ظهرت الصهيونية في نهاية الثمانينات من القرن التاسع عشر، في وسط وشرق أوروبا كحركة لإحياء الهوية الوطنية اليهودية، لمواجهة الضغوط المتزايدة عليهم في تلك المناطق، كان مؤسس هذه الحركة ثتودور هرتزل، غامضا في اختياراته وأهدافه، بعد وفاته عام 1904، أصبح التوجه نحو احتلال فلسطين ثابتًا ومتفقًا عليه بين كل مؤسسي الحركة الصهيونية. وهكذا مع بداية القرن العشرين، ربط معظم قادة الحركة الصهيونية بين إحياء الهوية الوطنية واحتلال فلسطين.
في الديانة اليهودية تحظى فلسطين بمكانة خاصة، تم تبجيلها على مر القرون من قبل أجيال من اليهود، حيث اعتبروها مكانا للحج المقدس، ولم ينظروا إليها أبدا كدولة يجتمعون فيها، كانت معتقداتهم الدينية تطلب منهم أن ينتظروا قدوم المسيح الموعود، في "آخر الأزمان"، للعودة إلى فلسطين كشعب ذي سيادة في دولة يهودية ذات طابع ثيوقراطي، أي كعبيد مخلصين لله، لهذا هو السبب كانت العديد من الفئات اليهودية كالألترا-أورثودوكسية معادية للمشروع الصهيوني، لأنه يخالف الإرادة الإلهية.
حينما تأسست الحركة الصهيونية قامت بعمل ثنائي، سعت إلى تأسيس كيان علماني وقومي في نفس الوقت، لحقيق هذا المشروع، اعتمد الفكر الصهيوني على المرجعية الدينية، بع أن أعاد صياغتها، لتكون الإطار المرجعي الثابت لحركتهم القومية الجديدة، كما تعاملوا مع أرض فلسطين على أنها أرضهم احتلها الغرباء، ووجبت استعادتها، يقصدون بالغرباء جميع الذين عاشوا بفلسطين منذ عهد الرومان.
ادعى الرعيل الأول من الصهاينة، أن أرض فلسطين كانت فارغة من السكان عندما دخلوها عام 1882، لم يكونوا يرون الفلسطينيين، أو كانوا يعتبرونهم جزءًا من العوائق الطبيعية التي وجب إزالتها، حسب هذا الرعيل لا شيء كان يوجد بفلسطين سوى الصخور والغرباء، لهذا لم يهتموا بأصحاب الأرض الحقيقيين، لم يمثلوا لهم عائقا يحول دون تحقيق مشروعهم القائم على مفهوم "الفداء".
حينما اقتطعت بريطانيا فلسطين من الخلافة العثمانية المريضة عام 1918، كانت الحركة الصهيونية عبارة عن خليط بين الإيديولوجيا القومية والأهداف الاستعمارية، كان نطاق عملها محدودًا، لأن اليهود في تلك الفترة، لم يمثلوا أكثر من 5٪ من عدد السكان الإجمالي، عاشوا في مستوطنات، ولم يكن لديهم تأثير كبير على السكان المحليين، لكن الشعور بالخطر بدأ يتعاظم بسبب طموحات الحركة الصهيونية، والتخطيط لطرد الشعب الفلسطيني.
تشير بعض الوثائق التاريخية التي تعود إلى ما بين 1905 و 1910 ، إلى أن بعض الشخصيات الفلسطينية عرفوا الصهيونية ، بأنها حركة سياسية تهدف إلى شراء الأراضي والممتلكات في فلسطين، لكنهم لم يُدركوا جيدا مدى خطورتها ، كانوا يعتبرون النخبة الصهيونية مجرد بعثة دينية ، لا تختلف عن البعثات الدينية التي مرت بالمنطقة ، وهناك من كان يرى فيها شكلا من أشكال الاستعمار الأوروبي ،لم يدركوا أبدا حقيقة الصهيونية وخطرها على السكان الأصليين ، لكن رغم قصور الرؤية وضعف إدراك الخطر المحدق بفلسطين ، حاولت بعض الشخصيات الفلسطينية البارزة إقناع حكومة الدولة العثمانية في اسطنبول بتقييد أو حظر الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين، معلوم أن فلسطين ظلت تحت الحكم التركي إلى عام 1918.
