Saturday 17 May 2025
سياسة

فتوى المغاربة فـي رمضان: زواج المال بالسلطة حرام

فتوى المغاربة فـي رمضان: زواج المال بالسلطة حرام أثبت‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬عزيز‭ ‬أخنوش‭ ‬أنه‭ ‬خاسر كبير ‬في‭ ‬كل‭ ‬حرب
لم‭ ‬يعد‭ ‬الفلاحون‭ ‬المغاربة‭ ‬ينتظرون‭ ‬هطول‭ ‬المطر،‭ ‬ولا‭ ‬العمال‭ ‬يترقبون‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الأجور‭. ‬الجميع‭ ‬ينتظر‭ ‬إطلاق‭ ‬عملية‭ ‬إنقاذ‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الجوع،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يحررها‭ ‬من‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الأسعار،‭ ‬وإلى‭ ‬من‭ ‬يُخَلِّصها‭ ‬من‭ ‬سماسرة‭ ‬الأغذية،‭ ‬ومن‭ ‬الشلل‭ ‬الحكومي‭ ‬المستعصي‭ ‬الذي‭ ‬اكتفى‭ ‬برفع‭ ‬يده‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬لتصحيح‭ ‬معادلة‭ ‬الأسعار،‭ ‬تجنبا‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يهدد‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬للمغاربة‭.‬

لقد‭ ‬أثبت‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة،‭ ‬عزيز‭ ‬أخنوش،‭ ‬أنه‭ ‬خاسر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حرب،‭ ‬كما‭ ‬أثبت‭ ‬أن‭ ‬الاحتماء‭ ‬بالأسلاك‭ ‬الشائكة‭ ‬المكهربة‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬ليس‭ ‬حلا‭ ‬ناجعا‭ ‬لدحض‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬يعيشه‭ ‬المغاربة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬أجراس‭ ‬الاحتجاج‭ ‬الشعبي‭ ‬اتسع‭ ‬نطاق‭ ‬سماعها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأرجاء‭. ‬ والمسؤول‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الغضب‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬(شتنبر 2021) استعراضا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬جعل‭ ‬المغاربة‭ ‬يصدقون‭ ‬أن‭ ‬"الوطن‭ ‬لا‭ ‬يحتضر"‭.
 
‬لقد‭ ‬قال‭ ‬حرفيا‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الرابعة‭ ‬لـ‭ ‬"جامعة‭ ‬شباب‭ ‬الأحرار"،‭ ‬التي‭ ‬انعقدت‭ ‬بأكادير،‭ ‬إن‭ ‬"تجاوز‭ ‬الأزمة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتأتى‭ ‬بالفهامات‭ ‬والهضرة‭ ‬الخاوية،‭ ‬احنا‭ ‬الناس‭ ‬اختارونا‭ ‬لأنهم‭ ‬عارفين‭ ‬منين‭ ‬جينا‭ ‬وفين‭ ‬كبرنا‭ ‬وعلاش‭ ‬دخلنا‭ ‬للسياسة،‭ ‬ويعرفون‭ ‬أننا‭ ‬نتحلى‭ ‬بالوطنية‭ ‬الصادقة‭ ‬والحب‭ ‬الصادق‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬وللملك‭ ‬والمغاربة،‭ ‬ونريد‭ ‬بلدنا‭ ‬في‭ ‬مراتب‭ ‬متقدمة،‭ ‬لأن‭ ‬لدينا‭ ‬جميع‭ ‬ظروف‭ ‬النجاح"‭. ‬فأين‭ ‬هو‭ ‬النجاح‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬عنه‭ ‬المسؤول‭ ‬الحكومي‭ ‬الأول؟‭ ‬وأين‭ ‬هي‭ ‬الحكامة‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها؟‭ ‬وأين‭ ‬هي‭ ‬الوطنية‭ ‬الصادقة؟‭ ‬وأين‭ ‬هو‭ ‬فن‭ ‬إنجاح‭ ‬المقاولة؟‭ ‬وأين‭ ‬هي‭ ‬الثروة‭ ‬التي‭ ‬وعدنا‭ ‬بجلبها‭ ‬إلى‭ ‬البلاد؟
 
