إذا كان الدستور المغربي يضمن للمواطن مجموعة من الحقوق في إطار الحق في حياة تصون الكرامة، فإن هذه الأخيرة لن تتحقق من دون أبسط شروطها المتمثلة في التعليم والصحة والشغل والمساواة أمام القانون والعدالة، دون الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان باعتبارها حقوقاً كونية. وإذا كان موضوع إصلاح التعليم يشغل حيزاً كبيراً في ساحة النقاش العمومي، إلى جانب مسألة الانتخابات، بالنظر إلى أهميته في تطور البلاد وتقرير مصيرها، فإن حصر النقاش في من له الحق في متابعة دراسته العليا من عدمه، والشروط والأسس القانونية المحددة لهذا الحق، يبقى غير ذي معنى في غياب الأجوبة عن الأسئلة المرتبطة بما بعد نهاية المشوار الدراسي، وكيف نحقق العدل والتوازن بين خريجي معاهد تكوينية ومؤسسات تعليمية عمومية وأخرى خصوصية لا تضمن بالضرورة تعليمات جيدة في مستوى بناياتها وأقسامها المطلية بألوان الفرح والنجاح، لكنها تضمن نقطاً عالية لمرتاديها بما يناسب تكلفة التمدرس، وبالتالي تعطي حظوظاً أوفر في الانتقاء الذي ليس سوى نوع من المباريات غير المباشرة. ويُعاب على المباريات والامتحانات الغش الذي يحدث فيها، سواء ذلك الذي يمارسه الطلبة والممتحنون، أو ذلك الذي يمارس بشكل آخر من طرف باقي المتدخلين الأوصياء والمشرفين على العملية ككل.
الواقع والمنطق لا يقبلان فرضية قبول جميع المترشحين، لأسباب عديدة، توجد على رأسها الإمكانيات التي لا تسمح بمغامرة من هذا القبيل. الدولة لا تتوفر على البنايات والمنشآت التي يمكنها احتواء الجميع، حتى وإن أعدنا فتح المؤسسات التي أُغلقت في السنوات الأخيرة بالاستغناء عنها، وجهزناها للمناسبة، فإن المشروع سيقف في عقبة نقص الأطر التعليمية والتربوية، وربما قد نعود لتجنيد الذين تم تسريحهم في إطار عملية الإحالة على التقاعد اختيارياً، المعروفة نتائجها الكارثية. بمثل هذه الإجراءات سنكون بالمثل المغربي الدارج «اللي حرث الجمل دكو». ثم ماذا سيكون رأي وموقف المؤسسات الدولية الاقتصادية والمالية التي رفعت المشروع الفائت؟ قد يرد البعض بأنه هنا يأتي دور القطاع الخاص مرة ثانية، وبالتالي تكون الدولة قد تخلّصت من أعباء وظيفة عمومية. ولم لا إقحام الجماعات الترابية في المشروع بما يزكي كون سياسة الجهوية المتقدمة قناعة حقيقية وواقع وليست مناورة سياسية؟ هذه الجماعات التي لا تزال عاجزة عن إنتاج وتطبيق تصاميم تهيئة، فما بالنا بالإشراف على مشروع سياسي مجتمعي بهذا الحجم، يرهن مستقبل البلاد لسنوات. ألسنا في حاجة إلى وقت أطول ومشاورات أكبر وأوسع مع كل الفاعلين وعلى رأسهم الآباء والأولياء، والطلبة، والمجتمع المدني، والمؤسسة التشريعية، والمؤسسات المعنية برسم الاستراتيجية العامة للدولة، ومؤسسات البحث العلمي ومراكز الدراسات الوطنية العمومية والخاصة؟
المسألة التعليمية لا تهم وزارة بعينها ولا حزباً أو تكتلاً حزبياً أتت به رياح الانتخابات، إنها قضية أمة. قليلاً من التريث يغفر لي ولكم الله.
