1- المواجهة مع البريطانيين: 1945-1947
كانت لعملية إنجاز خرائط دقيقة للقرى الفلسطينية ، وتدمير بريطانيا للقيادة الفلسطينية ووسائل دفاعها في أعقاب انتفاضة 1936 ، أهمية كبيرة سهلت على الحركة الصهيونية الاستيلاء على فلسطين ، ووضع أفضل الخطط التي مكنتها من تأسيس دولة خاصة بها بعد الحرب العالمية الثانية . بمجرد ما تبدد خطر الغزو النازي على فلسطين سنة 1942، أدرك الصهاينة أن تواجد بريطانيا في المنطقة هو العقبة الوحيدة التي تعيق مخططهم الاستعماري ، وليس المقاومة الفلسطينية ، هذا ما أفصح عنه بن غوريون ، في اجتماع عُقد في فندق بيلتمور في نيويورك عام 1942، حيث طرح على طاولة النقاش المطالبة بكومنولث يهودي على كامل فلسطين التابعة للانتداب.
والحرب العالمية الثانية توشك على النهاية ، قام قادة الحركة الصهيونية بحملة لطرد البريطانيين من فلسطين، في الوقت نفسه كانوا يخططون للتخلص من الفلسطينيين ، الذين كانوا يمثلون الأغلبية السكانية بنسبة 75٪ من مجموع السكان. لم تعبر الشخصيات الصهيونية البارزة عن مخططات الحركة بشكل علني ، كانوا يتقاسمونها مع أقرب أصدقائهم فقط أو ينشرونها في بعض مذكراتهم الشخصية أو الصحف المحدودة الانتشار ، سنة 1940 كتب يوسف وايتز : "لدينا الحق في نقل العرب" وكتب أيضًا: "يجب أن يرحل العرب!" وهذا ما كان يروج له بن غوريون كذلك ، جاء في رسالة كتبها إلى ابنه سنة 1937: "يجب على العرب أن يغادروا." لكن طرد الفلسطينيين من أرضهم ، فرض على الصهاينة أن يتحينوا ويغتنموا الفرصة المناسبة ، وهذا ما تحقق لهم سنة 1948 ، وهي السنة التي ستنهي بريطانيا الانتداب لتخرج من فلسطين ، لم يفوت بن غوريون هذه الفرصة ، استغلها وقاد الهاغانا لترتكب مجازر في حق الفلسطينيين ، قبل الإعلان عن ميلاد الكيان الصهيوني.
كانت لعملية إنجاز خرائط دقيقة للقرى الفلسطينية ، وتدمير بريطانيا للقيادة الفلسطينية ووسائل دفاعها في أعقاب انتفاضة 1936 ، أهمية كبيرة سهلت على الحركة الصهيونية الاستيلاء على فلسطين ، ووضع أفضل الخطط التي مكنتها من تأسيس دولة خاصة بها بعد الحرب العالمية الثانية . بمجرد ما تبدد خطر الغزو النازي على فلسطين سنة 1942، أدرك الصهاينة أن تواجد بريطانيا في المنطقة هو العقبة الوحيدة التي تعيق مخططهم الاستعماري ، وليس المقاومة الفلسطينية ، هذا ما أفصح عنه بن غوريون ، في اجتماع عُقد في فندق بيلتمور في نيويورك عام 1942، حيث طرح على طاولة النقاش المطالبة بكومنولث يهودي على كامل فلسطين التابعة للانتداب.
