استكمالا للمحاور السابقة،المتعلقة بالتعليم وحكامة المؤسسات الجامعية والطالب الجامعي، يمكن التوقف في هاته الورقة عن الأستاذ في الجامعة وسؤال الأداء القيمي( مع تجاوز جانب الشروط).
مسؤولية ومهام الأستاذ
تناط بالأستاذ المنتمي إلى المؤسسات الجامعية مسؤولية جسيمة ومجتمعية ، تتمثل في النهوض بالقضايا التربوية وخدمة جودة البحث والتكوين، والمساهمة في نشر المعرفة والارتقاء بالتعليم العالي العمومي إلى مستوى خدمة رهانات التنمية، وبمختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية الخ...) خاصة مع استحضار تحديات المنافسة وضغوطات العولمة والذكاء الاصطناعي.
وإذ ينخرط الأساتذة الجامعيون في تطبيق مختلف أوراش المنظومة الجامعية من خلال القيام بأنشطة التدريس والبحث والتأطير، والمساهمة في تحيين مضامين ومناهج التعليم ،والعمل على تنمية البحث العلمي ،والرفع من قيمته ، وتتبع تقييم ومراقبة معلومات ومؤهلات الطلبة ضمن الهندسة البيداغوجية المرسومة ، وبمختلف الأسلاك وعبر السنوات . وهذا ما أكدته المادة الرابعة من المرسوم رقم.545-23-2 في2 أغسطس 2023 بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي المهام المسندة للأساتذة الباحثين ، والمتمثلة فيما يلي :
- القيام بأنشطة التدريس (دروس رئيسية أو أعمال توجيهية أو أعمال تطبيقية)، ضمن التكوين الأساسي والتكوين المستمر، ووفق نمطي التعليم الحضوري أو التعليم عن بعد أو هما معا ، إنتاج الموارد البيداغوجية المادية والرقمية والعمل على تجديدها ، تقييم المعارف والمؤهلات والكفايات المكتسبة والمساهمة في لجن الامتحانات والمباريات والمداولات وفي الحراسة.
- المساهمة في إغناء البحث العلمي و في نشر وتقييم وتثمين نتائجه ، المساهمة في تطوير البحث العلمي التنموي ، و خاصة تأطير أطروحات الدكتوراه ومشاريع نهاية الدراسة والأعمال الميدانية والمساهمة في تقييمها وتجويدها، إسداء الاستشارة لفائدة الطلبة ومواكبتهم وتوجيههم، تطوير أساليب ومناهج التدريس، القيام بأعمال الخبرة والاستشارة.
- مشاركة الأساتذة الباحثون في دورات تكوينية من أجل اكتساب معارف وتقنيات ومهارات جديدة.
وهاته المهام تقتضي تكثيف الجهود وتضافر الإرادات ،وتعبئة القدرات من أجل ريادية ورش التعليم العالي، وتهيـئ الشروط الضرورية لانجاحه، وبالتالي توطيد أواصر الثقة والاحترام المتبادل بين أطراف المعادلة البيداغوجية -الجامعية-.
2- ااوضعية الاعتبارية للأستاذ
وإذا كان الواجب يستدعي الحق، فإنه يجب العمل على تشجيع الجسم"الأستاذي"، والاهتمام به ماديا ومعنويا.
-تحسين الوضعية المادية للأستاذ ، مواكبة لضغط الواقع المتزايد ، مع الإسراع أو الانتظام بمعالجة ملفات الترقية بشكل مسؤول ومنتظم و دون شخصنة أو محاباة ، فلا تخلو الترقيات واقتراحاتها سواء من طرف اللجان العلمية والمتساوية الأعضاء من أعمال ، تفتقر إلى الشفافية والإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص مابين المتنافسين( فهل تتوفر الوزارة الوصية والهيئات الرسمية ذات الصلة على الجرأة الكافية ،بالكشف عن حجم ونوع التظلمات والطعون التي تتوفر عليها ومآلها) .
كما لا ينبغي إغفال تجويد النصوص التشريعية ، وتجنب غموضها(المادة التاسعة من المرسوم رقم.545-23-2 في2 أغسطس 2023) والافراج عن الدرجة الاستثنائية).
-إقرار نظام الحوافز تشجيعا للبحث العلمي والكفاءات،اعتمادا على معايير دقيقة وذات مصداقية وشفافة،حيث " يجب أن يكون التقدير حيثما يستحق، ولا يكون حيثما لا يستحق" كما يقال( دعم المؤلفات والبحوث، تحفيز التأطير وخاصة الاشراف... والتخلي عن تضريب البحث العلمي).
- الاهتمام بالجانب الاجتماعي والإنساني للأستاذ الباحث، على الأقل تأمين عمله ضد مخاطر التنقل وحوادث الشغل(الأستاذ غير مؤمن، ويمكن أن يكون عرضة للاعتداء)، دون اغفال مسائل الترفيه، وبناء النوادي الجامعية ، كما يستشف ذلك من الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الأولـى لعيد العرش في 30 يوليوز 2000، وإذ لاينفصل ما هو مادي عما هو معنوي، فإن الحاجة ماسة لتحسين جو العمل وتشجيع الكفاءات وتكريمها،والاعتراف بمجهوداتها و ما فتئ أطر التعليم يحظون بالتفاتة ملكية، وهذا ما يستشف من الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للسنة التشريعية الثالثة، أكتوبر 1999 :" ... العناية بأطر التعليم التي نكن لها كل العطف والتقدير والتي هي في أمس الحاجة إلى مزيد من العناية بها والتكريم"، باعتبـار الأسـاتذة والأطـر تشكلان العمود الفقـري للمنظومة الجامعيـة، يفتـرض مجهـودا تنظيميا يقـدر كرامة هؤلاء ويؤمن مكانتهم الاجتماعية، ويِحسن شـروط أدائهــم المهني والبيداغوجي والعلمي، ويمنحهـم وضعيـة تتلائم مـع القيمـة الاجتماعيــة والاعتبارية للموقع الـذي يحتلونه في تكوين الرأسـمال البشـري، القـادر علـى جعـل الجامعـة قاطـرة للتنميـة.ذ
ختما
يبقى الأستاذ هو المثل الأعلى والقدوة بالنسبة للطالب، وكما قال الفيلسوف" كانط " في هذا الإطار " تصرف حيث يكون تصرفك نموذجا يحتدى". فالأستاذ، بحكم مهنته ، محكوم عليه بالتحلي بالسلوك القويم ، والتحصين الذاتي، وفي منأى عن السلوكات المنحرفة أو الملتوية ، (إن بعص عمليـات التوظيف إلى مناصـب أسـتاذ مسـاعد ، قـد تسـببت في إضعـاف التأطيـر الإداري المتـدني أصـلا :المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي: الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التعليم العالي بالمغرب فعاليــة ونجاعــة وتحديات النظـام الجامعـي ذي الولوج المفتـوح : التقرير القطاعي2018).
وعليه ، ينبغي إبراز شخصية الأستاذ وإعطاء الطلبة المثال والقدوة في الاجتهاد والنقد البناء والفضول العلمي، وفي المظهر والسلوك، ذلك أن شخصية الأستاذ "النزيهة والكفئة" هي السلاح التقويمي حتى يكون للشأن الأكاديمي من معنى وللشـئ الجامعي من مبنى. ولا يسع هنا إلا استحضار قولة "مارتن لوثر" :"إن سعادة الأمم لا تتوقف على كثرة دخلها ولا على حصونها أو جمال مبانيها العامة، ولكنها تتوقف على عدد المثقفين من أبنائها وعلى رجال التربية والعلم والأخلاق فيها".