الجمعة 22 نوفمبر 2024
ملفات الوطن الآن

هل الحمض النووي للشرفاء يتطابق فعلا مع جينات الرسول الكريم؟

هل الحمض النووي للشرفاء يتطابق فعلا مع جينات الرسول الكريم؟

آصبح الانتساب إلى النبي عليه الصلاة والسلام بما يفرضه ذلك من نبل في الأخلاق والسمو في الدرجات والمكانة العالية، وسيلة من وسائل الاستغلال، وآصبح لقب «الشريف أو الشريفة»، عند البعض بمثابة «جواز مرور»، وتحول الشريف الذي يقابل مصلح النبيل في أوربا، والمتعفف والمتواضع إلى نصاب وكذاب ومستغل ومبتز

كيف سيكون رد فعل الفقهاء والعلماء إذا تقدم أحدهم بطلب إجراء اختبار الحمض النووي ADN لجزء من الجسد الطاهر للرسول عليه الصلاة والسلام، من أجل مقارنته ووضع حد لمن يدعون كذبا الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم؟

قد يبدو هذا الطرح غير معقول أو مسيئا للرسول عليه الصلاة والسلام، وقد يقوم بعض العلماء بجهل أو قصد بشن حرب فقهية ضد من يطرح هذا الأمر، وقد لايكون من المستبعد أن يفتى بخروجه عن الدين..

لنأخذ هذا الطرح على صورته الإيجابية وبهدوء وروية، مادام لم يصدر أي تكذيب من هيئات العلماء على الصعيد الوطني أو العالمي بشأن ما تتضمنه متاحف تركيا وألمانيا، «شعرة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فهذه الخبرة العلمية، ستكفينا هذه الحروب من حيث الانتساب للشجرة النبوية والطعن فيها من قبل البعض، إذ يكفي أن يتكلف مركز علمي مشهود له بإجراء تحاليل الحمض النووي على هذه الشعرة، وتصنيفها، وفق رمز معين، سنكون أمام تعليل علمي دقيق لمن هم ينتسبون حقا أو كذبا للرسول عليه السلام، حيث أثبتت الدراسات العلمية أن اختبارات الحمض النووي لها دور كبير في محددات السلالة البشري، أو ما يعرف بآعمدة النسب للأفراد والأسر والقبائل، ومن شأن اللجوء إلى هذه الطريقة العلمية أن ينسف معطيات تاريخية بنيت على مفاهيم نسبية ومزاعم قبلية، بل وعن تفاخر وتعصب، وقد يجعل من هذه القبيلة التي طعنت في نسب قبيلة أخرى من نفس الخلية البشرية.

قد يقول قائل أن هناك علم قائم وهو ما يعرف بتحقيق الأنساب، فهو يبقى اجتهادا تتناقله الأجيال، قد تعترضه العديد من الصعوبات، وتتحكم فيه خلفيات فكرية وسياسية، حيث يتحدث عدد من الباحثين عن إقصاء شريحة واسعة من الشرفاء في التاريخ، وهو ما حدث عند تداول السلاطين في المغرب خصوصا بين العلوييين والسعديين، وكيف أن بعض السلاطين عبر تاريخ المغرب، قاموا بجرد للشرفاء والنقباء، وتحكمت في ذلك درجات القرب آو البعد من إرادتهم..