والحرب العالمية الثانية توشك على النهاية ، قام قادة الحركة الصهيونية بحملة لطرد البريطانيين من فلسطين، في الوقت نفسه كانوا يخططون للتخلص من الفلسطينيين ، الذين كانوا يمثلون الأغلبية السكانية بنسبة 75٪ من مجموع السكان. لم تعبر الشخصيات الصهيونية البارزة عن مخططات الحركة بشكل علني ، كانوا يتقاسمونها مع أقرب أصدقائهم فقط أو ينشرونها في بعض مذكراتهم الشخصية أو الصحف المحدودة الانتشار ، سنة 1940 كتب يوسف وايتز : "لدينا الحق في نقل العرب" وكتب أيضًا: "يجب أن يرحل العرب!" وهذا ما كان يروج له بن غوريون كذلك ، جاء في رسالة كتبها إلى ابنه سنة 1937: "يجب على العرب أن يغادروا." لكن طرد الفلسطينيين من أرضهم ، فرض على الصهاينة أن يتحينوا ويغتنموا الفرصة المناسبة ، وهذا ما تحقق لهم سنة 1948 ، وهي السنة التي ستنهي بريطانيا الانتداب لتخرج من فلسطين ، لم يفوت بن غوريون هذه الفرصة ، استغلها وقاد الهاغانا لترتكب مجازر في حق الفلسطينيين ، قبل الإعلان عن ميلاد الكيان الصهيوني.
2- ديفيد بن غوريون: مهندس الكيان الصهيوني
بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، كان أول رئيس وزراء لهذا الكيان ،وهو المخطط الرئيسي للتطهير العرقي ،قاد الحركة الصهيونية من منتصف عشرينات القرن الماضي إلى نهاية الستينات، وُلد عام 1886 في بلونسك، بولندا ،عندما كانت جزءًا من روسيا القيصرية ، دخل فلسطين سنة 1906 ، كان صهيونيًا متحمسًا ، قصير القامة، يرفع إلى الوراء شعره الأبيض الثقيل ، يرتدي دائمًا زيًا عسكريًا ، عندما بدأت عمليات التطهير العرقي، أضاف مسدسًا إلى زيه العسكري ،كما وضع كوفية حول عنقه ، كان عمره آنذاك حوالي الستين عامًا.
كان له دورٌ مركزي في ما آل إليه الشعب الفلسطيني من طرد وتشريد وقتل وإبادة، لأنه كان المسؤول الوحيد على جميع قضايا الأمن والدفاع عن المستوطنين اليهود.
سنة 1937، قدم البريطانيون للحركة الصهيونية فرصة لإقامة دولة، على جزء صغير جدًا من أرض فلسطين ، رغم أن هذا العرض لم يكن يساير توقعات الحركة الصهيونية ، إلا أن بن غوريون قبل المقترح واعتبره بداية جيدة ، في الواقع كان يتطلع إلى السيادة الصهيونية على أكبر مساحة ممكن من الأراضي الفلسطينية ، لهذا استطاع في تلك الفترة أن يقنع القيادة الصهيونية ، باستراتيجيته وتخطيطه المرحلي. في اجتماع للحركة الصهيونية سنة 1937تحت إشراف بن غوريون ، أعلن عن مخططه الذي لخصه في كلمتين فقط : القوة واللحظة المناسبة ، و شرح لقادة الحركة مخططه فقال :" لا يمكن الحصول على الدولة اليهودية إلا بالقوة، ولكن وجب انتظار اللحظة التاريخية المناسبة للتعامل عسكرياً مع الواقع الديموغرافي لفلسطين ، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار وجود أغلبية سكانية أصلية غير يهودية."
