تونس مطالبة اليوم بأن تظهر للعالم أنها لم تكن تتحدث عن امرأة خيالية لا وجود لها إلا في الكتب والتشريعات، تتباهى بها في المؤتمرات والمحافل الدولية، ولا أثر لها على أرض الواقع.
غابت المرأة التونسية عن تمثيل الأحزاب السياسية في الانتخابات التشريعية بشكل لا يليق بتونس، تونس التي كانت دائما سباقة في تأمين وتعزيز حقوق المرأة ودعم دورها الاجتماعي والسياسي. غياب فسره البعض بعدم التزام الأحزاب المشاركة في الانتخابات بمبدأ التناصف الذي نص عليه الدستور التونسي الجديد، في حين رأى البعض الآخر أن التقصير يعود إلى المرأة نفسها.
أيا كانت الأسباب فإن حضور المرأة الضعيف على رأس القوائم الانتخابية أمر لا يسر، ولا يتوافق مع المسيرة النضالية الطويلة التي قادتها المرأة التونسية من أجل تعزيز وجودها ومشاركتها في الحياة العامة، ولا يتلاءم، أيضا، مع التقدم الديمقراطي الذي يحرزه البلد. ناهيك إذا عرفنا أن نسبة النساء اللاتي شاركن في الانتخابات فاق نسبة الذكور. إذ تشير تقارير إلى أن النسبة بلغت 50,5 بالمائة للنساء من ضمن خمسة ملايين و236 ألف ناخب، وهي مشاركة حيوية أرجعها البعض إلى التعبئة التي قام بها المجتمع المدني من أجل دور أوسع للمرأة في الحياة العامة. ولست أفهم لماذا تحرك المجتمع المدني ليشجع النساء على المشاركة في الانتخابات، ولم يشجعهن على الترشح للانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس.
المكاسب التي حققتها المرأة التونسية على مدى الأعوام الستين الأخيرة، وجعلتها تتقدم على نظيراتها في العالم العربي تخولها اليوم لأن تحظى بدور أكبر في الحياة السياسية، خاصة في ظل المرحلة الانتقالية المهمة التي تمر بها تونس، وليس مقبولا أن يقتصر عدد التونسيات الموجودات على رأس القوائم الانتخابية على عدد الأصابع، وليس مقبولا ألا يوجد على قوائم الحزب الفائز سوى امرأتين فقط، تمكنتا من تصدر القوائم الانتخابية لدائرتين من دوائر تونس.
لطالما تباهت تونس بوضعية المرأة المتقدمة فيها. والتونسيون يذكرون العالم، بمناسبة ودونها، بأنهم أول من منع تعدد الزوجات، وأول من سمح للمرأة بطلب الطلاق، وأول من أقر الإجهاض،.. وهي مكاسب مهمة بالتأكيد، كان لا بد أن نرى نتائجها الآن ممثلة في نساء يتصدرن معترك الحياة السياسية جنبا إلى جنب مع الرجال. وكان من المفروض أن تكون هذه الخطوات لبنات وركائز لحضور فعلي وقوي للمرأة في الحياة العامة، وليس غاية في حد ذاتها. ستون سنة من المكاسب والمعارك من أجل إقرار مبدأ المساواة تنتهي بتمثيل ضعيف ودور هامشي للمرأة في مرحلة سياسية حرجة تشهدها البلاد. ستون سنة من النضال والمؤتمرات والقوانين والتشريعات، لا تفرز امرأة واحدة كفؤة لقيادة تونس، ولا تفرز برلمانيات قادرات على تمثيل الشعب وإيصال صوته.
هناك بالتأكيد خلل ما، فالسنوات الستون كانت، في واقع الأمر، كفيلة بأن تفرز اليوم قدرات عالية، ووجوها معروفة للناخب، وكفاءات نسوية ذات تاريخ طويل في النشاط السياسي، قادرة على إدارة دفة البلاد والمشاركة بشكل قوي في إرساء قواعد الديمقراطية الحديثة.
اختبارات تونس كثيرة في الحقيقة، منها المتعلقة بمدى ترسخ مؤسسات الدولة المدنية، ومنها ما قدمته للمرأة على مدى العقود الأخيرة. تونس مطالبة اليوم بأن تظهر للعالم أنها لم تكن تتحدث عن امرأة خيالية لا وجود لها إلا في الكتب والتشريعات، تتباهى بها في المؤتمرات والمحافل الدولية، ولا أثر لها على أرض الواقع.
(عن جريدة "العرب" اللندنية)