الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: من نحن وماذا نريد وكيف نمارس قناعاتنا؟

مصطفى المنوزي: من نحن وماذا نريد وكيف نمارس قناعاتنا؟

بالرغم من أن هناك فهم خاطئ لأدوار وصلاحيات الفاعل الحقوقي، كناشط لا يمكن بأية حال أن يناضل وكالة عن الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، وبالرغم من الاتهامات الموجهة له، هو ومن معه في منظمته أو هيأته الحقوقية، بكونهم يحرفون معركة التغيير « الطبقية » عن مسارها الجذري واستراتيجيتها الأساسية، وبأنهم يعرقلون بمواقفهم « الإصلاحية » إرادة التصدي للعدو التناحري ويلغون كل وسائل التعبئة الحقيقية والراديكالية بغية إجهاض المد الثوري وبما « يخدم » الليبرالية في عمقها كعقيدة لرأسمالية المتوحشة، وبالرغم من كل هاته اليافطات التي تبرر فشل السياسيين في الجواب على سؤال الهوية النضالية و تعثر استراتيجية النضال الديموقراطية، بتحليل ملموس لواقع ملموس، فإن الحركة الحقوقية في المغرب تكافح من أجل المنازعة في الشرعية الذستورية و السياسية للنظام السياسي ومساءلتها في علاقتها بالديموقراطية وبمقاربة حقوقية محضة، وطبعا باستحضار الآفاق الفكرية والسياسية للتأطير والتوجيه وفق السقف والصلاحيات المخولة قانونا وواقعا، بكل شفافية ووضوح، فإذا كانت مكونات الدولة وكذا الأحزاب قد توافقت على إبرام تسوية سياسية أثمرت توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة خالية من استجابة لمطلب مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فإن الطيف الحقوقي، وعلى الخصوص المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، وبالرغم من تحفظه على النتائج وقبلها المنهجية والمساطر والإطار القانوني، فإنه هو من حرص على العمل على تنفيذ التوصيات وعلى الخصوص الشق السياسي منها، والمتعلق أساسا بالإصلاحات السياسية والدستورية والتشريعية والمؤسساتية، وكان لحركة عشرين فبراير، والتي ساهم المنتدى بشكل مركزي في تأطير سلميتها وطابعها الحقوقي والاجتماعي المحض، وكانت الاستجابة، رغم تعثر إرادة التنفيذ، بل إن المنتدى كان مواكبا بالمعارك النضالية والحوار المؤسساتي مع الجهات الوصية أو ذات الصلة بمعالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وكذا بالمساهمة في « وضع » الباب الثاني من الدستور الجديد، بأن ارتكز على مدخل صك الحقوق عوض مدخل فصل السلطات، باعتبار أن المدخل الأخير من شأن واختصاص الأحزاب السياسية ، التي كانت مذكراتها دون المستوى المطلوب، خاصة في ظل سياق ملائم لكل تغيير وكل إصلاح منشود، في حين أبرمت النقابات اتفاقيات جعلته في شبه حياد عن الحراك الفبرايري، وهاهي الهيئات الحقوقية تحتج على الحكومة ومن وراءها وتدين التلكؤ والتسويف في تفعيل مقتضيات صك الحقوق والحريات وكل مقتضيات سلة الإصلاحات، وبالرغم من هذه الأدوار، فالحقوقيون يحرصون على عدم تكرار تجربة هيئات اللعمل المدني و«الجماهيري» في الماضي، فالطيف الحقوقي ليست له غايات سياسية وإن كان من حقه اعتماد مقاربات سياسية منسجمة مع طبيعته الإصلاحية، فالسلطة لا تهمه بقدر ما يعنيه مراقبة التدبير الديموقراطي للسياسات العمومية ذات الصلة بالحقوق والحريات والديموقراطية، غير أن تراخي مهندسي الديموقراطية التمثيلية وتردي الأوضاع الإنسانية للأغلبية الساحقة من الشعب، قد يدفع أحيانا المدافعين عن حقوق الإنسان إلى رفع حدة الشعارات ولهجة الحوار ، بنفس القدر الذي يتم به رفع درجة اليقظة لمقاومة انهيار القيم واندثار «الوطنية»، فكل المعارك الحقوقية لا تهدف سوى إلى إجبار القائمين على تدبير الشأن العام على تنفيذ الالتزامات تجاه المواطنين قبل « الخارج »، وفي هذا الصدد فإن ما يجري من تعاقدات أمنية ومخابراتية دولية بعلة مواجهة الإرهاب والجرائم المنظمة والعابرة للقارات، لا يمكن بتاتا أن يوقف عجلة الإصلاح ومسلسل هندسة تدابير وضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة، فالحكامة الأمنية والأمن القضائي والروحي والإنساني فوق كل اعتبار وهي مواثيق ملزمة للوطن والوطنيين وحامية للحقوق الاتفاقية والمكتسبة والمستحقة إنسانيا، ولقد حان الوقت لكي نصيغ جماعيا توافقا حول استكمال تنفيذ الشق الاجتماعي من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة دون التفريط في المطالب الجوهرية التي كانت وراء تأسيس المنتدى المغربي من زجل الحقيقة والإنصاف، ألا وهو مطلب الحقيقة والإنصاف ومساءلة ماضي الانتهاكات، حتى يتكرر الماضي الأسود الذي لايريد أن يمضي، فللمنتدى استراتيجيته وخطط تنفيذها مصادق عليها مؤسساتيا ولا يعقل أن نبعثر الجهود المسؤولة والتنظيمية وكذا منهجية وترتيب الوسائل والأولويات، باسم المبادرات « الحرة » أو المرتجلات من خارج الإطار، خاصة وأن المنتدى لن يسمح بإغلاق الملف سوى بقرار مجتمعي تشاركي منصف وعادل، فالمعركة متواصلة بالقانون والحوار والتشاور، وقد أتبث التاريخ أن الارتجال وثقافة فرض الأمر الواقع لن تكون وسيلة ناجعة ولا حلا منتجا، ولربما قد تكون مبررا لإضعاف المواقف والمبادرات نفسها، فنحن بصدد محاولة جبر الأضرار جماعيا وليس بصدد جبر الخواطر نرجسيا، أما تقرير المصائر فهذا شأن المناضلين السياسيين، وكم يحتاج المنتدى إلي دعمهم المبدئي بدل حيادهم الاجتماعي واستقالتهم الثقافية، فهل يكفينا التاريخ وحده لنكون أقوياء أم عدالة قضيتنا وجودة نضالنا وكرامة وسيلتنا هي شرط دونه التيه والمسخ "لنضالي".