أمام البرلمان العثماني في 6 مايو 1911 نبه سعيد الحسيني ممثل فلسطين في هذه الهيئة إلى نية اليهود لإقامة دولة بالمنطقة حيث قال: " اليهود لديهم النية في إنشاء دولة في المنطقة، تشمل فلسطين وسوريا والعراق"
سعيد الحسيني - 18781945، سليل أسرة فلسطينية عريقة كان جده الأكبر حسن أفندي الحسيني مفتياً على المدينة في مطلع القرن التاسع عشر، سياسي فلسطيني من القدس، كان أول وزير خارجية في سورية في الأيام الأخيرة من عهد الملك فيصل الأول. هناك وثائق تاريخية تشير إلى أن سعيد الحسيني إلى جانب نخبة من الفلسطينيين ، كانوا يدعون أنهم ضد استعمار الصهاينة لأرض فلسطين ، في حين كانوا يبيعون الأراضي للوافدين من اليهود ،على مر سنين الانتداب الإنجليزي لفلسطين، بدأ يتعاظم الشعور بالخطر لدى النخبة الأكثر إدراكا لما سيحدث ، ولكن دون ترجمة هذا الإدراك إلى فعل مناسبة للحد أو لمواجهة الخطر القادم الذي أصبح يهدد التواجد الفلسطيني على أرضهم .
أما نخب الدول المجاورة، ينظرون إلى ما يحدث أمام اعينهم بشكل غريب ، في مصر مثلا فسر بعض المثقفين تهجير اليهود نحو فلسطين على أنه مجرد محاولة غير مسؤولة من قبل أوروبا للتخلص من أفقر سكانها، الذين كانوا غالباً بدون جنسية، ولم يقوموا أبدا بتحليل ما يحدث كجزء من مخطط كبير يهدف إلى سلب أرض السكان المحليين، في نظرهم، كانت هذه الهجرة من الفقراء تشكل تهديدًا طفيفًا، مقارنة بالخطر الذي كانت تشكله القوى الاستعمارية الأوروبية بكنائسها للاستيلاء على "الأرض المقدسة" .
مع نهاية عام 1917، ظلت خطط الصهاينة ومشاريعهم الفعلية غير واضحة ، كانت أولوياتهم أن يضمنوا تواجدهم بفلسطين ، خاصة وأن جالية اليهود المهاجرين كانت مازالت قليلة العدد ، قد تتعرض للطرد في أي وقت ممكن من طرف حكومة إسطنبول ، لكن الصهاينة كانوا في بعض المواقف يجدون أنفسهم مضطرين للتعبير بكل وضوح عن المستقبل الذي يؤسسون لبناته ، لقد عبروا عن إصرارهم لإنشاء دولة يهودية في فلسطين بالترويج لفكرة "الفداء" الديني لاسترجاع "وطن قديم" ، كانوا يفصحون عن مشروعهم لمواجهة أهداف الجمعيات المسيحية ،التي كانت تسعى إلى خطف فلسطين من الإمبراطورية العثمانية من أجل تأسيس فلسطين "المسيحية" ، لكن كان أكثر الغربيين تديناً يعتبرون عودة اليهود إلى فلسطين ، جزءا من خطة الله التي ستؤدي إلى عودة المسيح ،وإنشاء دولة دينية هناك.