لكن قبل ذلك هل هناك دم نبوي خالص، يتمتع به هؤلاء الشرفاء؟ أي هل هناك جنس سامي يحمله من تقترن أسماؤهم بسيدي ومولاي ولالة والشريف والشريفة؟ هل هناك مميزات جينية يتمتع بها هؤلاء الشرفاء عن باقي سلالة سيدنا آدم عليه السلام؟ أليس من ينسبون إلى الرسول الأعظم، هو الذي قال «كلكم من آدم وآدم من تراب؟ ولافضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى..؟ هي إذن إشكالات تطرح على خلفية الدورية المشتركة لوزارتي العدل والحريات والداخلية بشأن استعمال بطاقات خاصة بالشرفاء تحمل صورة للمنتسبين، مخططة باللونين الأحمر والأخضر، ومختومة ببعض الرموز المشابهة للبطائق المهنية المخصصة للموظفين العموميين، إذ يشرف بعضهم على تسليم هذه البطائق من أجل ابتزاز المواطنين، أو لحامليها الذين يحاولون استغلالها لقضاء أغراضهم الشخصية، وأصبحنا بين الحين والآخر نسمع ببلاغات الشرطة والدرك باعتقال بعض المشتبه فيهم نتيجة ابتزاز أو استغلال، حتى آصبح الانتساب إلى النبي عليه الصلاة والسلام بما يفرضه ذلك من نبل في الأخلاق والسمو في الدرجات والمكانة العالية، وسيلة من وسائل الاستغلال، وآصبح لقب «الشريف أو الشريفة»، عند البعض بمثابة «جواز مرور»، وتحول الشريف الذي يقابل مصلح النبيل في أوربا، والمتعفف والمتواضع إلى نصاب وكذاب ومستغل ومبتز، خصوصا وأن المغاربة من فرط حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، يقدرون ويبجلون المنتسبين إليه بعد مرور 12 قرنا، يلتمسون البركة منهم معتقدين أن بيدهم مفاتيح الخير والفلاح، بل منهم من يسقط في الشرك، وخصوصا في بعض الزوايا التي تدعي الانتساب للنسب الشريف، فترى التضرع لهم والتوسل إليهم لقضاء الحاجات، وهو المدخل الذي يلج منه أغلب هؤلاء «الشرفاء المزعومين»، فتراهم يحيطون أنفسهم بهالة قدسية من أجل إستدراج ذوي العقول الضعيفة، بل وإسقاط بعض مسؤولي الإدارات في شباكهم من أجل قضاء حوائجهم، وهو ما حذرت منه الدورية الوزارية المشتركة المذكورة، مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها، مما يعني أن الحذر واجب في التعامل مع أدعياء النسب الشريف، مادام أن القانون يطبق على الناس سواسية وإلا سنكون أمام طبقات اجتماعية تصنف الناس إلى شرفاء حقراء، أو ما يسميه القيادي عبد الهادي خيرات، بمجتمع الآسياد والعبيد.

عبد الله حافيظي السباعي الإدريسي، الأمين العام للرابطة العالمية للشرفاء الأدارسة وأبناء عمومتهم ومحبيهم

القانون الذي طبق على بطاقات الشرفاء يجب أن يطبق على بطاقات الجمعيات الأخرى

- أصدرت وزارتا الداخلية والعدل والحريات مؤخرا دورية في ما يخص استعمال بعض الأشخاص لرموز وطنية يدعون الانتساب للنبي صلى الله عليه وسلم، فما تعليقك على هذا الإجراء؟

+ لقد فوجئنا بصدور هذه الدورية المشتركة بين الوزارتين، في ما يخص استعمال بعض الأشخاص بطاقات تستعمل فيها الألوان والرموز الوطنية. فالمفارقة هو أن الحديث انصب فقط على جمعيات الشرفاء المنتسبين لآل البيت النبوي الشريف، في حين أن هناك عددا من هيئات المجتمع المدني تمنح لمنخرطيها بطاقات تحمل نفس الألوان، أي الخطين الأحمر والأخضر، وجمعيات الأشراف ليست استثناء من ظهير الحريات العامة، وينطبق على الجميع الاحتكام للقانون والتقيد به، وكل من ثبت أنه يستغل بطاقة الانخراط لأمور غير قانونية أو للابتزاز يطبق عليه القانون، سواء كانت الجمعية حزبية أو رياضية أو ثقافية أو حقوقية أو صحفية.. وألا يقتصر الأمر فقط على الشرفاء، لذا من واجب الجميع الانضباط لروح الدورية..

- عمليا كيف تدبرون في الرابطة العالمية للشرفاء بطاقات الانخراط؟

+ أولا، بطائقنا لا تحمل أيا من الرموز الوطنية، مع تسجيل اعتزازنا وافتخارنا بها، وكل من عبر عن رغبته في الانتساب لرابطتنا، عليه أن يدلي بما يثبت نسبه الشريف، فلابد له من تزكية من طرف أحد الشرفاء المعروفين ضمن دائرة نفوذه. وهناك طرق للتأكد من هذا الانتساب، وهذا علم قائم، أي علم الأنساب. ويتضمن طلب الانخراط التزاما من المعني بالأمر، بضرورة احترام القانونين الأساسي والداخلي للرابطة، مع أداء واجب الانخراط السنوي، وعدم استغلال بطاقة الرابطة لأي غرض غير قانوني، مع حفظ صلاحية المكتب في سحب البطاقة إذا ثبت أن حاملها يستغلها لأمور غير قانونية، حيث ينص القانون على أن الإقالة تأتي من بين أسبابها، الإخلال بمبادئ وأهداف الرابطة أو استغلال اسمها لأغراض شخصية أو سياسية أو نقابية أثناء تمثيلها في أي نشاط محلي أو وطني أو دولي. فهناك شفافية وصرامة في توزيع بطائق الانخراط التي لا تحمل اي امتياز لصاحبها من حيث الحقوق والواجبات، بقدر ماهي مسألة تنظيمية من أجل الاستفادة من خدمات الرابطة عبر تنظيم الرحلات لفائدة منخرطيها للأماكن المقدسة داخل وخارج المغرب، وغيرها من الأنشطة التي تشمل أيضا أسر الشرفاء كتعلم اللغات ومحو الأمية والتعليم الشرعي.. بل وهناك أنشطة وطنية نقوم بها من قبيل الدفاع عن الوحدة الترابية في المحافل التي نحضرها دوليا، وإصدار كتب تؤرخ لأنشطة الرابطة كالرحلات والتعارف بين الشرفاء في كل انحاء العالم...