كان بن غوريون يركز في استراتيجيته على العمليات ذات المدى الطويل والحلول الشاملة، ولم يكن ذلك يتماشى مع موقف معظم أعضاء القيادة الصهيونية، الذين كانوا يرون أن احتلال فلسطين يمكن أن يتحقق مرحليا بشراء بعض الأراضي هنا وبعض البيوت هناك، لكن بن غوريون فهم في وقت مبكر جدًا أن هذا الحل لن يكون مجديا ، في نهاية الانتداب، لم تتمكن الحركة الصهيونية من شراء إلا حوالي 6٪ فقط من الأراضي ، لكن رغم ذلك كان بعض القادة الصهاينة الأكثر تحفظًا، مثل موشيه شاريت، يربط بين توطين اليهود في فلسطين وتهجير الفلسطينيين عن طريق شراء أراضيهم ، أشار في لقاء مع قيادة الحركة ،إلى قبيلة فلسطينية كانت تعيش غرب الأردن، تم شراء أراضيها ونقلها إلى شرق نهر الأردن ،في ختام حديثه عن هذه القرية قال :" وبمثل هذا الإجراء سنقلل من عدد العرب في فلسطين"
عام 1942، أعلن بن غوريون أن الحركة الصهيونية تطالب بكامل أرض فلسطين، لأن قادة الحركة تعاملوا مع إعلان بلفور على أنه وعد من بريطانيا يقر بتسليمهم كل فلسطين حينما ينتهي الانتداب ، وبما أنه كان رجلا عمليًا وواقعيا ، كان يصف مطالب الحركة في مؤتمراتها السرية والعلنية ، بعدم الواقعية ،كان يرى من المستحيل الضغط على بريطانيا في الوقت الذي كانت تتصدى فيه لألمانيا النازية.
بعد أن حطت الحرب العالمية أوزارها تغيرت أمور كثيرة ، أصبحت للحكومة البريطانية الجديدة بقيادة كليمنت أتلي، تصورات أخرى بشأن فلسطين، خاصة وأن يهود أوروبا أصبحوا يفضلون الرحيل إلى الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي ، كانوا يفضلون الرحيل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ،بدلاً من الانتقال إلى الشرق الأوسط غير المستقر سياسيا وعسكريا . بدأت الحكومة البريطانية الجديدة عن طريق وزير خارجيتها إرنست بيفن في البحث عن حل يأخذ بعين الاعتبار مصالح اليهود الذين كانوا يعيشون داخل فلسطين، وليس أولئك الذين كانت الحركة الصهيونية تحاول استقطابهم وتهجيرهم. رأت الحركة الصهيونية في النوايا السياسية الجديدة وكأنها تهديد مباشر لأهدافها ،فأخرجت ميليشياتها السرية المسلحة وقامت بأعمال إرهابية ضد مصالح بريطانيا في فلسطين . تعاملت بريطانيا مع هذه الأعمال الإرهابية بنوع من اللين والاستخفاف ، وهو تعامل يختلف كثيرا عن طبيعة تعاملها الشرس مع الثوار الفلسطينيين في ثورة 1936. بعد الحرب العالمية الثانية، استمرت بريطانيا في الحفاظ على تواجد عسكري مهم بفلسطين يقدر ب 100,000 جندي رغم أن عدد السكان لا يتجاوز المليونين.
في أواخر غشت 1946، عقد بن غوريون اجتماعًا مع قادة الحركة الصهيونية في فندق باريسي، اسمه رويال-مونسو، لرسم خطة بديلة لخطة بيلتمور القاضية بشراء الأراضي الفلسطينية وطرد السكان ، في هذا الاجتماع طفت على السطح فكرة التقسيم وهي فكرة قديمة جديدة ، كما نادى بعض القادة بفكرة المطالبة بالاستقلال ولو على جزء صغير من البلاد. كان ناحوم جولدمان يروج لهذا المطلب لدى الحكومة البريطانية في لندن ، كان جولدمان هو العضو الأكثر سلمية في القيادة الصهيونية ، كان يطالب بـ "جزء صغير" من فلسطين ، غير أن سقف مطالبه ، لم يكن يساير طموحات بن غوريون ، حيث قال في هذا الاجتماع :" وإن حصلنا على جزء صغير الآن ، سنطالب مستقبلا بجزء كبير من فلسطين". وجد بن غوريون نفسه مضطرًا لكبح مطالب أعضاء الحركة الصهيونية الأكثر تطرفًا؛ شرح لهم أن 80% إلى 90% من فلسطين التابعة للانتداب كافية لإنشاء دولة قابلة للبقاء، بشرط أن تتمكن الحركة من تحقيق الهيمنة اليهودية فيها. بعد بضعة أشهر من الاجتماع ، قامت الوكالة اليهودية بترجمة عبارة بن غوريون "نطالب بجزء كبير من فلسطين" إلى خريطة، وقامت بتوزيعها على كل الذين يمكن أن يكون لهم تأثير على مستقبل البلاد، كانت خريطة عام 1947 تتصوّر دولة يهودية تشبه إلى حد كبير الكيان الصهيوني قبل عام 1967، أي فلسطين دون الضفة الغربية وقطاع غزة.
