من المباريات الغامضة إلى المعايير المعلنة
لطالما كانت مباريات ولوج سلك الماستر الجامعي في المغرب محاطة بكثير من الغموض والارتجال، تُدار في كثير من الحالات بمنطق فردي وانغلاق على المحيط الأكاديمي والطلابي، وهو ما جعلها عرضة لممارسات غير نزيهة، وصلت في حالات عديدة إلى فضائح الاتجار في المقاعد واستغلال النفوذ.
القرار الوزاري الجديد (رقم 1891.25 بتاريخ 25 يوليو 2025)، أقر تحولًا جذريًا، بإلغاء الامتحانات الكتابية والشفوية واعتماد الانتقاء على أساس دراسة الملفات، مما يعكس رغبة واضحة في تقليص الهوامش غير المنضبطة للسلطة التقديرية.
معايير الانتقاء: وضوح يحاصر التقدير الشخصي
الإصلاح الجديد يربط ولوج الماستر بمعايير مضبوطة ومعلنة في الملف الوصفي لكل مسلك، من أبرزها:
- المعدلات العامة والخاصة في التخصص؛
- ملاءمة الشهادة الجامعية للمسلك المختار؛
- مشروع التكوين وملف الطالب الأكاديمي؛
- أولويات خاصة لبعض الشهادات الحديثة.
هذه المعايير تُحدث توازنًا مطلوبًا بين الإنصاف الأكاديمي والموضوعية، وتُقلص من منطق "الاختيار الغامض" الذي كان يؤسس لقرارات يصعب الدفاع عنها أخلاقيًا وقانونيًا.
حكامة جديدة: لجان مؤسساتية ومحاضر رسمية
من أبرز مستجدات القرار أن لجان الانتقاء أصبحت تُشكَّل رسميًا وتخضع لتركيبة مؤسساتية صارمة، وتتكون من:
- رئيس المؤسسة الجامعية أو من ينوب عنه؛
- رئيس الشعبة المعنية؛
- منسق المسلك؛
- أعضاء إضافيون يُعيِّنهم رئيس المؤسسة.
وتلتزم اللجنة بإعداد محضر رسمي موقع من الجميع، يُرسل إلى رئيس الجامعة وينشر للعموم، في خطوة تعزز الشفافية والمساءلة وتقلص من احتمالات التحكم الأحادي أو التلاعب الداخلي.
عمق هذا الإصلاح: استرجاع الثقة من خلال سد منافذ الفساد
لفهم عمق هذا الإصلاح، من المفيد استحضار معادلة روبرت كليتغارد في تحليل الفساد، والتي تقول:
الفساد = الاحتكار + السلطة التقديرية – الشفافية
ولسنوات، كانت مباريات الماستر تُدار داخل هذا المربع الخطير: سلطة تقديرية مفرطة يقابلها غياب شبه تام للشفافية والمحاسبة.
الإصلاح الجديد لا يزيل هذه السلطة نهائيًا، لكنه يُقيدها بإجراءات جماعية، ووثائق رسمية، ومسطرة نشر، ما يُعد تحولًا هيكليًا نحو منطق الحكامة الرشيدة.
من هذا المنظور فإن الإصلاح يسعى لقلب المعادلة لتكون على الشكل التالي:
- الفساد = - الاحتكار - السلطة التقديرية + الشفافية
تحديات التنزيل: إصلاح واعد ينبغي استكماله
رغم أهمية القرار، إلا أن بعض التحديات تبقى قائمة:
- تفاوت معايير التقييم بين الجامعات، مما يفتح الباب لتلاعب محتمل في معدلات الإجازة؛
- إمكانية تحوّل "الشراء الأكاديمي" من مباريات الماستر إلى مراحل سابقة من المسار الجامعي؛
- إمكانية استمرار النفوذ غير المرئي لبعض المسؤولين من خلال طرق غير شفافة وملتوية؛
- ضعف الرقابة الرقمية الموحدة على مستوى الجامعات.
نحو إصلاح بنيوي متكامل
لضمان فعالية الإصلاح، ينبغي مرافقة القرار بعدة تدابير داعمة:
- إحداث منصة وطنية رقمية موحدة لاستقبال ومعالجة طلبات الماستر؛
- إشراك ملاحظين مستقلين في اللجان من داخل وخارج المؤسسة؛
- وضع نظام للتظلمات والطعن بضمانات قانونية ومؤسساتية؛
- تقوية الوعي الأخلاقي داخل الوسط الجامعي وإعادة الاعتبار للثقة بين الطالب والمؤسسة.
الخلاصة: الشفافية لم تعد خيارًا
قرار تضييق هوامش التلاعب في ولوج سلك الماستر قرار جريء ومكسب كبير يحسب للوزير الجديد لقطاع التعليم العالي، لأنه يدشن مرحلة جديدة في حكامة هذا القطاع الحيوي، لا فقط من حيث الإجراءات، بل يبعث برسالة صارمة إيجابية من حيث المنظور الأخلاقي والمؤسساتي.
لكن نجاحه الحقيقي لن يقاس فقط بعدد الطلبة المقبولين، بل بمدى تحقيق العدالة الأكاديمية، وتكافؤ الفرص، واستعادة الثقة في الجامعة المغربية كفضاء للمعرفة وبناء المستقبل في ظل معايير وقيم المساواة والاستحقاق لا الإقصاء والمحاباة.
د. محمد براو
خبير واستشاري دولي في الحكامة ومكافحة الفساد، مدير مجلة التدبير والرقابة عل المال العام