- في نظرك، في ظل المغرب الحداثي والعمل المنظم، هل مازال منطقيا ارتكاز جمعيات على النسب الشريف؟

+ ظهير الحريات العامة واضح في حديثه عن طبيعة الجمعيات الممنوعة، وهو لا يشمل تأسيس جمعيات الشرفاء، ولا يمكن لأحد أن ينكر وجودهم ونسبهم الشريف. فصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، سليل الدوحة النبوية، وفضل آل البيت منصوص عليه في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.. «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى»... صدق الله العظيم... «إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا»... صدق الله العظيم. هذا من كتاب الله عز وجل، أما الأحاديث النبوية التي تنص صراحة على إكرام الشرفاء فلا تعد لا تحصى، لأن الشريف لا يكرمه إلا كريم ولا يقهره إلا لئيم... ولنا في أمير المؤمنين أسوة حسنة، فهو الذي أصلح ورمم ضريح جدنا مولاي إدريس بفاس بملايير الدراهم جزاه الله خيرا، كما يوزع من ماله الخاص هدايا كل سنة على الشرفاء والأولياء والصالحين، وهذا ما نفتخر به نحن الشرفاء في المغرب وتعتز به.

- لكن هناك نص واضح هو «كلكم من آدم وأدم من تراب»، هل هناك دم نبوي بعد 12 قرنا يجري في عروق البعض؟ ثم كيف يمكن إثبات هذا النسب بعد كل هذه القرون؟

+ شرف الانتساب لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحق لأي إنكاره طبقا لقوله عز وجل في محكم كتابه العظيم: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا»، وهناك آية أخرى: «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى». ونحن الأدارسة نفتخر بجدنا مولاي ادريس الأكبر، وبجدنا عبد الله الكامل المكنى بالمحظ، وهو جدنا الجامع مع الشرفاء العلويين أبناء محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل، أما مسألة إثبات النسب، فهناك مختصون بذلك يتوفرون على ما يعرف بمشجرات النسب الشريف، وذرية الرسول عليه السلام ليست كباقي الذريات، لأنه نزل فيها الكتاب الكريم..

ورابطتنا تتوفر على لجنة تحقيق الأنساب، يترأسها أمين تحقيق الأنساب لدى المكتب التنفيذي مولاي صالح بنيكار السباعي وعضوية الدكتور سبويه عبد الوهاب، ومولاي على الزاكي العلوي ومنير الشويكي، أحمد سالم ولد عبد الودود، ومولاي إدريس السباعي، ومدير مركز الرابطة مولاي عبد الله بهشام العلوي الخطاط العالمي المعروف، وتتكون من خيرة العلماء المختصين في علم الأنساب سواء داخل الوطن أو خارجه، وبدون استشارتها لا يحق للأمين العام التأشير أو اعتماد أو منح على أية مشجرة نسب.

- هل حصل أن ضبطتم حالة أو أكثر لحاملي بطائق الرابطة يقومون باستغلالها لأمور غير قانونية؟

+ القانون الأساسي كما قلت لك واضح، وعلى العموم فإن عناصر الأمن لها من الحنكة والذكاء لكشف أي أحد ينتسب أو يدعي الشرف أن يبتزهم أو يخالف القوانين المعمول بها، لأن من خالف القانون عليه أن يطبق في حقه القانون، سواء كان منتسبا للشرفاء أو غيرهم، وبطاقة انخراطه لا تشفع له مهما كان شكلها أو لونها أو حجمها، وكل من تضرر من هذه البطاقة عليه أن يتقدم بشكاية لدى المصالح الأمنية المختصة. فالناس سواسية أمام القانون، وما قيل عن بطاقات الشرفاء ينطبق على بطاقات جمعيات الصحافة والقضاء والصيادلة والمحامين والأساتذة الجامعيين والمعاقين.. فجل هؤلاء يضعون شارات على واجهات سياراتهم... يجب أن يسري القانون على الجميع. ونحن نطلب من الشرفاء المنخرطين في جمعيات وروابط الأشراف الامتثال للقانون وعدم التلاعب بالأنساب. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الداخل فينا بغير نسب والخارج منا بغير سبب»... والمغاربة سواسية جميعا أمام القانون...