لقد‭ ‬نجح‭ ‬أخنوش‭ ‬في‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬الجوع،‭ ‬علما‭ ‬أنه‭ ‬المسؤول‭ ‬المباشر‭ ‬عن‭ ‬"المخطط‭ ‬الأحضر"‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬للمغرب‭ ‬أمنه‭ ‬الغذائي،‭ ‬كما‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬الحقول‭ ‬الزراعية‭ ‬الوطنية‭ ‬بالصادرات‭ ‬عوض‭ ‬سنابل‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي،‭ ‬وفي‭ ‬الصمود‭ ‬على‭ ‬الكرسي،‭ ‬والتصدي‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يقترب‭ ‬منه،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬السلاح‭ ‬هو‭ ‬الافتراء‭ ‬والمغالطة‭ ‬والأكاذيب‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تنطل‭ ‬على‭ ‬أحد‭. ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬تمزيق‭ ‬دفاتر‭ ‬الوعود‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬داوم‭ ‬على‭ ‬إطلاقها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬فشله‭ ‬الذريع‭  ‬والمشين‭. ‬
 
لقد‭ ‬وعد‭ ‬أخنوش‭ ‬بأنه‭ ‬سيستيقظ‭ ‬قبل‭ ‬الجميع‭ ‬لتدعيم‭ ‬ركائز‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وخلق‭ ‬فرص‭ ‬شغل‭ ‬للجميع،‭ ‬والحكامة‭. ‬وعد‭ ‬بـ‭ ‬"مدخول‭ ‬كرامة"‭ ‬لفائدة‭ ‬المسنين،‭ ‬يستفيد‭ ‬منه‭ ‬البالغون‭ ‬65‭ ‬عاما‭ ‬فما‭ ‬فوق،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬تحقق‭. ‬وعد‭ ‬بمنح‭ ‬الأسر‭ ‬المعوزة‭ ‬تعويضات‭ ‬تبلغ‭ ‬300‭ ‬درهم‭ ‬لكل‭ ‬طفل‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ثلاثة‭ ‬أطفال‭ ‬لدعم‭ ‬التمدرس،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬تحقق؛‭ ‬وعد‭ ‬بتقديم‭ ‬دعم‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭ ‬للأشخاص‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬إعاقة،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬تحقق؛‭ ‬وعد‭ ‬بجعْل‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬4‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬عبر‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬المبتكرة،‭ ‬وخلق‭ ‬فرص‭ ‬الشغل‭ ‬وخفض‭ ‬معدلات‭ ‬الفقر‭ ‬وغيرها،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬تحقق؛‭ ‬وعد‭ ‬بإحداث‭ ‬"الدخل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتماسك‭ ‬وكرامة‭ ‬الأسر‭ ‬المغربية"،‭ ‬والمتعلق‭ ‬بمنحة‭ ‬ولادة‭ ‬قدرها‭ ‬2000‭ ‬درهم‭ ‬للطفل‭ ‬الأول‭ ‬و1000 درهم‭ ‬للطفل‭ ‬الثاني،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬تجقق؛‭ ‬وعد‭ ‬بإحداث‭ ‬مليون‭ ‬منصب‭ ‬شغل،‭ ‬ولاشيء‭ ‬تحقق؛‭ ‬وعد‭  ‬بإخراج‭ ‬مليون‭ ‬أسرة‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬والهشاشة،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬تحقق،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الضغط‭ ‬ازداد‭ ‬على‭ ‬الأسر‭ ‬المغربية‭ ‬بسبب‭ ‬الارتفاع‭ ‬المستمر‭ ‬للأسعار‭ ‬وإثقال‭ ‬كاهل‭ ‬الأسر‭ ‬وقدرتها‭ ‬الشرائية،‭  ‬حيث‭ ‬سجلت‭ ‬المندوبية‭ ‬السامية‭ ‬للتخطيط‭ ‬أن‭ ‬أزيد‭ ‬من‭  ‬79%‭  ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬تدهور‭ ‬مستوى‭ ‬معيشتها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬الوضع‭ ‬المالي‭ ‬لأزيد‭ ‬من‭ ‬50 %‭ ‬من‭  ‬الأسر‭.‬
 