لقد دفع هذا الحماس الديني السياسيين المتدينين إلى التحرك بشكل حاسم، لدعم نجاح المشروع الصهيوني، على سبيل المثال، ديفيد لويد جورج) 1863 - 1945 رئيس الوزراء البريطاني ( كان يشرح لحكومته لماذا يجب أن تستوطن الحركة الصهيونية فلسطين، وطرح العديد من الاعتبارات التي يراها استراتيجية، تستند في الغالب على مشاعر الحقد واحتقار العرب والمسلمين. كانت غالبية جهود المستوطنين الأوائل بفلسطين مكرسة لشراء الأراضي، وولوج سوق العمل المحلي، وإنشاء شبكات اجتماعية ومجتمعية من القادمين الجدد لدعم الصهيونية التي كانت هشة اقتصادياً. طرحت آنذاك العديد من الاستراتيجيات حول أفضل طريقة للاستيلاء على فلسطين، كان هناك توجه يدعو إلى الاستيلاء على فلسطين بأكملها، لإقامة الدولة-الأمة عليها، وتوجه يدعو إلى الاستيلاء التدريجي من الجزء إلى الكل.
حينما وعد اللورد بلفور، وزير خارجية بريطانيا، حركة الصهيونية عام 1917 بخلق موطن وطني لليهود في فلسطين، فقد فتح الباب أمام نزاع لا نهاية له، أدى إلى ابتلاع البلاد وطرد سكانها في نهاية المطاف، في النص الذي صاغه بلفور نيابة عن حكومته، التزم بحماية تطلعات السكان غير اليهود، وهو وصف غريب للغاية للأغلبية الساحقة وهم أصحاب الأرض، لكن إعلانه اصطدم على الفور مع التطلعات الطبيعية للفلسطينيين المتمثلة في الاستقلال .
لقد أدى وعد بلفور إلى اندلاع العنف، وأسفر عن مقتل المئات من الفلسطينيين واليهود في نفس الوقت، هذا ما دفع البريطانيين، على الرغم من ترددهم، إلى محاولة البحث عن حل للنزاع الذي بداء يتصاعد. بشكل مخيف ، إلى حدود عام 1928، كانت الحكومة البريطانية تعامل فلسطين كدولة تحت نفوذها، لا كمستعمرة، ورأت أنها يمكن أن تحقق وعدها لليهود وفي نفس الوقت تلبي طموحات الفلسطينيين ، لهذا حاولت أن تقيم هيكلا سياسيا ثنائيا يُمثل فيه اليهود والفلسطينيون على قدم المساواة في هيئة برلمانية وحكومة ائتلافية ، لكن هذا الإجراء كان صعب التحقيق ، لأن تحت ضغط اللوبي الصهيوني مال البريطانيون إلى اليهود على حساب الفلسطينيين ، وإن كانوا يمثلون نسبة تتراوح بين 80 إلى 90% من عدد السكان الإجمالي، رفض الفلسطينيون أن تكون كل السلط في يد الأقلية اليهودية ، كما أدانوا عدم وفاء الحكومة البريطانية بوعودها ، فاندلعت انتفاضة 1929، بعد اندلاع هذه الانتفاضة ، أبدت حكومة حزب العمال بلندن أكثر من أي وقت مضى استعدادها لتلبية مطالب الفلسطينيين، لكن لوبي الصهيونية نجح مرة الأخرى في الضغط على الحكومة العمالية لتتراجع عن وعودها للفلسطينيين ،ما جعل أمر اندلاع انتفاضة جديدة مسألة وقت فقط .
سنة 1936 اندلعت انتفاضة شعبية عارمة، قاتل الثوار الفلسطينيون البريطانيين لتحقيق استقلالهم، ما أجبر بريطانيا على نشر المزيد من القوات في فلسطين، يفوق عدد ما نشرته في مستعمرتها الهند، استمر القتال ثلاث سنوات، ابانت فيه بريطانيا على وحشية كبيرة وعزم على خنق الانتفاضة الشعبية مهما كانت النتيجة. أسفر القتال عن مئات القتلى من سكان الريف الفلسطيني، وتمكنت من قمع الانتفاضة، ونفي القيادة الفلسطينية، وحل الوحدات شبه العسكرية التي قادت الانتفاضة ضد قوات الانتداب.
استغل الصهاينة غياب معظم القادة الفلسطينيين والمجموعات القتالية، لم يفوتوا الفرصة لتنفيذ مخططاتهم، وتعزيز الوجود اليهودي في فلسطين، في بداية الأمر أي سنة 1937 قبلوا بحصر تواجدهم في جزء ضئيل من فلسطين، مستجيبين لتوصية اللجنة الملكية البريطانية المسماة لجنة بيل (Peel Commission) وتعرف رسميا باسم اللجنة الملكية لفلسطين ، التي اقترحت تقسيم فلسطين إلى دولتين. لجنة بيل هي لجنة تحقيق ملكية بريطانية رفيعة المستوى ،عينت لاقتراح تغييرات على الانتداب البريطاني على فلسطين في أعقاب اندلاع الثورة العربية في فلسطين من سنة 1936إلى سنة 1939. في 11 نوفمبر 1936 وصلت لجنة بيل فلسطين للتحقيق في أسباب الانتفاضة، وعادت إلى بريطانيا في يناير 1937، بتقرير عن الانتفاضة نشر في 8 يوليوز 1937 وتضمن اقتراحًا بإنشاء ثلاث أقاليم في فلسطين، إقليم تحت الانتداب البريطاني ، يضم القدس وبيت لحم ويافا على البحر المتوسط، ودولة يهودية في الجليل، والجزء الأكبر من السواحل الغربية، على أن تتشكل وحدة بين باقي أراضي فلسطين مع شرق الأردن ويكونان دولة عربية موحدة ، يعد اقتراح لجنة بيل أول طرح لفكرة تقسيم فلسطين، كما يعد مقدمة لسلسلة مستمرة من مشاريع التسوية التي دعمتها الدول الكبرى، والتي تركزت كلها على تأسيس دولة لليهود في فلسطين، وتوفير أسباب البقاء لها، دون اعتبار للأغلبية العربية.
عام 1942، طالب الصهاينة بكل فلسطين وهذا ما كان يتماشى مع هدفهم المركزي المتمثل في إنشاء دولة يهودية خالصة ذات عرق يهودي على كل أرض فلسطين.
في الديانة اليهودية تحظى فلسطين بمكانة خاصة، تم تبجيلها على مر القرون من قبل أجيال من اليهود، حيث اعتبروها مكانا للحج المقدس، ولم ينظروا إليها أبدا كدولة يجتمعون فيها، كانت معتقداتهم الدينية تطلب منهم أن ينتظروا قدوم المسيح الموعود، في "آخر الأزمان"، للعودة إلى فلسطين كشعب ذي سيادة في دولة يهودية ذات طابع ثيوقراطي، أي كعبيد مخلصين لله، لهذا هو السبب كانت العديد من الفئات اليهودية كالألترا-أورثودوكسية معادية للمشروع الصهيوني، لأنه يخالف الإرادة الإلهية.
حينما تأسست الحركة الصهيونية قامت بعمل ثنائي، سعت إلى تأسيس كيان علماني وقومي في نفس الوقت، لحقيق هذا المشروع، اعتمد الفكر الصهيوني على المرجعية الدينية، بع أن أعاد صياغتها، لتكون الإطار المرجعي الثابت لحركتهم القومية الجديدة، كما تعاملوا مع أرض فلسطين على أنها أرضهم احتلها الغرباء، ووجبت استعادتها، يقصدون بالغرباء جميع الذين عاشوا بفلسطين منذ عهد الرومان.
ادعى الرعيل الأول من الصهاينة، أن أرض فلسطين كانت فارغة من السكان عندما دخلوها عام 1882، لم يكونوا يرون الفلسطينيين، أو كانوا يعتبرونهم جزءًا من العوائق الطبيعية التي وجب إزالتها، حسب هذا الرعيل لا شيء كان يوجد بفلسطين سوى الصخور والغرباء، لهذا لم يهتموا بأصحاب الأرض الحقيقيين، لم يمثلوا لهم عائقا يحول دون تحقيق مشروعهم القائم على مفهوم "الفداء".