رحال بوبريك، أستاذ الأنثروبولوجيا، جامعة محمد الخامس، الرباط

ليس هناك أي تضييق على الشرفاء بل هناك مراقبة لمن يدعي هذا الشرف

يشدد رحال بوبريك، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، على أن تبجيل آل البيت والاعتقاد ببركتهم والتقرب منهم كان حاضرا بقوة في المجتمع المغربي منذ القدم وأي طامح لمكانة سياسية أو دينية أو اقتصادية كان يعمل على توظيف النسب الشريف، وفيما يخص بطائق الشرفاء، قال االدكتور بوبريك أنه لو كانت هناك شفافية وضمان للمساواة في التعامل والنجاعة بدون وساطات لما لجأ هذا المواطن لأساليب مثل الرشوة أو استعمال بطائق الشرفاء للحصول على حقوقه

- كيف ارتبط مصطلح الشرفاء بتاريخ المغرب؟

+ قبل ذلك لابد من الرجوع لبداية تأسيس الدولة الإسلامية وما طرحته إشكالية الخلافة. فمباشرة بعد وفاة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، نشب نزاع حول من الأولى بخلافته صلى الله عليه وسلم، حيث تشبث أهل قريش بأن يكون خليفة المسلمين من آل البيت، في حين تشبث الأنصار بأنهم نصروا الدعوة الإسلامية وأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وكان الانتصار في الأخير، بأن تظل لدى قريش ولو أن الخطاب المعلن أن خليفة الرسول الذي اختير أبو بكر، وهو من أوائل الصحابة الذين أعلنوا إسلامهم مبكرا، وأن اختياره تم من هذا المنطلق. قريشية الخلافة امتدت حتى آخر الخلفاء علي واستمرت مع الدولة الأموية والدولة العباسية بعد ذلك. من هنا يبرز الجانب السلالي أو القبلي في تأطير الجانب السياسي والديني. فكل الإشكالات من الإرث إلى زعامة القبيلة تتم على أساس قرابة أو سلالة. فالقرابة هي المحدد لكل أشكال الزعامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات العربية. وطبيعي أن يتأثر الدين بهذا المعطى، وكل المراحل التي تلت الخلافة الراشدة ظلت تحتكم سواء لقربها من آل البيت، أو لأنها قرشية الأصل..

في المغرب نفس الشكل، عندما استقبلت قبيلة أَوْرَبا المولى إدريس، كان على أساس أنه من آل البيت الشريف، لكن دون إيديولوجية الإمامة كما كان عليه الشيعة، ودون الدخول في مذهبية الأدارسة. ظل هذا المعطى، أي القرب من البيت النبوي حاضرا في المغرب، حيث انتشر أبناء المولى إدريس الأصغر في مختلف جهات المغرب باعتبارهم خلفاء له، وأصبحوا يتبنون نسبهم الشريف أكثر من سلطتهم السياسية. بعد نهاية دولة الأدارسة لم يكن للنسب الشريف دور في شرعنة حكمهم. فالمرابطون ارتكزوا في بناء دولتهم على خطاب إصلاحي ديني بقيادة عبد الله بن ياسين مع عصبية قبلية صنهاجية قادمة من الصحراء، نفس الأمر كان عند الموحدين، وكان المؤسس ابن تومرت رجل دين، أيضا بالنسبة للمرينيين لم يتبنوا قرشية نسبهم، لكن في عهدهم، برزت ظاهرة الشرفاء، وبرز أهل الشرف مع أحياء زيارة قبر مولاي ادريس والطقوس التي ارتبطت بهم، ولم يعد الأدارسة هم الشرفاء الوحيدين بل انضاف إليهم شرفاء وصلوا متأخرين زمنيا للمغرب كالسعديين والعلويين والصقليين. وفي هذه الفترة أصبح للشرفاء دور هام ونفوذ في المجتمع وتم إحياء عيد المولد النبوي.

في القرن 15 سيظهر معطى آخر مرتبط بالسلالة النبوية الشريفة، من خلال ظهور الزوايا والطرق الدينية، وأصبح لزاما على كل شيخ طريقة أن يتبنى نسبا شريفا كي يكتسب قوة روحية ويكتمل طموحه نحو الولاية الصوفية ويضمن الاعتراف ببركته المستمدة من الشرف كعامل وراثي والورع الصوفي كمسار روحاني مكتسب. فتبجيل آل البيت والاعتقاد ببركتهم والتقرب منهم كان حاضرا بقوة في المجتمع المغربي وأي طامح لمكانة سياسية أو دينية سيعمل على توظيف النسب الشريف.