خلال كل اجتماعاتهم ، لم يناقش قادة الصهيونية أبدًا احتمال ظهور مقاومة فلسطينية؛ كان همهم الرئيسي هو بريطانيا، كانوا على دراية تامة بالانهيار الكامل للقيادة الفلسطينية ، كما كانوا يعرفون جيدا الموقف المتردد للدول العربية، حيال القضية الفلسطينية، التي أضحت تعيش وضعية حرجة ومقلقة ، تواجه مصيرا مجهولا وخطيرا بسبب سلطة الانتداب البريطاني التي خنقت الحركة التحررية الفلسطينية لسنة 1936، وأصبحت تمثل الحاجز الوحيد الذي يحمي الفلسطينيين من الهجمة الشرسة للحركة الصهيونية، التي تسعى إلى الاستيلاء على جزء كبير من أرض فلسطين ، وتخطط لأكبر عملية تطهير عرقي شهدها العصر الحديث. بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت الظروف مناسبة للحركة الصهيونية لتطبق كل مخططاتها ، خاصة بعد أن بدأ التفكير بجدية في أوروبا بضرورة تعويض الشعب اليهودي ، بتأسيس دولة صهيونية في فلسطين.
بسبب الفراغ السياسي الفلسطيني، لم تكن الحركة الصهيونية تهتم برد فعل الفلسطينيين ، رغم أنهم كانوا يشكلون الأغلبية السكانية ، كما لم تهتم الحركة كثيرا بالموقف العربي ، طرحوا في اجتماعاتهم نظريا سيناريوهات محتملة ، كأن يوجه العرب جيوشهم نحو فلسطين أو يزودوا الفلسطينيين بالسلاح، رغم ضعف هذه الاحتمالات ، كان بن غوريون يشعر بالقلق ، إلى جانب أقرب معاونيه، إلى درجة أصبح الشأن الأمني هاجسًا، يعيشه قادة الحركة الصهيونية ، لكن بن غوريون أداره بعناية فائقة ونجاح كبير ، جعله أولوية أولوياته قبل الاهتمامات الاجتماعية والسياسية الأخرى.
كانت المسألة الأمنية أو "بيتاحون" بالعبرية ، أولوية تسبق كل القضايا الأخرى ، من خلالها يتم تبرير العديد من السياسات الرئيسية كشراء الأسلحة من الخارج، والنضال الداخلي ضد أحزاب أخرى، والتحضير لدولة المستقبل، والاستراتيجية المتبعة ضد السكان الفلسطينيين التي اتخذت طبيعة انتقامية مثيرة للجدل.
ابتداءً من عام 1946، تم تحديد مجموعة شاملة من الأهداف الاستراتيجية لتعزيز وتوحيد الخطط والسيناريوهات المستقبلية ، وقد لعب بن غوريون دورًا حاسمًا في صياغة الرؤية الأمنية للكيان الصهيوني، فعندما أُوكلت إليه عام 1946 حقيبة الدفاع في المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرين، وضعوا بين يديه سلطة التحكم الكامل في جميع قضايا الأمن للجالية اليهودية في فلسطين . رغم أن الوقت لم يحن بعد للإعلان عن قيام الدولة الصهيونية ، إلا أن بن غوريون كان يتصرف في تلك الفترة كوزير للدفاع ورئيس للوزراء ، نظرا لأنه استأثر بسلطة اتخاذ القرارات داخل هذه الحكومة.
حينما اقتربت لحظة حسم مصير الفلسطينيين، تجاهل بن غوريون الهيكل الرسمي واعتمد على هيئات غير رسمية ، لتنفيذ الخطط الجاهزة للاستيلاء على فلسطين وطرد الفلسطينيين . من بين الخطط المعتمدة ، كانت هناك خطة معروفة باسم "إيليميليخ" ، إيليميليخ أفنير، قائد هاغانا في تل أبيب ، بناءً على طلب بن غوريون، وضع هذا القائد خطة لاحتلال فلسطين في حالة انسحاب بريطانيا ، تم إغناؤها بخطط أخرى سنة 1946 منها الخطة المسماة " “C التي تهدف إلى تجهيز القوات العسكرية الصهيونية بالسلاح لتكون جاهزة للهجوم على ريف ومدن فلسطين ، بمجرد رحيل الإنجليز، كان هدف هذه الإجراءات هو ردع السكان ، ومعاقبة كل من اعتدى على المستوطنين اليهود أوالمركبات أو أماكن إقامة اليهود ، فصلت "الخطة “C بشكل واضح العقوبات المحتملة :
• قتل القادة السياسيين الفلسطينيين.
• قتل المحرضين الفلسطينيين وداعميهم الماليين.
• قتل الفلسطينيين الذين قاموا بأعمال ضد اليهود.
• قتل الضباط والمسؤولين الفلسطينيين الاملين مع إدارة الانتداب.
• الاعتداء على وسائل النقل الفلسطينية.
• الاعتداء على وسائل العيش الفلسطينية: الآبار، المطاحن، إلخ.
• مهاجمة القرى الفلسطينية القريبة التي قد تقوم أو تقدم مساعدة في اعتداءات مستقبلية.
• مهاجمة أماكن الاجتماع الفلسطينية، الأندية، المقاهي إلخ.
بعد بضعة أشهر، تم وضع خطة أخرى تعرف باسم " D (داليث)" وهي الخطة التي حسمت مصير الفلسطينيين القاطنين في الأراضي التي كانت تريدها الحركة الصهيونية لإنشاء دولتها المستقبلية،كانت خطة داليث تهدف إلى الطرد الممنهج والكامل للفلسطينيين من أرضهم. يتبع
بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، كان أول رئيس وزراء لهذا الكيان ،وهو المخطط الرئيسي للتطهير العرقي ،قاد الحركة الصهيونية من منتصف عشرينات القرن الماضي إلى نهاية الستينات، وُلد عام 1886 في بلونسك، بولندا ،عندما كانت جزءًا من روسيا القيصرية ، دخل فلسطين سنة 1906 ، كان صهيونيًا متحمسًا ، قصير القامة، يرفع إلى الوراء شعره الأبيض الثقيل ، يرتدي دائمًا زيًا عسكريًا ، عندما بدأت عمليات التطهير العرقي، أضاف مسدسًا إلى زيه العسكري ،كما وضع كوفية حول عنقه ، كان عمره آنذاك حوالي الستين عامًا.
كان له دورٌ مركزي في ما آل إليه الشعب الفلسطيني من طرد وتشريد وقتل وإبادة، لأنه كان المسؤول الوحيد على جميع قضايا الأمن والدفاع عن المستوطنين اليهود.