حينما اقتطعت بريطانيا فلسطين من الخلافة العثمانية المريضة عام 1918، كانت الحركة الصهيونية عبارة عن خليط بين الإيديولوجيا القومية والأهداف الاستعمارية، كان نطاق عملها محدودًا، لأن اليهود في تلك الفترة، لم يمثلوا أكثر من 5٪ من عدد السكان الإجمالي، عاشوا في مستوطنات، ولم يكن لديهم تأثير كبير على السكان المحليين، لكن الشعور بالخطر بدأ يتعاظم بسبب طموحات الحركة الصهيونية، والتخطيط لطرد الشعب الفلسطيني.
تشير بعض الوثائق التاريخية التي تعود إلى ما بين 1905 و 1910 ، إلى أن بعض الشخصيات الفلسطينية عرفوا الصهيونية ، بأنها حركة سياسية تهدف إلى شراء الأراضي والممتلكات في فلسطين، لكنهم لم يُدركوا جيدا مدى خطورتها ، كانوا يعتبرون النخبة الصهيونية مجرد بعثة دينية ، لا تختلف عن البعثات الدينية التي مرت بالمنطقة ، وهناك من كان يرى فيها شكلا من أشكال الاستعمار الأوروبي ،لم يدركوا أبدا حقيقة الصهيونية وخطرها على السكان الأصليين ، لكن رغم قصور الرؤية وضعف إدراك الخطر المحدق بفلسطين ، حاولت بعض الشخصيات الفلسطينية البارزة إقناع حكومة الدولة العثمانية في اسطنبول بتقييد أو حظر الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين، معلوم أن فلسطين ظلت تحت الحكم التركي إلى عام 1918.
أمام البرلمان العثماني في 6 مايو 1911 نبه سعيد الحسيني ممثل فلسطين في هذه الهيئة إلى نية اليهود لإقامة دولة بالمنطقة حيث قال: " اليهود لديهم النية في إنشاء دولة في المنطقة، تشمل فلسطين وسوريا والعراق"
سعيد الحسيني - 18781945، سليل أسرة فلسطينية عريقة كان جده الأكبر حسن أفندي الحسيني مفتياً على المدينة في مطلع القرن التاسع عشر، سياسي فلسطيني من القدس، كان أول وزير خارجية في سورية في الأيام الأخيرة من عهد الملك فيصل الأول. هناك وثائق تاريخية تشير إلى أن سعيد الحسيني إلى جانب نخبة من الفلسطينيين ، كانوا يدعون أنهم ضد استعمار الصهاينة لأرض فلسطين ، في حين كانوا يبيعون الأراضي للوافدين من اليهود ،على مر سنين الانتداب الإنجليزي لفلسطين، بدأ يتعاظم الشعور بالخطر لدى النخبة الأكثر إدراكا لما سيحدث ، ولكن دون ترجمة هذا الإدراك إلى فعل مناسبة للحد أو لمواجهة الخطر القادم الذي أصبح يهدد التواجد الفلسطيني على أرضهم .
أما نخب الدول المجاورة، ينظرون إلى ما يحدث أمام اعينهم بشكل غريب ، في مصر مثلا فسر بعض المثقفين تهجير اليهود نحو فلسطين على أنه مجرد محاولة غير مسؤولة من قبل أوروبا للتخلص من أفقر سكانها، الذين كانوا غالباً بدون جنسية، ولم يقوموا أبدا بتحليل ما يحدث كجزء من مخطط كبير يهدف إلى سلب أرض السكان المحليين، في نظرهم، كانت هذه الهجرة من الفقراء تشكل تهديدًا طفيفًا، مقارنة بالخطر الذي كانت تشكله القوى الاستعمارية الأوروبية بكنائسها للاستيلاء على "الأرض المقدسة" .
