الأحد 30 مارس 2025
في الصميم

أريري: مدينة الرحمة.. أبشع سجن حضري بالمغرب !!

أريري: مدينة الرحمة.. أبشع سجن حضري بالمغرب !! عبد الرحيم أريري
إذا أسقطنا السالمية ، نكاد نجزم أن أبشع مشروع عمراني وتعميري بولاية الدار البيضاء يبقى هو مدينة الرحمة. هذه "المدينة"، التي لا تحمل من الإسم أي مقومات التمدن والعيش الحضري في حده الأدنى.
 
لن أتوقف عند فشل السلطات في اعتماد السكن المختلط  logement mixte بين مختلف الفئات الاجتماعية، لضمان الانصهار وتلحيم مكونات المجتمع مع بعضها البعض، فهذا توجه سطرته السلطة العمومية في معظم مشاريع السكن الاجتماعي على امتداد التراب الوطني بشكل سيفرز في المنظور القريب "غيتوهات " مولدة لكل الأحقاد الاجتماعية، وبالتالي الحاضنة لكل التوترات المجتمعية بعد سنوات قليلة. 
 
سأتوقف في حالة "مدينة" الرحمة عند الخيانة التي ارتكبتها السلطات في حق المواطنين الذين رحلوا إلى هذه"المدينة" بضواحي الدارالبيضاء، أو اضطروا إلى اقتناء سكن بالمجمعات السكنية العديدة المنتشرة بتراب الرحمة. ذلك أن الدولة (ككيان ضامن للحقوق وللمصلحة العامة والمؤتمن على تأمين كرامة المواطن)، بعد أن انتبهت إلى أنها بالغت كثيرا في منح امتيازات فرعونية، وبالغت في إغداق الغنائم الرهيبة على كبار المنعشين العقاريين لإنجاز السكن الاجتماعي بدون مرافق أو طرق أو جسور وأنفاق، أو ساحات عامة أو أسواق أو حدائق أو إلخ...، قررت خلق "صندوق" لدعم إنجاز الشوارع الرابطة بين المجمعات والأحياء السكنية بمدينة "الرحمة" عبر اقتطاعات يؤديها كل منعش عن مجموع الوحدات السكنية التي استفاد فيها من رخصة الاستثناء Dérogation.
 
مرت الآن أزيد من عشر سنوات عن إحداث هذا الصندوق، دون أن تنجز الطرق والشوارع المقررة ب"مدينة" الرحمة (التابعة ترابيا لإقليم النواصر)، وهو مايقود إلى إحدى الفرضيتين: إما أن المنعشين العقاريين ساهموا بالمال نظير الظفر بالرخص، لكن الجماعة والعمالة والولاية وشركة "إدماج سكن" بددوا المال في وجهات مجهولة. وإما أن السلطات العمومية - في شخص الوكالة الحضرية للبيضاء والجماعة والعمالة والولاية- منحوا للمنعشين "كارت بلانش" لإنجاز المشاريع الضخمة دون إجبارهم على ضخ المستحقات في خزينة صندوق الطرق لترميم مفاصل "مدينة" الرحمة.
 
في كلتا الحالتين، هناك ضرر بليغ لحق سكان مدينة "الرحمة" وزوارها، لأن المواطنين سكنوا (أو على الأصح، أجبروا على السكن) في "مدينة" لا تتوفر حتى على "السميك الحضري"  (Smig Urbain)، من شوارع كبرى تربط بين مكونات الأحياء المكتظة والممتدة ترابيا و آلاف الإقامات السكنية المترامية بدون روح أو شرايين، لتصريف الصبيب الرهيب من التنقلات اليومية.
 
نعم، تم مؤخرا إحداث منطقة أمنية ب"مدينة" الرحمة استجابة للطلبات الكثيرة للسكان لتطويق المد الإجرامي، لكن الجرم الأكبر  يتطلب أن يستعين مسؤولو المنطقة الأمنية في الرحمة بفرق "البسيج" وبعناصر "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية"، لفتح تحقيق في مآل موارد "صندوق الطرق"، وفي الامتيازات الممنوحة لكبار المنعشين العقاريين ولشركة "إدماج سكن"، لمعرفة أسباب التأخر الفظيع في مواكبة السكن والسكان بالرحمة بالمرافق وبالطرق والأنفاق وبالطوبيسات، ومن هو المسؤول عن تبخر هذه التجهيزات العامة.
 
آنذاك ، لي اليقين أن نسبة الإجرام ستنزل إلى العتبة المقبولة وستصبح الرحمة فعلا "مدينة" رحيمة بسكانها وبزوارها. 
فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء !