Sunday 24 August 2025
مجتمع

رشيد لبكر: تماسك الحكومة وحملة الدراجات النارية

رشيد لبكر: تماسك الحكومة وحملة الدراجات النارية رشيد لبكر

تماسك الحكومة وحملة الدراجات

أقل ما يمكن أن يقال عن الحملة التي استهدفت مستعملي الدراجات النارية المستوردة، أنها كانت متسرعة وغير مخطط لها بدقة، ولم تراعِ بعض الجوانب الاجتماعية لمستعمليها. لذا، فالمنطق فرض تعليقها إلى حينٍ آخر، بعد إتمام رسم خطة محكمة لضبطها.
لكن في العمق، أعتقد أن تعليق الحملة لا يجب أن يعفينا من القول إن هذه الدراجات أصبحت محركات قاتلة بكل المقاييس، وأنا أتكلم من واقع التجربة الميدانية، لاسيما في المجال القروي، الذي لا يكاد يمر فيه أسبوع دون أن تخلف هذه الدراجات ضحايا وقتلى، متسببة في مآسٍ اجتماعية حقيقية.
لذا، فالضرورة تدعو إلى الإسراع بوضع هذه الخطة حقنًا للدماء وحماية لأرواح مستعملي الطريق، لا سيما أن النقاش الآن لا يتجه نحو منع استعمالها، ولكن نحو تقنين هذا الاستعمال، بما يحقق المنفعة ويحفظ سلامة المواطنين.
وأظن أن هذا المطلب هو من واجبات الحكومة أيضًا، وبالتالي، فمن غير المعقول المبالغة في نقد هذا القرار، بل يجب حصر الانتقاد في الجوانب المتسرعة منه.

ثم إن هذه الحملة تكشف، من جهة أخرى، عن جانب من الخلل في إدارة الشأن الحكومي وفي التنسيق المحكم بين أعضاء الحكومة، ولكن ليس لدرجة استغلال هذه الحملة للضرب في بعض من أطرافها، والترويج عبر بعض المواقع بأن الحملة سجلت نقطة لصالح هذا الحزب على حساب ذاك (تسجيل الأحرار لإصابة في مرمى الاستقلال)...
شخصيًا، أنا ضد هذا النمط من التفكير، وأعتبره مزايدات تسيء للعمل السياسي، وخوضًا في الماء العكر ليس إلا. إذ المعروف في الممارسة السياسية أن التنافس، بل الصراع، يكون بين الأغلبية والمعارضة، وهو الشيء الذي يعطي للعمل الحزبي حيويته ويضمن للحياة السياسية زخمها وجدواها.
لكن إذا تحول الصراع إلى ما بين مكونات الأغلبية – وهذا ما لا أعتقده – فتلك مشكلة أخرى، تطرح السؤال حول قوة الأغلبية وحقيقة تماسكها، بل تسيء حتى لعمل المؤسسات واستقرارها.

برأيي، إن الحكومة ما زالت لحد الساعة تشتغل بشكل عادي ووفق مبدأ التضامن القائم بين مكوناتها، وأي نجاح أو فشل في تدبير عملها، فالمفروض أن يُنسب للحكومة ككل، وليس بالتقسيط على بعض أعضائها.

ما نشهده اليوم شيء غريب بالفعل. بالأمس، مارست المحكمة الدستورية عملها المؤسساتي وأصدرت حكمها في حق قانون عُرض على أنظارها، وقضت بعدم دستوريته، وهي في ذلك لم تقم إلا بممارسة اختصاصها القانوني.
كما أن وزير العدل، عندما تقدم بمشروع هذا القانون، قدمه باسم الحكومة التي ينتمي إليها، وهو بذلك قام بممارسة اختصاصه، وكذلك البرلمان.
لكن سرعان ما تحول هذا الحكم الدستوري إلى سوط لجلد وزير العدل، وهذا – لعمري – سلوك غير منطقي، بل ومسيء للعمل المؤسساتي، كما أشرت، سواء اتفقنا مع أسلوب السيد الوزير أم اختلفنا معه.

اليوم كذلك، تدخلت الحكومة لتعليق قرار اتخذته بعض مكوناتها لعدم صوابية بعض جوانبه (وهو قرار يُنسب إليها على أية حال)، لكن سرعان ما انقض البعض على قرار "تعليق القرار"، محاولًا نسبه إلى رئيس الحكومة (الأحرار) ضد وزير النقل (الاستقلال). وهذا ما أعتبره انتهازية فجة واستغلالًا سياسويًا لا علاقة له بالمطلق مع منطق التدبير والإدارة العامة.
وإلا، فإننا نحول عمل الحكومة إلى حقل ألغام، كل طرف فيه سيحاول الإيقاع بغريمه "لتسجيل الهدف"... فأين الصالح العام من هذا؟ ومن سيحفظ للمؤسسات هيبتها إذن؟

لأجل كل هذا، أنا لا أدخل في هذا النقاش، وأعتبره بوليميكًا سلبيًا ومضرًا، إذ من شأنه التأثير سلبيًا على ثقة المواطن بالعمل السياسي، وعلى مصداقية الاستحقاقات القادمة.

لأجل هذا، أفهم إذن لماذا أُسند لصاحب الجلالة تدبير النقاش حول الانتخابات، استعدادًا للاستحقاقات القادمة، إلى وزارة الداخلية.
ولنا أن نتخيل ما الذي كان سيقع لو أُسند تدبير هذا النقاش إلى الأحزاب السياسية... "كون ولّينا في واقع كلها يجرّ لجيهتو، وشي يقصف شي"،
ولنا في واقعتَي حكم المحكمة الدستورية وتعليق قرار الدراجات النارية، الدليل المؤكد لما نقول.

 

رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة شعيب الدكالي بالجديدة