مع نهاية عام 1917، ظلت خطط الصهاينة ومشاريعهم الفعلية غير واضحة ، كانت أولوياتهم أن يضمنوا تواجدهم بفلسطين ، خاصة وأن جالية اليهود المهاجرين كانت مازالت قليلة العدد ، قد تتعرض للطرد في أي وقت ممكن من طرف حكومة إسطنبول ، لكن الصهاينة كانوا في بعض المواقف يجدون أنفسهم مضطرين للتعبير بكل وضوح عن المستقبل الذي يؤسسون لبناته ، لقد عبروا عن إصرارهم لإنشاء دولة يهودية في فلسطين بالترويج لفكرة "الفداء" الديني لاسترجاع "وطن قديم" ، كانوا يفصحون عن مشروعهم لمواجهة أهداف الجمعيات المسيحية ،التي كانت تسعى إلى خطف فلسطين من الإمبراطورية العثمانية من أجل تأسيس فلسطين "المسيحية" ، لكن كان أكثر الغربيين تديناً يعتبرون عودة اليهود إلى فلسطين ، جزءا من خطة الله التي ستؤدي إلى عودة المسيح ،وإنشاء دولة دينية هناك.
لقد دفع هذا الحماس الديني السياسيين المتدينين إلى التحرك بشكل حاسم، لدعم نجاح المشروع الصهيوني، على سبيل المثال، ديفيد لويد جورج) 1863 - 1945 رئيس الوزراء البريطاني ( كان يشرح لحكومته لماذا يجب أن تستوطن الحركة الصهيونية فلسطين، وطرح العديد من الاعتبارات التي يراها استراتيجية، تستند في الغالب على مشاعر الحقد واحتقار العرب والمسلمين. كانت غالبية جهود المستوطنين الأوائل بفلسطين مكرسة لشراء الأراضي، وولوج سوق العمل المحلي، وإنشاء شبكات اجتماعية ومجتمعية من القادمين الجدد لدعم الصهيونية التي كانت هشة اقتصادياً. طرحت آنذاك العديد من الاستراتيجيات حول أفضل طريقة للاستيلاء على فلسطين، كان هناك توجه يدعو إلى الاستيلاء على فلسطين بأكملها، لإقامة الدولة-الأمة عليها، وتوجه يدعو إلى الاستيلاء التدريجي من الجزء إلى الكل.
حينما وعد اللورد بلفور، وزير خارجية بريطانيا، حركة الصهيونية عام 1917 بخلق موطن وطني لليهود في فلسطين، فقد فتح الباب أمام نزاع لا نهاية له، أدى إلى ابتلاع البلاد وطرد سكانها في نهاية المطاف، في النص الذي صاغه بلفور نيابة عن حكومته، التزم بحماية تطلعات السكان غير اليهود، وهو وصف غريب للغاية للأغلبية الساحقة وهم أصحاب الأرض، لكن إعلانه اصطدم على الفور مع التطلعات الطبيعية للفلسطينيين المتمثلة في الاستقلال .
لقد أدى وعد بلفور إلى اندلاع العنف، وأسفر عن مقتل المئات من الفلسطينيين واليهود في نفس الوقت، هذا ما دفع البريطانيين، على الرغم من ترددهم، إلى محاولة البحث عن حل للنزاع الذي بداء يتصاعد. بشكل مخيف ، إلى حدود عام 1928، كانت الحكومة البريطانية تعامل فلسطين كدولة تحت نفوذها، لا كمستعمرة، ورأت أنها يمكن أن تحقق وعدها لليهود وفي نفس الوقت تلبي طموحات الفلسطينيين ، لهذا حاولت أن تقيم هيكلا سياسيا ثنائيا يُمثل فيه اليهود والفلسطينيون على قدم المساواة في هيئة برلمانية وحكومة ائتلافية ، لكن هذا الإجراء كان صعب التحقيق ، لأن تحت ضغط اللوبي الصهيوني مال البريطانيون إلى اليهود على حساب الفلسطينيين ، وإن كانوا يمثلون نسبة تتراوح بين 80 إلى 90% من عدد السكان الإجمالي، رفض الفلسطينيون أن تكون كل السلط في يد الأقلية اليهودية ، كما أدانوا عدم وفاء الحكومة البريطانية بوعودها ، فاندلعت انتفاضة 1929، بعد اندلاع هذه الانتفاضة ، أبدت حكومة حزب العمال بلندن أكثر من أي وقت مضى استعدادها لتلبية مطالب الفلسطينيين، لكن لوبي الصهيونية نجح مرة الأخرى في الضغط على الحكومة العمالية لتتراجع عن وعودها للفلسطينيين ،ما جعل أمر اندلاع انتفاضة جديدة مسألة وقت فقط .
سنة 1936 اندلعت انتفاضة شعبية عارمة، قاتل الثوار الفلسطينيون البريطانيين لتحقيق استقلالهم، ما أجبر بريطانيا على نشر المزيد من القوات في فلسطين، يفوق عدد ما نشرته في مستعمرتها الهند، استمر القتال ثلاث سنوات، ابانت فيه بريطانيا على وحشية كبيرة وعزم على خنق الانتفاضة الشعبية مهما كانت النتيجة. أسفر القتال عن مئات القتلى من سكان الريف الفلسطيني، وتمكنت من قمع الانتفاضة، ونفي القيادة الفلسطينية، وحل الوحدات شبه العسكرية التي قادت الانتفاضة ضد قوات الانتداب.
استغل الصهاينة غياب معظم القادة الفلسطينيين والمجموعات القتالية، لم يفوتوا الفرصة لتنفيذ مخططاتهم، وتعزيز الوجود اليهودي في فلسطين، في بداية الأمر أي سنة 1937 قبلوا بحصر تواجدهم في جزء ضئيل من فلسطين، مستجيبين لتوصية اللجنة الملكية البريطانية المسماة لجنة بيل (Peel Commission) وتعرف رسميا باسم اللجنة الملكية لفلسطين ، التي اقترحت تقسيم فلسطين إلى دولتين. لجنة بيل هي لجنة تحقيق ملكية بريطانية رفيعة المستوى ،عينت لاقتراح تغييرات على الانتداب البريطاني على فلسطين في أعقاب اندلاع الثورة العربية في فلسطين من سنة 1936إلى سنة 1939. في 11 نوفمبر 1936 وصلت لجنة بيل فلسطين للتحقيق في أسباب الانتفاضة، وعادت إلى بريطانيا في يناير 1937، بتقرير عن الانتفاضة نشر في 8 يوليوز 1937 وتضمن اقتراحًا بإنشاء ثلاث أقاليم في فلسطين، إقليم تحت الانتداب البريطاني ، يضم القدس وبيت لحم ويافا على البحر المتوسط، ودولة يهودية في الجليل، والجزء الأكبر من السواحل الغربية، على أن تتشكل وحدة بين باقي أراضي فلسطين مع شرق الأردن ويكونان دولة عربية موحدة ، يعد اقتراح لجنة بيل أول طرح لفكرة تقسيم فلسطين، كما يعد مقدمة لسلسلة مستمرة من مشاريع التسوية التي دعمتها الدول الكبرى، والتي تركزت كلها على تأسيس دولة لليهود في فلسطين، وتوفير أسباب البقاء لها، دون اعتبار للأغلبية العربية.
عام 1942، طالب الصهاينة بكل فلسطين وهذا ما كان يتماشى مع هدفهم المركزي المتمثل في إنشاء دولة يهودية خالصة ذات عرق يهودي على كل أرض فلسطين.
عبد المجيد طعام، ترجمة وإعداد( بتصرف)
(يتبع)
عن كتاب : Le nettoyage ethnique de la Palestine Ilan Pappé
عن كتاب : Le nettoyage ethnique de la Palestine Ilan Pappé