سنة 1937، قدم البريطانيون للحركة الصهيونية فرصة لإقامة دولة، على جزء صغير جدًا من أرض فلسطين ، رغم أن هذا العرض لم يكن يساير توقعات الحركة الصهيونية ، إلا أن بن غوريون قبل المقترح واعتبره بداية جيدة ، في الواقع كان يتطلع إلى السيادة الصهيونية على أكبر مساحة ممكن من الأراضي الفلسطينية ، لهذا استطاع في تلك الفترة أن يقنع القيادة الصهيونية ، باستراتيجيته وتخطيطه المرحلي. في اجتماع للحركة الصهيونية سنة 1937تحت إشراف بن غوريون ، أعلن عن مخططه الذي لخصه في كلمتين فقط : القوة واللحظة المناسبة ، و شرح لقادة الحركة مخططه فقال :" لا يمكن الحصول على الدولة اليهودية إلا بالقوة، ولكن وجب انتظار اللحظة التاريخية المناسبة للتعامل عسكرياً مع الواقع الديموغرافي لفلسطين ، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار وجود أغلبية سكانية أصلية غير يهودية."
كان بن غوريون يركز في استراتيجيته على العمليات ذات المدى الطويل والحلول الشاملة، ولم يكن ذلك يتماشى مع موقف معظم أعضاء القيادة الصهيونية، الذين كانوا يرون أن احتلال فلسطين يمكن أن يتحقق مرحليا بشراء بعض الأراضي هنا وبعض البيوت هناك، لكن بن غوريون فهم في وقت مبكر جدًا أن هذا الحل لن يكون مجديا ، في نهاية الانتداب، لم تتمكن الحركة الصهيونية من شراء إلا حوالي 6٪ فقط من الأراضي ، لكن رغم ذلك كان بعض القادة الصهاينة الأكثر تحفظًا، مثل موشيه شاريت، يربط بين توطين اليهود في فلسطين وتهجير الفلسطينيين عن طريق شراء أراضيهم ، أشار في لقاء مع قيادة الحركة ،إلى قبيلة فلسطينية كانت تعيش غرب الأردن، تم شراء أراضيها ونقلها إلى شرق نهر الأردن ،في ختام حديثه عن هذه القرية قال :" وبمثل هذا الإجراء سنقلل من عدد العرب في فلسطين"
عام 1942، أعلن بن غوريون أن الحركة الصهيونية تطالب بكامل أرض فلسطين، لأن قادة الحركة تعاملوا مع إعلان بلفور على أنه وعد من بريطانيا يقر بتسليمهم كل فلسطين حينما ينتهي الانتداب ، وبما أنه كان رجلا عمليًا وواقعيا ، كان يصف مطالب الحركة في مؤتمراتها السرية والعلنية ، بعدم الواقعية ،كان يرى من المستحيل الضغط على بريطانيا في الوقت الذي كانت تتصدى فيه لألمانيا النازية.
بعد أن حطت الحرب العالمية أوزارها تغيرت أمور كثيرة ، أصبحت للحكومة البريطانية الجديدة بقيادة كليمنت أتلي، تصورات أخرى بشأن فلسطين، خاصة وأن يهود أوروبا أصبحوا يفضلون الرحيل إلى الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي ، كانوا يفضلون الرحيل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ،بدلاً من الانتقال إلى الشرق الأوسط غير المستقر سياسيا وعسكريا . بدأت الحكومة البريطانية الجديدة عن طريق وزير خارجيتها إرنست بيفن في البحث عن حل يأخذ بعين الاعتبار مصالح اليهود الذين كانوا يعيشون داخل فلسطين، وليس أولئك الذين كانت الحركة الصهيونية تحاول استقطابهم وتهجيرهم. رأت الحركة الصهيونية في النوايا السياسية الجديدة وكأنها تهديد مباشر لأهدافها ،فأخرجت ميليشياتها السرية المسلحة وقامت بأعمال إرهابية ضد مصالح بريطانيا في فلسطين . تعاملت بريطانيا مع هذه الأعمال الإرهابية بنوع من اللين والاستخفاف ، وهو تعامل يختلف كثيرا عن طبيعة تعاملها الشرس مع الثوار الفلسطينيين في ثورة 1936. بعد الحرب العالمية الثانية، استمرت بريطانيا في الحفاظ على تواجد عسكري مهم بفلسطين يقدر ب 100,000 جندي رغم أن عدد السكان لا يتجاوز المليونين.
