السبت 23 نوفمبر 2024
فن وثقافة

ندوة مهرجان  سيدي قاسم  لللفيلم المغربي القصير في موضوع: "السينما و الذاكرة الثقافية"

ندوة مهرجان  سيدي قاسم  لللفيلم المغربي القصير في موضوع: "السينما و الذاكرة الثقافية" السينما غدت اليوم بمثابة ذاكرة ثقافية خصبة وغنية
اختار مهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير كشعار لدورته الرابعة والعشرين : " السينما ذاكرة ثقافية " وهو الشعار الذي سيتبلور من خلال العديد من الأنشطة الموازية للعروض السينمائية ومنها الندوة المركزية للدورة التي سيشارك فيها المخرج محمد الشريف الطريبق والناقد السينمائي نورالدين بوخصيبي وسيسير أشغالها الشاعر والسينيفيلي محمد عابد، وستقام يوم السبت 2 نونبر 2024 على الساعة العاشرة صباحا بمركز الاستقبال والندوات طريق طنجة سيدي قاسم على الساعة العاشرة صباحا. في مايلي الورقة التأطيرية للندوة التي أعدها الناقد السينمائي نورالدين بوخصيبي .

" ما من شك أن السينما غدت اليوم بمثابة ذاكرة ثقافية خصبة وغنية، و ذلك بعدة معاني. عندما نتحدث عن الذاكرة الثقافية فنحن نتحدث بالضرورة عن الصيرورة التاريخية و عن علاقة الحاضر بالماضي، و كذلك عن التراث بكافة أشكاله الشفوية منها و المكتوبة، كما نقصد بهذا المفهوم مجموع الاحتفالات و البطولات و الطقوس و الشعائر الدينية و الأمثال و الحكم و غيرها، التي تشكل في مجموعها الهوية الوطنية لشعب من الشعوب. السينما من هذا المنظور ترتبط ارتباطا وثيقا بالذاكرة الثقافية لكل بلد من بلدان العالم، من حيث هي منخرطة بعمق في هذه الذاكرة الثقافية العامة، و من حيث هي كذلك تعمل على إعادة بناء الذاكرة وفقا لما تتيحه اللغة السينمائية ، بمبادئها و قواعدها و شفراتها الثابتة منها والمتجددة.

و لعل ما كرس و يكرس هذه العلاقة القوية بين السينما و الذاكرة الثقافية للشعوب و المجتمعات، هو أنها هي نفسها بوصفها فنا سابعا تحتضن بداخلها سائر الفنون الأخرى، الضاربة في عمق التاريخ البشري، كالرقص و الموسيقى و النحت و التشكيل و المسرح، مما أهلها لتلعب دورا رياديا في إعادة تشكيل الذاكرة الإنسانية، منذ ولادتها- السينما - في نهاية القرن التاسع عشر على أيدي الأخوين لوميير، و تطورها بعد ذلك على أيدي كبار المبدعين السينمائيين في العالم أمثال غريفيث و إزنشتاين و ديسيكا و برغمان و ألان ريني و غيرهم، على أسس جديدة متنوعة و متباينة.
 
و لقد كان للمفكر الكبير إدغار موران الفضل في الكشف عن العمق الثقافي للسينما في كتابه المتميز " السينما و الدال الخيالي" الذي أبرز فيه كيف أن السينما كشكل ثقافي فني جمالي متجذرة في عمق التاريخ البشري، و أنها تمتد لتطال الأساطير الضاربة في القدم، و الفنون العريقة للشعوب الغابرة، و هو ما أكده منظرون و باحثون آخرون بأشكال أخرى حين أكدوا تجذر الفرجة السينمائية في أعماق اللاوعي البشري كما هو الشأن عند أندري بازان و كرستيان ميتز و جون لوي بودري و غيرهم.
 
من هنا تأتي أهمية هذه الندوة حول السينما و الذاكرة الثقافية، حيث ستكون فرصة لطرح و مجابهة الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع الغني و المتشعب من جوانب متعددة. كيف ساهمت السينما - إيجابا و سلبا - في تشكيل الذاكرة الثقافية لشعوب العالم؟ و كيف تنخرط هي نفسها ضمن المسارات المتعددة للذاكرة الثقافية للعصور الحديثة باعتبارها تتويجا فرجويا لمجموعة من العلوم و الفنون و التقنيات المتنوعة؟
 
و بما أن السينما المغربية هي التي تعنينا هنا بالدرجة الأولى، فإن تتبع و تفحص تاريخ السينما المغربية في علاقتها بالذاكرة الثقافية، يجعلنا نرصد اهتماما كبيرا لدى عدد من السينمائيين المغاربة بإعادة بناء ذاكرتنا الثقافية سينمائيا على أسس جديدة مغايرة لما كرسته السينما الكولونيالية. و ذلك ما نلمسه في مجموعة من الأشرطة المغربية التي حاولت رصد مجموعة من الرموز و التمثلات المكونة للهوية المغربية، و الذاكرة الثقافية المغربية، ضمن التفاعلات المعقدة للصراع الاجتماعي و الثقافي للمجتمع المغربي، كما نلمس ذلك في مجموعة من الأشرطة نخص بالذكر منها هنا على سبيل المثال شريط " وشمة" لحميد بناني، و “ السراب " لأحمد البوعناني، و" باب السماء مفتوح " لفريدة بليزيد، و " جارات أبي موسى " لمحمد عبد الرحمان التازي، و "الحال" لأحمد المعنوني، و" عطش" و" جوهرة بنت الحبس" لسعد الشرايبي، و" محاولة فاشلة لتعريف الحب" لحكيم بلعباس، انتهاء بفيلم " كذب أبيض" لأسماء المدير الذي اشتغل بشكل دقيق على وقائع و رموز من ذاكرتنا الثقافية الوطنية في علاقتها بالصورة الفوتوغرافية و السينمائية و تمكن من انتزاع جوائز عالمية في العديد من المحافل الدولية، إلى غير ذلك من الأفلام التي سعت إلى النبش بأشكال مختلفة في ذاكرتنا الثقافية المغربية ضمن سياقات مختلفة و متباينة.
 
لكن مجموعة من الأسئلة ما زالت تطرح نفسها بعمق في هذا السياق، نخص بالذكر منها هنا إضافة إلى أسئلة الإنتاج و التوزيع، أسئلة العمق الثقافي و الجمالي للفيلم المغربي من هذه الزاوية. إلى أي حد استطاعت السينما المغربية التخلص من الصورة النمطية التي كرستها السينما الكولونيالية عن الإنسان المغربي، برموزه و تمثلاته الذهنية و نزواته و أحلامه الخاصة؟ و هل تمكنت السينما المغربية، منذ نشأتها إلى يومنا هذا من اقتحام الذاكرة/ الذاكرات الثقافية للمجتمع المغربي بكل ما يقتضيه ذلك من جرأة على مستويي المضمون و الشكل معا؟ و هل تتوفر لدى السينمائي المغربي إرادة و وعي حقيقيين لرصد ذاكرتنا الثقافية قصد إعادة بنائها على أسس جديدة متطورة تأخذ بعين الاعتبار تعدد مكوناتها و مسارات هذه المكونات ضمن الصيرورة التاريخية العامة لمجتمعنا المغربي؟
 
هذه، باختصار شديد بعض الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح و التي ستلتقي ثلة من النقاد والمبدعين السينمائيين للتصدي لها بالنقاش الجاد، الرصين، في أفق المساهمة ، ضمن تظاهرة المهرجان السينمائي لسيدي قاسم، في بلورة تصور جديد لسينمانا الوطنية من هذه الزاوية الخاصة المتعلقة بالذاكرة الثقافية".