لم يختلف سلوك الحكومة الحالية إزاء الحركة الاحتجاجية الواسعة التي عرفها المغرب، سواء قبل أو بعد أو أثناء الإضراب الوطني المعلن عنه من طرف المركزيات النقابية.
قبل الإضرابات تصدرت التصريحات الحكومية الإعلام الوطني، موزعة بين تهمتين: الأولى كلاسيكية، ومكرورة، ولم تعد صالحة حتى في بلدان المعسكرات السجنية، ومفادها أن الإضراب غير مفهوم وغيرمقنع، وبالتالي فهو إضراب مشبوه ومشكوك في نوايا كل الداعين إليه.
ولنا أن نسأل كيف تستطيع الحكومة إنضاج شروط حوار مع طرف تشك في نواياه، وتعتبر احتجاجه مسألة فيها .. نظر!
طبعا، خطاب من هذا القبيل يعني إلغاء أية إمكانية للحوار الاجتماعي.
والتهمة الثانية، والتي أخرجتها الحكومة من جعبتها، مع تسارع الوقت المحدد لتنفيذ الإضراب العام، مفادها أن النقابات تهدد السلم الاجتماعي!
من سوء حظ الحكومة أن مقولة تهديد السلم الاجتماعي جاءت عقب الخطاب الملكي (الملك رئيس الدولة في التقدير الدستوري الجديد) في البرلمان، والذي شكر حرفيا النقابات على 15 سنة من السلم الاجتماعي مع الحفاظ على الروح المطلبية والكفاحية الضرورية للدفاع عن مصالح الطبقات العمالية والمأجورين.
وفي كلتا الحالتين لم تلتقط الحكومة أنها أمام حركة غير مسبوقة في تاريخ المغرب الحديث، من حيث التقاء كل الطيف النقابي، مدعوما بالقوى السياسية المتعددة المشارب، حول الغضب عليها.
وإذا كان من مقارنة، فيبدو أن اللحظة الاحتجاجية النقابية والمجتمعية، تنتمي بامتياز إلى الزمن الربيعي العربي، وتنتمي بامتياز إلى مغرب التوجه إلى المستقبل، في حين أن الحكومة أعادت علينا صورة مكرورة عن سلوكات الحكومات السابقة.
غابت عن الحكومة شروط التفوق الأخلاقي (!)، الذي كان يفرض عليها أن تعطي الأرقام والحقائق كما هي، بعيدا عن نزعة تبخيس المجهود النقابي في تأطير حركة احتجاجية يشعر بها الجميع، تكهرب الأجواء في البلاد وتعليق الكثير من الأسئلة في الفضاء العمومي.
سنسجل بأن التزام القرار الأمني بالحياد وعدم الاستفزاز وضمان شروط الحرية في ممارسة الإضراب، جعل الاحتجاج النقابي يمر في وضع استثنائي، بدأنا نشعر به، ما قبل الحكومة، في التعامل مع 20 فبراير ومع الخروج المكثف للمغاربة إلى الشارع للمطالبة بالإصلاح.
وليس للقرارالحكومي كثير من الفضل في ذلك، بقدر ما فيه نضج أصحاب القرار الأمني بشروط السلامة الاجتماعية في ظروف الغليان الشعبي.
ولنا أن نسأل مجددا: هل في السلوك الحكومي ما يدل على أن التعامل سيختلف، والمقاربة ستختلف، وأن الدروس الضرورية قد تم استخلاصها؟
لنا أن نشك حقا في ذلك.
فقد رأى القرار الحكومي أن الإضراب يمكن أن يتم الالتفاف عليه «بخبر سار»!! لم تتضح معالمه ما إذا كان له علاقة بتوطيد الثقة بين الفرقاء أو صب المزيد من العبث على العبث القائم.
كما أغفل الجهاز التنفيذي أنه حقق التفاف النقابات كلها ضده، وأن المستقبل لا يمكن أن يبنى على التوتر الذي تنبيء به حكومة التاتشرية الجديدة.
كما أن التصعيد وارد بشدة أمام حكومة تعتبر أن مجيئها ينسخ كل ما سبق، وإن كان قائما قبلها.
سيكون من عقلانية التسيس، أن تنتبه الحكومة إلى أن القرار الذي اتخذته نقابات ظلت، إلى عهد قريب متباعدة في النظرة إلى العلاقة فيما بينها ثم إلى العلاقة مع الحكومة، هو تحول يعطي الدليل على أن الإطار النقابي يحظى بمصداقية لا يمكن أن تسقطها بلاغات صفراء للجهاز الحكومي.
هناك نقابات نالت الشرف في إعلان الإضراب، وستدخل التاريخ بأنها أدركت دقة اللحظة والاستعداد الكفاحي للطبقة العاملة والمأجورين، وأن ذلك سيكون له ما بعده، ولن يقف عند حدود تريدها الحكومة ردعية!.