- هل كل هؤلاء الشرفاء من المولى إدريس؟

+ ليس بالضرورة، المهم أن يثبت نسبهم للنبي عليه السلام عن طريق ابنته فاطمة الزهراء عبر الحسن والحسين، وظل مزوار الشرفاء ضمن حاشية السلطان المريني يحظى بالتوقير والاحترام، وله نفوذ قوي. ويحكي صاحب نيل الابتهاج أن الفقيه المقري، في زيارة للسلطان المريني أبي عنان كان يرفض أن يقف لمزوار الشرفاء كما كان يقوم له السلطان وحاشيته حين يدخل على مجلس السلطان ونظر المزوار إلى المقري، فقال له: «أيها الفقيه لماذا لا تقوم كما يفعل، نصره الله، وأهل مجلسه إكراما لجدي وشرفي، ومن أنت حتى لا تقوم لي، فنظر المقري فقال له: أما شرفي فمحقق بالعلم الذي أنا أنشره، ولا يرتاب فيه أحد، وأما شرفك فمظنون، ومن لنا بصحته منذ أزيد من سبعمائة عام، ولو قطعنا بشرفك لأقمنا هذا من هنا، وأشار إلى السلطان أبي عنان، وأجلسناك مجلسه، فسكت المزوار». هذه الرواية تعكس المكانة التي كان يحظى بها الشرفاء في قلب السلطة، ولكن أيضا الصراع الذي بدأ بين العلماء والشرفاء. بل إن هذا النفوذ الذي أصبح للشرفاء دفع بعض السلاطين لإحصاء الشرفاء مع تكاثر مدعيي الشرف.

- يعني أن هذا الانتماء لآل البيت ظل حاضرا في تاريخ من حكموا المغرب عبر التاريخ، لكن كيف كان يتم القضاء على حكم مقابل حكم آخر؟

+ مع السعديين، لم تكن هناك عصبية قبلية مثلما هو الحال مع الدولة الوطاسية، (المرابطين والموحدين والمرينيين)، قدموا أنفسهم شرفاء، ويتمتعون بشرعية دينية، نفس الأمر بالنسبة للعلويين (رغم ارتباطهم بتافيلالت)، على أساس أن يكون السلطان قرشيا من آل البيت، وكي يثبت العلويون في إطار صراعهم مع السعديين أنهم غير شرفاء، سيدفع مؤرخي الدولة العلوية بكونهم ينحدرون من السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم وليس آل البيت. طبعا كان الشرف سلاحا أيضا، وسيلة للتدافع بين هؤلاء وهؤلاء. وكان هناك سجال طيلة قرون بين المؤرخين والعلماء وحتى العامة حول إثبات الشرف أو الطعن في النسب.

وخلص ابن خلدون إلى استنتاج، هو التعبير الانثروبولوجي لمفهوم النسب، عندما قال: «النسب أمر وهمي لا حقيقة له ونفعه إنما هو في هذه الوصلة والالتحام»، بمعنى أنه كيف يمكن إثبات النسب بيولوجيا، وكيف تثبت أن جدك الرابع ينحدر من السلالة النبوية. يظل الانتماء للشرف له وظيفة اجتماعية وسياسية آنية. فالقرابة عموما ليست معطى بيولوجيا، بل هي رابطة وبناء اجتماعي وثقافي، لصعوبة إثبات شجرة النسب علميا خاصة على مدى قرون. لذا فالأنثربولوجي حين يعالج شجرة النسب لا يراعي هل حقيقية أو وهمية بل وظيفة تلك الشجرة اجتماعيا وسياسيا من طرف الفاعل الاجتماعي الذي انتجها أي أن وظيفتها هي إضفاء الشرعية على فعل ما.

