تمثل الأقراص الطبية المهلوسة (القرقوبي)، أحد أهم الأسلحة الفتاكة التي ظل العسكر الجزائري يوجهها إلى جيرانه، وعلى رأسهم المغرب، حيث يتكرر ظهور المهلوسات في فضاء الجوار بكامله، وتتكرر معه ضرورة مواجهة هذه الخدمة الحربية القاتلة التي تفيد التقارير الأمنية أنها "تُصنع" في مختبرات تشرف عليها بشكل لصيق الاستخبارات العسكرية الجزائرية.
هذا الوضع لم يترك خيارا آخر أمام الأجهزة الأمنية المغربية سوى مواجهته بالجدية واليقظة اللازمتين. فقد تمكنت مصالح الشرطة بمدينة وجدة، قبل أيام فقط (28 فبراير 2025)، من حجز كمية كبيرة من الأقراص الطبية المهلوسة وأخرى تستعمل لأغراض الإجهاض غير القانوني، وهي العملية التي تترجم استمرار المواجهة اليومية في نوع من الانسياب الذي يجعل من فرضية «حرب المهلوسات» أمرا غير قابل للجدل، خاصة أن الكل يعلم بأن أقراص القرقوبي سلعة مهربة من الجزائر، ويعرف الكل أن الحدود الشرقية هي المصدر الأول لهذا الزحف الخطير، مما يطرح علينا الكثير من الأسئلة: من يسهل لمهربي القرقوبي عمليات العبور من التراب الجزائري؟ وما السر وراء الارتفاع المضطرد الذي تعرفه عمليات حجز الأقراص المهلوسة القادمة من الجزائر «فردوس كارتيلات القرقوبي»، خلال السنوات الأخيرة؛ وهي أقراص، كما تشير إلى ذلك التقارير، من كل الأصناف: «ريفوتريل، فاليوم، الإكستازي، موتيلون، بيتيلون، زاديكا، روش، إيبنوزيدون، كلونوبان،.. إلخ»؟
لقد ظلت الحدود الشرقية للمغرب، منذ سنوات طويلة، المنفذ الأساس الذي يستهدفه الممونون الرئيسيون المدعومون من الاستخبارات الجزائرية، بتعاون مع الوسطاء والموزعين بالجملة، لإنجاح خطة إغراق التراب المغربي بالمهلوسات، والتأثير سلبا على صحة المواطنين المغاربة، وإنهاك نظام حياتهم، وتوريطهم في فوضى عقلية وإجرامية، للدفع بهم في نهاية المطاف نحو التراخي والاستسلام، وأيضا لتسهيل عملية اختراقهم والانقضاض على ترابهم وتحقيق الهيمنة الإقليمية، وذلك في جهد حربي شامل يتجاوز النزاع السياسي والعسكري ليهم البعد الصحي والاجتماعي، مما يشي بأن «قصر المرادية» يراهن على عنف منفلت من كل تأطير قانوني وأخلاقي.
هكذا، إذن، توفر الاستخبارات الجزائرية، في إطار فهمها للحرب الشاملة، كميات كبيرة تقدر بالملايين من أقراص القرقوبي المنتجة في وحدات مملوكة لعناصر تدور في فلك العسكر الجزائري، من أجل تسربيها إلى المغرب عبر الشريط الحدودي، بغض الطرف عن المهربين والمتاجرين طالما أن «الأقراص الحربية» موجهة للأسواق المغربية، وطالما أنها ليست فقط مجرد قصف هامشي عابر على الحدود، بل «ضربة فتاكة» لا يمكن لأي اعتراض صاروخي أن يوقفها. فمند بداية التسعينات لجأت الاستخبارات الجزائرية، إلى وضع عشرات من مختبرات الأدوية أهمها مجمع «صيدال»، الذي تم تأسيسه سنة 1982، تحت تصرف المؤسسة العسكرية والسماح للجيش بإدارتها اقتصاديا و مراقبتها، بل أصبح الجيش هو المكلف بصناعة الأدوية، مما يعزز فرضية أن هذا المجمع أحدث لتحقيق الإرضاء الكلي للزبون «الجيش» من أجل تنويع تشكيلة الأقراص المهلوسة التي يتم تصنيعها أساسا لأغراض حربية مدروسة، وعلى رأسها ضمان استمرارية الإمداد وضمان وصوله إلى الأسواق المغربية بكل الطرق غير المشروعة، ويتم ذلك في «وحدة الدار البيضاء» و«وحدة عنابة» التابعتين لفرع «فارمال»، وهو أحد الفروع الثلاثة المكونة لمجمع صيدال.
وحسب بعض التقارير، فإن اهتمام العسكر بمجمع «صيدال» بدأ سنة 1997 حين تم تحویل كل رأسمال المؤسسة إلى ملكیة «الشركة القابضة للصیدلة والكیمیاء»، الأمر الذي أدى إلى تحویلها إلى مجمع صناعي تتركز كل جهوده ظاهريا في مجال الطب الإنساني والبیطري، غير أن الوقائع تثبت بما لا يدع أي مجال للشك أن هذا المجمع أنشئ لتنفيذ مخطط جهنمي قذر ضد الشباب المغربي، وضد الصحة العقلية والنفسية للمغاربة. بل إن عسكر الكراغلة دخل في منافسة محمومة مع «مافيات» المخدرات من أجل نشر سمومه في الجوار في «حرب ممنهجة بأهداف واضحة وهي ضرب أمن واستقرار المغرب» الذي يعتبره حكام الجزائر بصريح العبارة «عدوا يجب القضاء عليه».
