بدأت اسرائيل عدوانا جديدا على قطاع غزة، بعد أن رفضت استمرار وقف إطلاق النار، وكل المؤشرات تشير إلى أن هذا العدوان سيستمر، في غياب جبهة الإسناد التي أصيبت بضربة قاتلة، وفي مقدمتها جبهة حزب الله، بعد أن تم تحييده لدرجة لم يستطع حتى الرد على الضربات الإسرائيلية المتعددة في جنوب لبنان.
ومازالت حماس تحتجز نحو خمسين مخطوفًا إسرائيليًا، ويُرجَّح مصرع نصفهم، فيما بلغت تكلفة استمرار احتجازهم 50.000 قتيل غزّاوي، و 180.000 جريح، من بينهم -على سبيل المثال - 17.000 شابة وطفلة دون سن 22 عامًا بُترت أطرافهن، و 15.000 طفل لا يتجاوز عمرهم خمس سنوات مبتورو الأطراف، بالإضافة إلى الضحايا الجدد في العدوان الحالي ، إلى جانب ذلك، هناك أكثر من 15.000 مفقود، و العدد سيزداد مع مرور أيام العدوان الجديد والمتجدد.
بعد هذا الدمار الذي حل بقطاع غزة وبجبهة الإسناد أو ما كان يعرف بمحور المقاومة، بعد القضاء على زعيم حزب الله وقيادة الصف الأول و هروب إيران من المعركة و تخليها عن ذراعها الاستراتيجي / حزب الله و ترك حليفها الأساسي/ النظام السوري لمصيره، الذي كانت نهايته السقوط المدوي وغير المفهوم، و تحجيم الحشد الشعبي في العراق، و بعد كل الفظائع التي حصلت ومازالت تحصل في قطاع غزة.
ألم يحن الوقت، لوضع ما وقع في 7 أكتوبر تحت المجهر ؟!
- كيف لأربعة (السنوار، الضيف ..) أشخاص أن يقرروا خوض حرب دون الاستشارة حتى مع المكتب السياسي لحماس نفسها، فما بالكم بمحور المقاومة، الذي وجد نفسه أمام الأمر الواقع، وهو دعم هجوم السابع من أكتوبر دون نقاش والذي كان من مخلفاته كل هذه الخسائر الغير مسبوقة في البشر والشجر والحجر؟
- ألم يصبح الوضع بالنسبة للشعب الفلسطيني ومحور المقاومة بالأسوأ مقارنة عما كان عليه قبل ما سمي بطوفان الأقصى، والطوفان من طبيعته لا يميز بين صديق أو عدو ؟
- ألم تقلع قيادة حماس عن غرورها و الاعتراف بالهزيمة، لإنقاذ ما يمكن انقاذه ؟
- ألا تكف قناة الجزيرة وأبواقها عن صب الزيت في الحرب والخاسر الأكبر هو الحلقة الضعيفة المتمثلة في الجانب الفلسطيني الذي تكالب عليه العالم ومنذ النكبة الأولى؟
لنرجع إلى ما قالها محللو الجزيرة الاخوانيين ومازالوا من عنترية فارغة ومن هم المدعو سعيد زياد.
قال هذا المحلل الإسلاموي الفلسطيني في قناة "الجزيرة"، سعيد زياد:
" إن الفلسطينيين لا خيار لهم سوى "القتال بلحم أطفالهم"؛
لكن في تدوينة سابقة له على حسابه في منصة "إكس" كتب: "هنيئًا لمن يُحشرون من بطون الوحوش"، في تمجيدٍ للقتلى الذين تُركت جثثهم في العراء فاقتاتت عليها الحيوانات، بعد تداول مقاطع مصورة تُظهر جثث غزّاويين مُلقاة على جوانب الطرق بينما تلتهمها الكلاب.