- كيف استمر العمل بهذا المعطى في الدولة المغربية الحديثة؟

+ الدولة المغربية، تسير بسرعتين، سرعة حداثية وسرعة تقليدانية. فالسلطة الملكية حداثية لكن النسب النبوي مستحضر في شرعيتها، وفي ظل تشجيع التعددية الحزبية وجمعيات المجتمع المدني، هناك تشجيع للزوايا والطرق المستندة على الانتساب النبوي. وهنا نستحضر كيف أن الزاوية البودشيشية أبعدت الراحل عبد السلام ياسين لأن بنية الخلافة في هذه الزاوية اعتمدت القرابة الأسرية للحفاظ على النسب الشريف للزاوية. وعموما المجتمع المغربي هو مزيج بين الحداثة والتقاليد، وأستحضر تعريف السوسيولوجي المغربي «بول باسكون» في تعريفه للمجتمع المغربي بالمجتمع المركب أو المزيج، من خلال وضعية فلاح يستيقظ صباحا ويتضرع لله عز وجل أن يحظى ملفه بالقبول لدى مؤسسة بنكية، وكيف أن زوجته تقوم ببعض الممارسات من قبيل «البخور والجاوي»، وفي نفس الوقت يضع آخر اللمسات على ملفه الذي سيقدمه لمدير المؤسسة البنكية، ليستقل دراجته النارية التي تحمل خلفها «شواري» بداخله دجاجتين يريد تقديمهما هدية لمدير البنك.. بمعنى أنه يوظف جميع السبل الإدارية والتقليدية والدينية من أجل قبول ملفه، وهذا هو المجتمع المغربي، هناك أنشطة ثقافية نجد ضمن فقراتها الأساسية الذبيحة، ويحضرها ممثل السلطة، وهناك هبات ملكية تمنح لبعض الزوايا، يعني أن الدولة عصرية الشكل لكن بنياتها تقليدية..

- كيف تفسر دورية وزارتي الداخلية والعدل والحريات بخصوص ما اعتبره البعض حربا ضد الشرفاء؟

+ ليس هناك أي حرب أو تضييق على الشرفاء، كل ما في الأمر أن هناك مراقبة لمدعي هذا الشرف من خلال استعمالهم للرموز الوطنية والصور الملكية. لكن الأكيد أن من يلجؤون لبعض أشكال الابتزاز أو من أجل تسهيل مهامهم أمام السلطات، ليسوا في قوة اجتماعية تكفل لهم الولوج للخدمات.. وباستحضار ما سلف فإن المواطن المغربي براغماتي، فهو مثل ذلك الفلاح، يوظف كل الإمكانات والوسائل من أجل قضاء أغراضه، فهو عند ارتكابه لمخالفة مرورية يقدم أوراق السيارة رفقة بطاقة الشرفاء، وقد يضع بين طيات ذلك أوراقا مالية، ومع ذلك يستعطف رجل المراقبة، من أجل غض الطرف. وقس على ذلك من يقدم طلب الشغل، فهو يستعمل كل الوسائل من أجل تحقيق أهدافه وقضاء حوائجه. وقد لا يكون الانتساب لآل البيت، هو الوحيد من أجل قضاء الأغراض.

المواطن المغربي يعرف أن هناك قانونا، ولكن هناك دائما فرصة للتهرب منه لتحقيق مبتغاه، كما يعرف أن له حقوقا ولكنه لا يتمتع بها. في الإدارة مثلا لو كانت هناك شفافية وضمان للمساواة في التعامل والنجاعة بدون وساطات لما لجأ هذا المواطن لأساليب مثل الرشوة أو استعمال بطائق الشرفاء للحصول على حقوقه. المواطن المغربي مثلا في بلد أوربي لا يقدم رشوة ولا يستخدم بطائق مثل بطائق الشرفاء للإدارة، لأنه يعرف أنه سيتم التعامل معه كمواطن حسب حقوقه وواجباته بدون تمييز، ولكن نفس المواطن حين يعود للمغرب في عطلته السنوية يتغير سلوكه فنجده يحاول توظيف علاقاته وماله وبطائقه من أجل الحصول على امتيازات أو التهرب من الواجبات. فمنذ جمارك الحدود يبدأ مسلسل المساومات والتفاوض على كل كبيرة وصغيرة، وهو سلوك لا يتبناه في بلده بالمهجر لأن في هذا البلد قواعد التعامل الإداري أو غيره واضحة ومحددة بقانون يحترم ويطبق على الجميع، أما في بلده الأم المغرب فهو يعرف أن القواعد ضبابية على أرض الواقع والتطبيق.

تحقيب الشرفاء بالمغرب حسب المؤرخ عبد الهادي التازي

يتحدث المؤرخ عبد الهادي التازي، عن الأنساب في المغرب، إذ أن أول قادم على المغرب، من ذرية الإمام علي بن أبي طالب، هو المولى ادريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وفاطمة الزهراء بنت الرسول عليه الصلاة والسلام..

ويتحدث المؤرخ التازي بأن هناك خمس فصائل أساسية من الشرفاء:

الأولى: الأدارسة بمن فيهم الجوطيون بجميع فِرَقهم، ومن فيهم من غير الجوطيين وهم كثير…

الثانية: المحمديون وهم العلويون الواردون من ينبع والذين يوجدون اليوم ومنذ أكثر من خمسة قرون على رأس الحكم بالمغرب..

