كان جميع حُجاج العصر الجاهلي يقفون على جبل "عرفات" للتخلص من الذنوب والآثام في يوم الحج. وبعد واقعة "الفيل"، تباهت قريش بمنزلتها على العرب، فتركوا "الوقفة" لغير القرشيين بينما هم فقط من يقف حول "الكعبة"، وأنهم أهل البيت. ثم أبطل الإسلام تفرد قريش بالحرم المكي، وأمر بالمساواة بين جميع الحجاج في المكان والزمان كما كان في عهد إبراهيم عليه السلام.
إن التاريخ لا يُمكن أن يُعيد نفسه إلا بعد أن يتمحور بعضنا حول مجموعة من الأفكار التي تبنّاها من سبقونا. والفرس اليوم أخذوا يبحثون عن هيبة دينية لتُمكنهم من السيادة على المسلمين العجم والإستعانة بهم لتحرير الحرمين من الوصاية السعودية.
وعلينا أن نُدرك أن الفتوى "الصوفية الراديكالية" في بلاد المهجر بإجازة ترك الصلاة خلف الإمام "الوهابي" في الحرم المكي تحمل في باطنها بأن الفرس هم أهل البيت، وأنهم يسعون لمكانة قريش الجاهلية، وأن الصلاة لا تصح إلا بإمامة المهدي المعصوم أو من ينوب عنه الولي الفقيه الفارسي.
كما أوضحت في مقالين سابقين حول خطورة إختلاف مواقيت الصوم والفطر بين العرب والعجم، أو بين أهل السنة العرب والشيعة والصوفية. ففي مقال عام 2014 حذرت من خطورة جدولة المسلمين العجم لتاريخ هجري جديد. وفي مقال عام 2015 نبّهت من فتوى علماء العرب بحرية إختيار المواقيت لكل جماعة مُهاجرة إلى بلاد المهجر، وأنها قد وقعت على أدوات سياسية سوف تقود العجم إلى "حرب المواقيت" ومن ثم تدويلها.
إذن.. ليست فكرة "تدويل الحرمين" كما يتصورها البعض، وهو أن الشرطة الدولية تُحيط الحرم المكي لحماية الحُجاج. فالفرس ليسوا بهذه السذاجة بقدر ما هي إلا خطوات مُمنهجة قد بدأت منذ أن أعتمد الفرس والعجم يوم صومهم ويوم فطرهم في غير أيام العرب المُؤرخة. فبعد عقود من الزمن سوف نكون أمام تاريخ هجري خاص بهم. وهذا التاريخ الموروث هو الطريق القانوني للحصول على ضمان منظمات حقوق الإنسان وبدعم من قرارات الأمم المُتحدة بأن للفرس والعجم مواقيتهم في الحرم المكي ومُلزمة لإحترامها عربياً. وهذه هي الصورة الحقيقية، وهو أن يقف العرب على جبل عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة، بينما تكون وقفتهم في اليوم العاشر من الشهر نفسه.
والغريب أن علماء الأمة من العرب هم الأداة المُستخدمة للوصول إلى هذه المرحلة، فهم يؤيدون بشدة إختلاف المواقيت كمسألة فقهية، بل يلزمون عرب المهجر لإتباع العجم في مواقيتهم دون أن يدركوا أنهم يخلقون فجوة بين المهاجرين العرب مع أوطانهم العربية من خلال مسألة لا علاقة لها بالفقه الإسلامي من قريب أو بعيد.
ولقولي خلاصة؛ أن الأمن القومي العربي هو جزء من العقيدة الإسلامية، ومرتبته تفوق جميع الإختلافات الفقهية في هذا الشأن. كما أن القوانين الدولية لا تؤمن بالمساواة الجماعية التي أقرها الإسلام بقدر ما تؤمن بالمساواة القائمة على الحقوق الفردية، وحرية إختيار كل طائفة لمواقيتها الموروثة عن الآباء في الحج والعمرة.
إن التاريخ يُعيد نفسه، فقريش الجاهلية فرضت هيبتها من خلال الإحتواء المكاني، بينما فرس اليوم يسعون لفرض هيبتهم من خلال الإحتواء الزماني، وخلق تاريخ جديد يقودهم إلى الإحتواء المكاني كونهم أهل البيت كما يزعمون.