عندما سافرت من بلدي المغرب إلى الشيلي عام 2011 كنت أعتقد أن التواصل عبر اللغة الإسبانية سيكون مفيدا وسهلا للإندماج في المجتمع بحكم أنني أتقن الحديث بهذه اللغة مند أحببتها ودرستها سنوات شبابي. غير أن حقائق تجرية الهجرة، سواء في مدينة كوكيمبو التي عشت فيها ثلاث سنوات أو في مدينة سانتياغو، ستكشف لي مفارقات لغوية صادمة ستربكني خصوصا في السنوات الأولى وستؤثر في مخزوني اللغوي ما جعلني أصطدم بوجود لغة شيلية غارقة في المحلية و لا علاقة لها باللغة القشتالية التي سبق أن تعلمتها. فإذا كان المهاجرون العرب، عند قدومهم إلي الشيلي، يجدون في سنواتهم الأولى صعوبة في الحديث والتواصل مع الشيليين بحكم أنهم لا يتحدثون سوى لغتهم الأصلية، فإن حالتي كمهاجر عربي من المغرب مختلفة، فأنا، عمليا، أتحدث اللغة الإسبانية و لدي معرفة متواضعة حول الثقافة و الأدب الخاص ببلدان أمريكا اللاتينية، و مع ذلك لم أنجو من الصدمة اللغوية عندما كانت الكثير من المناقشات و الأحاديث مع شيليين كثيرين تفاجئني بكلمات لم أسمعها من قبل، وكانت تربك سياقات أحاديثي وتفقدني أحيانا التركيز في الموضوعات التي كنت أناقشها معهم في العديد من المناسبات. كمثال على ذلك الإرباك و التصادم اللسني، عندما سمعت للوهلة الأولى أحد عمال "ستارباك" يقول لي "آلتيرو" قبل أن يسلمني طلبية القهوة، فلم أفهم ما كان يريد قوله لي، وعندما استفسرت لاحقا، فهمت المعنى من الكلمة رغم أني لم استسغ اعتماد الشيليين على هذه الكلمة كتعبير عن تقديم خدمة ما لأنها مشتقة من إطلاق النار و الذي يكون إيقاعه سريعا، و مقدم الخدمة عندما يستعمل العبارة المذكورة فهو يريد أن يوحي لزبونه، بأنه سيخدمه بسرعة تشبه إيقاع إطلاق النار، و فيما بعد تراكمت على مسامعي الكثير من الكلمات الشيلية و التي كنت أعمل على استيعابها وفهمها بغض النظر عن طبيعة صياغاتها و بعدها التام عن الكلمات و الألفاظ الإسبانية كما هي معتمدة من قبل الأكاديمية الملكية للغة الإسبانية. كلمات مثل: واويتا (طفلة)، بالتا (فاكهة أفوكاتو)، سي بو (نعم)، كاتشاي (هل فهمت)، المانخار (كراميل حليب نستلي)، سابايو (القرع)، هذه الكلمات و غيرها كثير، كانت تحيرني و تصدمني كلما كنت في لحظة تواصل و نقاش مع أصدقاء كثيرين، لأن جهلي بها كان يدفعني إلى توقيف النقاش للتساؤل عن معنى كل كلمة لكي أعمل على ضمها لمخزوني اللغوي و تفادي لاحقا التعثرات في درب اللغة الشيلية الطويل.
كتاب الرأي