الثالثة: الموسويون ويندرج فيهم القادريون نسبة لعبد القادر الجيلاني …

الرابعة: العريضيون، ويشملون الأشراف الحسينين من صقليين وبني عمهم.

الخامسة: الكاظميون وهم الأشراف المنعوتون بالعراقيين…

وهي فصائل توثق الأسر الشريفة الموجودة في المغرب، معتبرا أن عدد العائلات التي تحمل هذه الصفة تفوق الحصر، ذلك أن تعاقب الأزمان وهجرة الناس من مكان إلى مكان غيَّر معالم الأسماء في كثير من الاحيان، فقد نجد أسراً عربيةً ناشئةً بين أسر أمازيغية، وقد نجد أسراً أمازيغية معروفة نشأت بين أسر عربية… وهو ـ يقول المؤرخ التازي ـ ما يفسر حرص المواطنين المغاربة على توثيق أنسابهم وتشهيرها، ولم يكن غريباً علينا أن نجد عشرات الكتب والمقيدات التي تهتم بأمر الأنساب عبر الأزمان..

ولأن الزواج المختلط من شأنه أن «يضيع» النسب الشريف، فقد ذكر التازي، أنه عند تصاهر الأشراف مع بعضهم البعض، «يحرصون على ذكر شجرة الشريف منهم في صلب عقد الصداق بحيث نجد أن الزوج الذي ينتسب للدوحة الشريفة يحرص على ذكر والده وجده، إلى أن يصل إلى الإمام علي وزوجته السيدة فاطمة الزهراء، وهكذا كان الأمر بالنسبة للزوجة الشريفة التي تحرص على أن يذكر أسلافها واحداً واحداً إلى مولانا علي ومولاتنا فاطمة…»

ويضيف الدكتور التازي أن «السلطان المريني أبا الحسن علي بن السلطان أبي سعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، واسطة عقد الدولة المرينية المتوفى عام 1350 ميلادية قام بعملية جرد لجميع الشرفاء القرباء والبعداء، وكلف قاضي الحضرة الفاسية أبا سالم ابراهيم بن أبي زيد بجرد الأنساب والأحساب والأعيان في البلاد، وقد أتى بعد السلطان أبي الحسن ابنه السلطان أبو سالم بن أبي الحسن، وقام بدوره بتفقد الأشراف وجمع شملهم وتعهدهم بالصلات، بل وجعل عليهم نقيباً يحمي حقوقهم ويرعى منزلهم، وكان هذا النقيب هو أبو عبد الله بن محمد.

ولأن الرسول عليه السلام، لم يخلف ولدا ذكرا، فإن جميع الأشراف ينحدرون من ابنته السيدة فاطمة الزهراء وزوجها سيدنا علي بن أبي طالب وابنيهما الحسن والحسين، ومرجعهما إلى اثني عشر سبطاً: ستة من سيدنا الحسن وستة من سيدنا الحسين، فالحسنيون: واحد منهم من الحسن بن زيد بن الحسن السبط، وخمسة من الحسن المثنى، وهم عبد الله الكامل، وابراهيم، والحسن المثلث، وجعفر، وداوود.

والحسينيون كلهم من ابناء علي زين العابدين بن الحسين السبط، وهم محمد الباقر، وعبد الله، وزيد الشهيد، وعلي والحسين وعمر.

بطاقة الشرفاء لتجار ومهربي المخدرات

في الوقت الذي يدافع فيه مسؤولو جمعيات وروابط الشرفاء، عن أنفسهم، وينفون بشدة اتجارهم في منح بطائق الشرفاء، فإن مصادر «الوطن الآن» أكدت أن بعضهم يحرر وثائق الانتساب إلى الشرفاء لبعض تجار ومهربي المخدرات بمبالغ تتراوح ما بين ألفين و3 آلاف درهم، وغير ما مرة ضبطت عناصر الأمن بعضهم يقوم بعمليات نصب واحتيال من خلال بيع البطاقات اوتزوير شواهد الانتساب.. ومنها حالة أحدهم عندما أقدم على ابتكار هدية نحاسية نقش عليها صورة الملك محمد السادس وولي عهده، ليستخدمها من أجل جمع مبالغ خيالية بحجة أن الملك سيقوم باستقبال أعضاء رابطته، ومن يريد أن يكون في اللائحة، عليه أداء مبلغ 2000 درهم مساهمة منه في الهدية التي سيتم تقديمها للملك، وفي ظرف شهر استطاع جمع عشرات الآلاف من الدراهم.