صناعة القروقوبي في الجزائر، حسب ما نقلته مجموعة من التقارير (انظر المؤطر في الصفحة …..)، شهدت في السنوات الأخيرة، تطورا كبيرا من حيث ارتفاع مستوى الإنتاج، وأيضا من حيث تنوع «الأقراص المهلوسة» وتتبع حركيتها وتوسيع خريطة البيع، وذلك لتحقيق مزايا تنافسية وعناصر تفوق على المنافسين «المافيات». ويرتكز عمل العسكر على صياغة استراتيجيات «دفاعية» عن الأسواق، وتحليل البيئة الداخلية والخارجية، وتوجيه قرارات المجمع «الدوائي» في ضوء قياس نقاط قوة «المحيط الزبوني» ونقاط ضعفه، واكتشاف أهم الفرص لاقتناصها وتوسيعها، وتوزيع «الحصص السوقية» والتحكم في أسعارها.
ولا تقتصر استراتيجية إغراق الأسواق المغربية بالمهلوسات على الإنتاج والإمداد، بل أيضا تنهض على عقد تحالفات وشراكات مع الشركات الدوائية الأخرى من أجل السيطرة على جزء كبير من سوق العالمية لحبوب الهلوسة بنسبة تناهز 70%، كما حددتها بعض التقارير. وهو ما دفع جنرالات العسكر إلى تسريع وتيرة الإنتاج من أجل مواكبة السوق العالمية، بل المراهنة على الرفع من إنتاج الحبوب شديدة التأثير، مثل «الأمفيتامين» و«الإكستازي» التي انتشرت على نطاق واسع، ويتم توزيعها، على قدم وساق، في مختلف المدن المغربية، وتباع في السوق السوداء أو الملاهي الليلية بأثمنة مرتفعة قد تفوق أحيانا المخدرات قوّية المفعول كالكوكايين والهيروين. وقد مكن هذا النهج من تحقيق الجنرالات لأرباح بقيمة 10 مليار دولار.
وتذهب بعض التقارير الإعلامية إلى العسكر الجزائري يستعين بمافيات متخصصة في التهريب يتم اعتمادها من أجل شحن أكياس من البلاستيك بعشرات الآلاف من أقراص القرقوبي والبحث عن مسارب حدودية لإدخالها إلى التراب المغربي عبر عناصرها، سواء أكانت هذه العناصر جزائرية أم مغربية. كما تتحدث التقارير نفسها عن «أنفاق سرية» تم إنشائها على امتداد الشريط الحدودي (450 كلم) لإدخال هذه المواد السامة بسبب المراقبة الشديدة التي يقوم بها الجيش المغربي على الحدود، في حين أن جنرالات الجزائر منشغلون كل الانشغال بإيجاد معابر آمنة لبضاعتهم وتأمين دخلوها إلى المغرب. وتنشط شبكات التهريب، التي تجند حتى النساء، من خلال محاضن المدن التالية: «وهران وتلمسان ومغنية» لتمتد نحو المغرب عبر مدينة وجدة، ومنها إلى المدن المغربية الأخرى «الدار البيضاء، فاس، مكناس، سلا، مراكش، وهي المدن التي تعتبر مثالا صارخا عما يجري في المغرب لكونها المركز الرئيسي لأقراص الهلوسة في خريطة المملكة»، حيث ينساب تدفقها نظرا لسهولة إخفائها ونقلها، إذ بإمكان كيس واحد أن يحتوي على أكثر من 50 ألف قرص من حبوب الهلوسة.
كل ذلك يترجم أن الجزائر تفرض علينا حربا منظمه بصيغة أخرى لها عنوان مركزي: «حرب الأقراص المهلوسة»، ويدخل ذلك في سياق الحرب الشاملة التي يمارسها النظام العسكري الكرغولي على المغرب. وهو ما يُلزم الأجهزة الأمنية «بمختلف أصنافها» الاستمرار في اليقظة، وإعلان حرب لا هوادة فيها ضد المهربين والوسطاء وتجار الجملة وتجار التقسيط، وتجفيف منابعهم من الأحياء الشعبية، ومن الملاهي الليلية، بل من هؤلاء الذين يتربصون بالشباب المغربي عبر التجارة الإلكترونية. كما تفرض هذه الحرب الجديد تمشيط الحدود الشرقية للمغرب، بعدما تبين أن القرقوبي الجزائري هو المسؤول الأول عن أكثر من 80 % من الجرائم المسجلة. أقدم المغرب، قبل سنوات، على إنشاء منطقة عسكرية في الحدود الشرقية مع الجزائر، وهو قرار استراتيجي يرمي إلى تعميم النظام الدفاعي على المنطقة الشرقية الممتدة على طول الحدود المغربية الجزائرية وقوامها 1559 كلم، وهو ما يعني أيضا أن المغرب على أتم الاستعداد لأسوأ السيناريوهات التي تضمرها جمهورية القوات الكرغلية، وأنه يدرك أن حرب القرقوبي تستلزم حقا وصدقا الدفع بقوات عسكرية كثيرة الى الشريط الحدودي الفاصل مع دولة العصابة للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها، وعن صحة المواطنين وسلامتهم العقلية.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"