمي رقم 16-26 يصعب اعتماده كقانون ملزم يتطلب عليه الجزاء في الحالات التي يظهر فيها تعارض دستوري، أو تجاوز في التراتبية القانونية، أو في التراجع عن المكتسبات، أو في عدد احترام السقف الزمني المحدد في بعض التدابير المذكورة.

 

- أشخلف عبد الله: باحث في القانون الدولي لحقوق الانسان