عبد الهادي خيرات، نائب برلماني

سيدي ومولاي ولالة، أسماء تحيل على العبودية

نفى عبد الهادي خيرات، النائب البرلماني عن الفريق الاتحادي أي تفعيل للدورية المشتركة بين وزارتي الداخلية والعدل والحريات فيما يخص التصدي لمستعملي البطائق المخططة باللونين الآحمر والآخضر ولرموز المملكة، وأكد في اتصال هاتفي مع «الوطن الآن»، أن السلطات المحلية بسطات وبالضبط في جماعة مزورة، لم تحرك ساكنا أمام استعمال بعض الأشخاص الذين يدعون أنهم شرفاء، لهذه البطائق خلال تنقلاتهم ضمن قافلة طبية بالمنطقة، وأنه رغم الشكايات الموجهة ضد هؤلاء، ظلوا يتحركون بشكل عادي مستغلين رمزية بطائقهم».

وحول مقترح قانون تقدم به خيرات رفقة الراحل أحمد الزايدي يرمي إلى منع تسجيل الأسماء المقترنة بألقاب الشرفاء من قبيل: سيدي ومولاي ولالة والشريف والشريفة.. أكد خيرات أن سلوك الحكومة والأغلبية البرلمانية غير مفهوم، ففي الوقت الذي تمكن فيه الفريق الاتحادي من طرح الموضوع في جلسة عمومية رغم معارضة الأغلبية البرلمانية مناقشته داخل لجنة الداخلية، غاب وزير الداخلية عن المناقشة، وطلبت الحكومة إرجاع مقترح القانون للجنة المختصة قصد تعميق النقاش فيه من جديد، مما جعل الأغلبية تسير نحو إسقاط هذا المقترح، بالقول أن هذه الأسماء أو الألقاب لم يعد لها حضور في المجتمع المغربي وفي المعيش اليومي، وأن الأسماء الشريفة لم تعد تعطي امتيازات كما كان في السابق، حين كان يتم استغلالها من قبل البعض في ولوج المباريات والحصول على المناصب في مؤسسات الدولة..

وحول فلسفة وسياق هذا مقترح القانون المقدم نهاية شتنبر 2014، أكد خيرات أن دستور فاتح يوليوز 2011، عرفا تقدما من حيث عدد من النصوص، «فالملك رفع القداسة عن نفسه بطواعية وتلقائية، وأزيلت صفة شريف عن الظهائر الملكية»، معتبرا أن استمرار تسجيل سيدي ومولاي ولالة والشريف والشريفة في الوثائق الرسمية مؤشر على استمرار طبقة العبيد في الوطن، «فآن ينادي الناس شخصا بسيدي ومولاي.. هذا شغلهم، لكن كيف سيكون عليه الوضع إذا كان طرفان يتنازعان قضائيا آو إداريا، ينادي القاضي على أحدهما، مثلا، بسيدي مولاي أحمد، والآخر احميدة، نفسيا سيكون القاضي تحت التآثير المعنوي، وهو ما يستوجب القضاء على كل مظاهر العبودية ولو من حيث التميز بأسماء من هذا القبيل».

يذكر أن الفقرة الثانية من المادة 20 من قانون الحالة المدنية الصادر يوم 7 نونبر 2002، ينص على مايلي: «إذا كان الاسم العائلي المختار اسما شريفا وجب إثباته بشهادة يسلمها نقيب الشرفاء المختص، أو شهادة عدلية لفيفية إذا لم يوجد للشرفاء المنتمي لهم طالب الاسم نقيب».

نص البلاغ المشترك الصـادر عـن وزارتي الداخلية والعـدل والحـريات بتاريخ 11 فبراير 2015

«لوحظ أن بعض الهيآت والأشخاص يلجؤون إلى طبع وتوزيع بطائق تحت تسمية «بطاقة خاصة بالشرفاء» تحمل صورة للمنتسبين، مخططة باللونين الأحمر والأخضر، ومختومة ببعض الرموز المشابهة للبطائق المهنية المخصصة للموظفين العموميين.

ونظرا لعدم مشروعية هذه التصرفات ومخالفتها للقانون، فقد أعطيت تعليمات في هذا الشأن للسيدات والسادة الولاة والعمال والوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك قصد التصدي لمرتكبي هذه الأفعال، سواء منهم الذين يشرفون على تسليم هذه البطائق من أجل ابتزاز المواطنين، أو لحامليها الذين يحاولون استغلالها لقضاء أغراضهم الشخصية.

وسيتم تقديم كل من يثبت تورطهم في هذه الممارسات للعدالة، لاتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة في حقهم»