استشهد سعيد زياد بمقولة نسبها إلى نبي الإسلام لتمجيد هذا المشهد، حيث كتب:
"ولِفرط انشغالي بالأمر، تذكرت مقولة النبي عند جثمان حمزة يوم أُحد، عندما قال باكيًا: 'لولا أن تجد صفية في نفسها، لتركته حتى تأكله السباع والطيور الجارحة، حتى يُحشر يوم القيامة من بطونها'"؛
لنتمعن ونقرأ ما قاله بعض قادة حماس:
وصف خالد مشعل قتلى حرب غزة بأنهم "خسائر تكتيكية"؛
صرح أسامة حمدان :
"الخسائر تُعتبر حين تصيب المقاتلين، وليس المدنيين"؛
وقال غازي حمد:
"الشعوب ورقة ضغط، حتى لو مات منها عشرون ألفًا"؛
إسماعيل هنية:
"نحتاج إلى دمائكم لتوقظ فينا روح العناد"؛
صرح العروري:
"المدنيون هم المسؤولون عن أخطاء 7 أكتوبر" (رغم أنه في ذلك اليوم قال: "الآن كسرنا الجدار، ومن لديه ثأر في إسرائيل فليدخل لجبايته")،
يحيى السنوار:
"سنُحارب حتى آخر طفل لتعيش أفكارنا"؛
باسم نعيم:
"من يفقد بيته في غزة، سيأخذ بيتًا أفضل منه في الجنة"؛
أثارت هذه التصريحات حفيظة النخب والأقلام الحرة، بما في ذلك تلك المقيمة في غزة، التي استحضرت بدورها مواقف قادة حماس المستهترة بدماء الفلسطينيين. وقد أدى ذلك إلى خروج سرديات من غزة منفلتة من رقابة الحركة، مما دفع حماس إلى إصدار بيان تهديدي وصفت فيه منتقديها بأنهم "عملاء لإسرائيل"، بدلًا من ممارسة النقد الذاتي.
ألم يحن الوقت بعد، للأفكار الحرة الجريئة لتعبر عن رأيها ولتقول كفا من استبلاد واستغباء العقول وترويج سرديات قناة الجزيرة وكل الذين لهم ميول انتحارية في معالجة قضايا مصيرية، تقتضي الحكمة والواقعية بعيدا عن العنتريات الفارغة، ألم يقل الآخر عن هؤلاء بأنهم ظاهرة صوتية فقط، منذ عبد الناصر إلى اليوم؟
الوضع تغير، قبل 7 أكتوبر كان مجرد خطاب لزعيم حزب الله ، يجعل الكيان المحتل يقف على رجل ونصف، أما بعد تداعيات هجوم 7 من أكتوبر، فإن حزب الله نفسه لا يستطيع حتى رد الاعتداءات عليه في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية وفي البقاع وهجوم الجولاني في الحدود اللبنانية - السورية .
المقاومة التي لا تستطيع حماية شعبها، من الأفضل لها تغيير استراتيجيتها في وضع فيه ميزان القوى لا يميل لصالحها ولو كانت قضيتها عادلة، لأن الحرب تتطلب التدبير العقلاني والقوة والموارد المالية والعمق الاستراتيجي وحماس تعرف أن الحرب خدعة.
لابد لحماس من القيام بتقديم نقد ذاتي حقيقي يغلب مصلحة الشعب الفلسطيني على مصلحة فصيل منه فقط.
إن مشروع الرئيس ترامب لترحيل سكان قطاع غزة ليس كلام في الهواء، بل هو بالون اختبار، من أجل تطوير وسائل الترحيل فقط، وليس تراجعا عن المشروع، فقد صرح وزير خارجية إسرائيل أنه منكب على تهييء الظروف لمشروع فيما أسماه بالمغادرة الطوعية لسكان قطاع غزة.
على سبيل الختم :
شكل طرد المحتل من جنوب لبنان سنة 2000 بدون عقد أي اتفاق وبدون شرط أمرا غير مسبوق في الصراع العربي الصهيوني، ما شجع حزب الله على اختطاف جنوب صهاينة، فاندلعت حرب 2006 ، الذي خرج منها حزب الله وقد أسس لقواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل، تنبني على توازن الرعب، هذا المعطى جعل الجانب الصهيوني يعد العدة بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي العهدة الأولى للرئيس ترامب بدأت خطة تدمير محور المقاومة باغتيال قاسم سليمان في العراق، وهو على رأس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ، وبعدها تم اغتيال الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيه على متن طائرة هليكوبتر، وفي الضاحية الجنوبية لبيروت( معقل حزب الله) تم اغتيال صالح العروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، هذا الأخير تم اغتياله في قلب العاصمة طهران، ولمكان اغتيال دالة، وكان الأخطر لما انخرط حزب الله في إسناد قطاع غزة، وما تلاه من تفجير " البايجر " وأجهزة الهواتف اللاسلكية في وجه الآلاف من نخبة حزب الله في ثوان معدودة، وكان الهجوم الأخطر يتمثل في اغتيال زعيم الحزب حسن نصر الله وقيادة الصف الأول من الحزب، ولم يكن الأمر يتعلق باختراق تقني فقط بل هناك اختراق بشري.
ما الذي سرع بضرب محور المقاومة؟
الجواب واضح: هجوم 7 أكتوبر أعطى لإسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الاستعماري كل الذرائع، من أجل التسريع بإنهاء تهديد محور المقاومة، وهو ما حصل على أرض الواقع .
عبد العزيز بلحسن، متتبع للقضية الفلسطينية