في أواخر غشت 1946، عقد بن غوريون اجتماعًا مع قادة الحركة الصهيونية في فندق باريسي، اسمه رويال-مونسو، لرسم خطة بديلة لخطة بيلتمور القاضية بشراء الأراضي الفلسطينية وطرد السكان ، في هذا الاجتماع طفت على السطح فكرة التقسيم وهي فكرة قديمة جديدة ، كما نادى بعض القادة بفكرة المطالبة بالاستقلال ولو على جزء صغير من البلاد. كان ناحوم جولدمان يروج لهذا المطلب لدى الحكومة البريطانية في لندن ، كان جولدمان هو العضو الأكثر سلمية في القيادة الصهيونية ، كان يطالب بـ "جزء صغير" من فلسطين ، غير أن سقف مطالبه ، لم يكن يساير طموحات بن غوريون ، حيث قال في هذا الاجتماع :" وإن حصلنا على جزء صغير الآن ، سنطالب مستقبلا بجزء كبير من فلسطين". وجد بن غوريون نفسه مضطرًا لكبح مطالب أعضاء الحركة الصهيونية الأكثر تطرفًا؛ شرح لهم أن 80% إلى 90% من فلسطين التابعة للانتداب كافية لإنشاء دولة قابلة للبقاء، بشرط أن تتمكن الحركة من تحقيق الهيمنة اليهودية فيها. بعد بضعة أشهر من الاجتماع ، قامت الوكالة اليهودية بترجمة عبارة بن غوريون "نطالب بجزء كبير من فلسطين" إلى خريطة، وقامت بتوزيعها على كل الذين يمكن أن يكون لهم تأثير على مستقبل البلاد، كانت خريطة عام 1947 تتصوّر دولة يهودية تشبه إلى حد كبير الكيان الصهيوني قبل عام 1967، أي فلسطين دون الضفة الغربية وقطاع غزة.
خلال كل اجتماعاتهم ، لم يناقش قادة الصهيونية أبدًا احتمال ظهور مقاومة فلسطينية؛ كان همهم الرئيسي هو بريطانيا، كانوا على دراية تامة بالانهيار الكامل للقيادة الفلسطينية ، كما كانوا يعرفون جيدا الموقف المتردد للدول العربية، حيال القضية الفلسطينية، التي أضحت تعيش وضعية حرجة ومقلقة ، تواجه مصيرا مجهولا وخطيرا بسبب سلطة الانتداب البريطاني التي خنقت الحركة التحررية الفلسطينية لسنة 1936، وأصبحت تمثل الحاجز الوحيد الذي يحمي الفلسطينيين من الهجمة الشرسة للحركة الصهيونية، التي تسعى إلى الاستيلاء على جزء كبير من أرض فلسطين ، وتخطط لأكبر عملية تطهير عرقي شهدها العصر الحديث. بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت الظروف مناسبة للحركة الصهيونية لتطبق كل مخططاتها ، خاصة بعد أن بدأ التفكير بجدية في أوروبا بضرورة تعويض الشعب اليهودي ، بتأسيس دولة صهيونية في فلسطين.
بسبب الفراغ السياسي الفلسطيني، لم تكن الحركة الصهيونية تهتم برد فعل الفلسطينيين ، رغم أنهم كانوا يشكلون الأغلبية السكانية ، كما لم تهتم الحركة كثيرا بالموقف العربي ، طرحوا في اجتماعاتهم نظريا سيناريوهات محتملة ، كأن يوجه العرب جيوشهم نحو فلسطين أو يزودوا الفلسطينيين بالسلاح، رغم ضعف هذه الاحتمالات ، كان بن غوريون يشعر بالقلق ، إلى جانب أقرب معاونيه، إلى درجة أصبح الشأن الأمني هاجسًا، يعيشه قادة الحركة الصهيونية ، لكن بن غوريون أداره بعناية فائقة ونجاح كبير ، جعله أولوية أولوياته قبل الاهتمامات الاجتماعية والسياسية الأخرى.
