كم هو بليغ وحكيم هذا التوصيف القرآني لكل مَن اتخذ قرارا أو قرارات سيّئة أو باطلة أو ظالمة للذات أو للآخر، ولم يقف عند ذلك الفعل، بل إنه، لمّا عجز عن الرجوع عنه أو تصحيحه أو التماس العفو والغفران ممن تسبب في الإساءة إليهم، أو في إصابتهم بالأذى أو الخسارة أو الانهيار، فضّل "الهروب إلى الأمام"، كما يقال، وشرع يفتخر بسوء عمله ويعتز به، اعتقادا من ذاته المريضة بأنه لم تعد هناك أدنى فرصة للتراجع والمراجعة والتصحيح، وأن ما يفعله هو الصواب... سلوك مَرَضي انهزامي بكل المعايير، رغم ما يصوره ذلك لصاحبه من العزة والأنفة الكاذبتَيْن، والخادعتين للذات قبل الآخر (النّيف الخاوي)!!
لا تسألوني عمّن ألمّح بهذا القول، فلا شك أنكم أدركتموه بفطنتكم، وخمّنتموه وفزّرتموه لأنه لا يوجد في الساحة السياسية المغاربية والإفريقية والمتوسطية التي يهمنا أمرها، بهذه الأوصاف والبيانات السلوكية سواه... إنه صديقنا وصديق كل المستأنسين بغبائه وكذبه وغرائبه وعجائبه التي لا تنتهي، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون... فما الأمر؟!
عندما كانت فرنسا لا تزال تصول وتجول في حدائقها الإفريقية السابقة، وتنهب من ثرواتها ما تشاء، حتى أنها، كما سبق القول غيرما مرة، استطاعت بواسطة "آلية الفرنك سيفا" الجهنمية أن تؤمن موردا ماليا سنويا تتغذى عليه خزينتُها لا يقل عن خمسمائة مليار يورو، وهذا رقم فلكي بامتياز!!
في تلك الظرفية "الفرنكوإفريقية"، كانت الجزائر تلعب "زلاّيقة" كما يفعل صغار الأطفال عندما كانت تأخذهم أمهاتهم إلى حمام النساء، فينزعون سراويلهم الداخلية ويمارسون رياضة التزحلق على أرضية صالات الحمام "باللحم على الفسيفساء أو الموزايك"، دون مخافة الاصطدام بمسمار تائه، أو شفرة حلاقة من بقايا "فعايل النسا" المعتادة في حماماتهن، فكانت تلك المغامرة الطفولية تمر دائما وأبدا بلا حوادث ولا متاعب لأن المستحمّات كن يُسَهّلن المأمورية فلا يتركن أي شيء يمكن أن يزعج أو يخدش بشرة المتزحلقين الصغار!!
هكذا كانت الجزائر تفعل في ظل ماماها فرنسا الوارف، حتى أن رئيسها "السي عبد المجيد" كان ينخرط في لعبته المفضلة بتوجيه "القلالز" (بأصبعه الوسطى) لرؤساء وحكومات وحتى لشعوب بلدان الساحل الإفريقي من وراء ومن تحت الجُبّة الفرنسية الواقية، فلم يكن أحد من ضحايا حركاته الطفولية والمثيرة للسخرية والاستهجان يستطيع أن يعترض أو يحتج أو يُعقّب، وظل الأمر على ذلك النحو، فرنسا تصول وتجول، و"ابّا عبد المجيد" يستفيد بشكل أو بآخر من وراء جدران الإيليزي الافتراضية، بينما قيادات وحكومات بلدان الساحل الإفريقي تعتبر الرئيس الجزائري شبه ممثل شخصي لباطرون القصر الجمهوري الفرنسي!!
الواقع، أنّ تبون كان ينتحل تلك الصفة بالفعل، ويحقق من وراء ذلك فوائد جمة، لنفسه ولعصابته، على حساب بلدان الساحل وشعوبها ومقدّراتها كما يفعل أيّ "مسخّراتي" عندما يمنحه معلمه وسيده فرصة تمثيله أو التخاطُب باسمه... وهكذا كان، و"مريضنا ما عندو باس"، إلى أن هبّت رياح الثورة على كلٍّ من مالي والنيجر وبوركينافاسو، لتجد فرنسا نفسها، بين يوم الثورات الثلاث وليلها، خارج الدائرة واللعبة وخارج التغطية، ويجد السي عبد المجيد تبون، الطفل، نفسه فجأةً وبتحصيل الحاصل عارياً بلا سروال، بينما أرضية الحمام ملئى بمساميرَ وشفراتٍ للحلاقة تركتها نسوة الإيليزي وراءهن، ولكنْ بدلا من أن يتراجع الطفل الشائخ عبد المجيد إلى الوراء ويُداري سَوْأَتَه كما يفعل العقلاء ورجال السياسة الحُذّاق، إذا به يستمر في انزلاقاته وشطحاته رغم الجروح والكدمات ونوبات الألم والوجع، وهذا بالذات هو الذي وقع فيه الرئيس الجزائري، الظاهرة، بتماديه في استعداء الرؤساء الثوار وحكوماتهم في البلدان الثلاثة سالفة الإشارة، ولم يَكْفِهِ ذلك، بل تمادى في غيه إلى درجة مناصرة إرهابيي منطقة الساحل، الجهاديين منهم، واللصوص قطاع الطرق، وتُجّار المخدرات والسلاح، والمتاجارون منهم بالبشر، لا يهمه في ذلك سوى أمر واحد، وهو الثأر لأمه البيولوجية، فرنسا، والظهور أمامها، رغم الخصومات الظاهرية معها، بمظهر الابن البار، الجدير بالثقة وبالاعتداد، رغم ان فرنسا ذاتَها نفضت يديها من بلدان الساحل خاصةً، ومن أغلب حدائقها الإفريقية السابقة عامةً، وانقلبت على نفسها في ظل تدبير سياسي في غاية السوء والسقوط والانهزامية، هو كل ما استطاع الرئيس المراهق ماكرون أن يقدمه على نُصُب جمهوريةٍ خامسةٍ موشكةٍ على السقوط والاندثار!!
العجيب في هذا اللعب التبوني الفج والسمج، هو أن فرنسا انسحبت من بلدان الساحل الإفريقي بأقل خسارة ممكنة، وإن كانت التقديرات الأولية لذاك الانسحاب تقدر بعشرات الملايير من اليوروهات، في حين أن النظام الجزائري، والرئيس تبون على الخصوص، استمر في المخاصمة والمناوشة والتدافع مع ثلاثة رؤساء ثوار يوشكون أن يعلنوا الحرب عليه جهرةً وبكل الطرق الرسمية، والآتي أعظم وأكبر وأخطر بكل تأكيد!!
الحَلَبة مفتوحة، والطفل الشائخ "مجيدو" لا يزال يمارس تدحرجه وزحلقاته رغم أنه يكاد يفقد من جراء ذلك كل ريشه. أما أمه فرنسا، فباتت مجردَ متفرج كباقي المتفرجبن وليس أكثر، وليس غريباً أن نسمع ذات يوم قريب صوت دويّ المدافع وصفير الصواريخ والقذائف، وهي تنطلق من تحالف وتكاتف الثلاثي الإفريقي الثائر باتجاه الموراديا وسكانها العرابيد المغفلين... والأيام بيننا!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد.
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد.