الكثير ممن يعارضون بوتفليقة اليوم يعتقدون أن فترة حكمه كانت كلها كارثية وسلبية انفرد فيها بالحكم وفعل بالرجال والمؤسسات ما يريد وتشبث بالكرسي رغم ظروفه الصحية، ويعتقدون بأن الفساد والنهب استفحل في عهده أكثر من أي وقت مضى، ولكن القليل من يدرك اليوم بأن فترة حكم الرئيس لم تكن سيئة وسلبية كلها لأنها على الأقل فتحت عيوننا على كل النقائص والعيوب، وستكون انعكاساتها إيجابية على جزائر الغد وعلى الرئيس المقبل الذي سيستفيد من التجربة فلن يقع في نفس الأخطاء، ولن يمارس ذلك الإقصاء والتعنت والحقد الذي ساد في عهد بوتفليقة..
لو سارت الأمور بصورة طبيعية وعادية بعيدا عن مشروع التوريث وعما يخطط له محيط الرئيس للاستمرار في الحكم، فإن الرئيس المقبل لن يرتكز على الشرعية الثورية والتاريخية ولا على سلطة رجال المال من الذين ازداد نفوذهم وتأثيرهم، بل سيرتكز على الشرعية الشعبية البعيدة عن الوصاية وكل ما ليس له علاقة بالديمقراطية وحرية الاختيار..
الرئيس المقبل سيكون خادما للشعب وليس سيدا عليه، ولن يكون متجبرا ومتكبرا على شعبه، ولن ينفرد بالحكم مع عائلته وعشيرته لأنه سيستوعب الدرس جيدا ويدرك بأن عهد الرجل المعجزة قد ولى، وأن الجزائر يبنيها كل أبنائها دون إقصاء ودون الحاجة لكي يحيط نفسه "بالمطبلين والشياتين" والانتهازيين والمنتفعين الذين احتلوا كل المواقع..
الرئيس المقبل سيوظف دهاءه وذكاءه لخدمة شعبه وبلده في الداخل والخارج، وسيلقى دعم الشعب واحترام المعارضة لتواضعه وكفاءته وإخلاصه وليس لجبروته وتحايله، لأنه سيدرك بأن الدولة القوية تقوم على قوة المعارضة، وقوة المؤسسات واستقلاليتها، وتقوم على العدل والمساواة والحرية والديموقراطية واختلاف الرأي..
الرئيس المقبل لن يرأس الجزائر للانتقام من شعبه ومن معارضيه وكل من يختلف معه، لأنه لن يكون بحاجة للانتقام من أي كان، ولن يكون بحاجة إلى تصفية حساباته مع من سبقه إدراكا منه بأن الجزائريين دفعوا ثمنا غاليا في كفاحهم عبر التاريخ ويستحقون كل الحب والاحترام.
الرئيس المقبل لن يتحايل علينا ولن يعدنا بتحويل مدينة معسكر إلى كاليفورنيا جديدة، ولن يعدنا بالعزة والكرامة لنجد أنفسنا في مذلة ومهانة تقود أبناءنا إلى الانتحار أو الموت في عرض البحار، ولن يصل في عهده عدد المهاجرين إلى مليون شخص مثلما حدث منذ بداية الألفية وهو رقم لم تشهده الجزائر في زمن الأزمة الدموية التي عشناها سنوات التسعينيات.
الرئيس المقبل سيكون رئيسا لكل الجزائريين دون استثناء، ولن يرتكز على أفراد عائلته وعشيرته، ولا على الفاشلين والرديئين ويسلطهم علينا، بل سيعتمد على كل الكفاءات الوطنية مهما كان انتماؤها، ويعيد الاعتبار للرجال والمؤسسات ليتحملوا مسؤولياتهم تجاه شعب عانى من تداعيات الجهوية والمحسوبية من أناس احتكروا أيضا الوطن والوطنية وكل السلطات بين أيديهم.
الرئيس المقبل سيكون فوق كل الشبهات ولن يغطي على المفسدين والفاشلين، ولن يتسامح مع كل من ينهبون خيرات الوطن، ولن يسكت على الجرائم والفضائح الاقتصادية والأخلاقية التي تفشت منذ بداية الألفية دون حساب أو عقاب حتى ارتبط اسم الجزائر بكل أشكال الفساد في المشاريع الكبرى للنقل والأشغال العمومية والفلاحة والنفط وغيرها..
الرئيس المقبل لن يعبث بالدستور ويغيره كل مرة على مقاسه لكي يبقى في الحكم ويستحوذ على كل السلطات والصلاحيات ويجعل من المجلس الدستوري ومجلسي الشعب والأمة مجرد غرف لتسجيل واعتماد القوانين، ولن يتلاعب بالمسؤولين فيقيلهم ويهينهم كل مرة حسب الأهواء والولاءات وليس بسبب إخفاقهم في مهامهم..
الرئيس المقبل سيكون مختلفا عن كل الرؤساء الذين سبقوه، وسيتركنا نعيش ونحلم بجزائر جديدة نشعر فيها بالحرية والمسؤولية والعدالة الاجتماعية لأن شعبنا أصبح بحاجة إلى قلب يحكمه وليس إلى عقل يتحكم فيه ويتحايل عليه، وعندها سنكتشف بأن فترة حكم بوتفليقة لم تكن كلها سلبية إلا إذا نجح مشروع التوريث الذي يخطط له البعض أو قام هو شخصيا باختيار من سيخلفه من حاشيته لأنه أخطا في الكثير من خياراته التي أدت إلى الانسداد السياسي والفشل الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي الذي ندفع ثمنه اليوم..