كانت المسألة الأمنية أو "بيتاحون" بالعبرية ، أولوية تسبق كل القضايا الأخرى ، من خلالها يتم تبرير العديد من السياسات الرئيسية كشراء الأسلحة من الخارج، والنضال الداخلي ضد أحزاب أخرى، والتحضير لدولة المستقبل، والاستراتيجية المتبعة ضد السكان الفلسطينيين التي اتخذت طبيعة انتقامية مثيرة للجدل.
ابتداءً من عام 1946، تم تحديد مجموعة شاملة من الأهداف الاستراتيجية لتعزيز وتوحيد الخطط والسيناريوهات المستقبلية ، وقد لعب بن غوريون دورًا حاسمًا في صياغة الرؤية الأمنية للكيان الصهيوني، فعندما أُوكلت إليه عام 1946 حقيبة الدفاع في المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرين، وضعوا بين يديه سلطة التحكم الكامل في جميع قضايا الأمن للجالية اليهودية في فلسطين . رغم أن الوقت لم يحن بعد للإعلان عن قيام الدولة الصهيونية ، إلا أن بن غوريون كان يتصرف في تلك الفترة كوزير للدفاع ورئيس للوزراء ، نظرا لأنه استأثر بسلطة اتخاذ القرارات داخل هذه الحكومة.
حينما اقتربت لحظة حسم مصير الفلسطينيين، تجاهل بن غوريون الهيكل الرسمي واعتمد على هيئات غير رسمية ، لتنفيذ الخطط الجاهزة للاستيلاء على فلسطين وطرد الفلسطينيين . من بين الخطط المعتمدة ، كانت هناك خطة معروفة باسم "إيليميليخ" ، إيليميليخ أفنير، قائد هاغانا في تل أبيب ، بناءً على طلب بن غوريون، وضع هذا القائد خطة لاحتلال فلسطين في حالة انسحاب بريطانيا ، تم إغناؤها بخطط أخرى سنة 1946 منها الخطة المسماة " “C التي تهدف إلى تجهيز القوات العسكرية الصهيونية بالسلاح لتكون جاهزة للهجوم على ريف ومدن فلسطين ، بمجرد رحيل الإنجليز، كان هدف هذه الإجراءات هو ردع السكان ، ومعاقبة كل من اعتدى على المستوطنين اليهود أوالمركبات أو أماكن إقامة اليهود ، فصلت "الخطة “C بشكل واضح العقوبات المحتملة :
• قتل القادة السياسيين الفلسطينيين.
• قتل المحرضين الفلسطينيين وداعميهم الماليين.
• قتل الفلسطينيين الذين قاموا بأعمال ضد اليهود.
• قتل الضباط والمسؤولين الفلسطينيين الاملين مع إدارة الانتداب.
• الاعتداء على وسائل النقل الفلسطينية.
• الاعتداء على وسائل العيش الفلسطينية: الآبار، المطاحن، إلخ.
• مهاجمة القرى الفلسطينية القريبة التي قد تقوم أو تقدم مساعدة في اعتداءات مستقبلية.
• مهاجمة أماكن الاجتماع الفلسطينية، الأندية، المقاهي إلخ.
بعد بضعة أشهر، تم وضع خطة أخرى تعرف باسم " D (داليث)" وهي الخطة التي حسمت مصير الفلسطينيين القاطنين في الأراضي التي كانت تريدها الحركة الصهيونية لإنشاء دولتها المستقبلية،كانت خطة داليث تهدف إلى الطرد الممنهج والكامل للفلسطينيين من أرضهم. يتبع
عن كتاب : Le nettoyage ethnique de la Palestine Ilan Pappé
موضوع الحلقة القادمة : التقسيم والتدمير: القرار الأممي 181 وآثاره
ترجمة وإعداد: عبد المجيد طعام ( بتصرف )