وإذا‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬يرجع‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬إلى‭ ‬سوء‭ ‬حظ‭ ‬أخنوش‭ ‬الذي‭ ‬"عاكسه"‭ ‬الجفاف‭ ‬وموسمية‭ ‬المنتجات‭ ‬الزراعية‭ ‬والسياق‭ ‬الدولي‭ ‬المتأزم‭ ‬بسبب‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وسباق‭ ‬الزعامة‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬والصين،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬مردود‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬جهتين:
‬الجهة‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬التصريحات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لأحمد‭ ‬الحليمي،‭ ‬المندوب‭ ‬السامي‭ ‬للتخطيط،‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬«زيادة‭ ‬الأسعار‭ ‬ستصبح‭ ‬هيكلية‭ ‬في‭ ‬المغرب»‭ ‬و«أننا‭ ‬اليوم‭ ‬ننتج‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬كنا‭ ‬ننتج‭ ‬سابقا،‭ ‬لذلك‭ ‬يوجد‭ ‬مشكل‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬العرض»،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬«التضخم‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬السلع‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬الدولية،‭ ‬ولكنه‭ ‬مدفوع‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬بارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية،‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬إنتاجها‭ ‬محليا‭ ‬في‭ ‬المغرب»،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬«يجب‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬التضخم‭ ‬أصبح‭ ‬حقيقة‭ ‬هيكلية‭ ‬داخل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المحلي،‭ ‬ويجب‭ ‬التعايش‭ ‬معه،‭ ‬ومواجهته‭ ‬بثورة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬الإنتاج»‭.‬

 
إن‭ ‬الخلاصة‭ ‬التي‭ ‬توصل‭ ‬إليها‭ ‬المندوب‭ ‬السامي‭ ‬للتخطيط‭ ‬ترتبط‭ ‬ارتباطا‭ ‬وثيقا‭ ‬بالجهة‭ ‬الثانية،‭ ‬ويتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالفلاحة‭ ‬التي‭ ‬قال‭ ‬إنها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬«ثورة‭ ‬حقيقية‭ ‬لتغيير‭ ‬نظام‭ ‬الإنتاج،‭ ‬والعمل‭ ‬سريعا‭ ‬لتحقيق‭ ‬السيادة‭ ‬الغذائية،‭ ‬وإنتاج‭ ‬ما‭ ‬نستهلكه‭ ‬أولا،‭ ‬مع‭ ‬تحقيق‭ ‬أقصى‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬التقني‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬لتحسين‭ ‬مردودية‭ ‬الإنتاج»‭. ‬فمن‭ ‬أوصل‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬وإلى‭ ‬هذا‭ ‬الضغط‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي؟
 
لقد‭ ‬قضى‭ ‬أخنوش،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬رئيسا‭ ‬للحكومة،‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬وزارة‭ ‬الفلاحة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬مسؤولية‭ ‬بلوة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الغذائية‭ ‬كانت‭ ‬ملقاة‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬لتكون‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬منأى‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬أزمات‭ ‬منتظرة،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الجفاف‭ ‬والندرة‭ ‬المائية،‭ ‬كما‭ ‬أنه،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الأساس،‭ ‬هو‭ ‬مهندس‭ ‬المخطط‭ ‬الأخضر‭ ‬والمشرف‭ ‬على‭ ‬تنزيله،‭ ‬وهو‭ ‬المخطط‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬يرعاه‭ ‬منذ‭ ‬منذ‭ ‬2007،‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬عباس‭ ‬الفاسي‭. ‬حيث‭ ‬استعان‭ ‬الوزير‭ ‬أخنوش،‭ ‬آنذاك،‭ ‬بمكتب‭ ‬دراسات‭ ‬أميركي‭ ‬لإعداد‭ ‬هذا‭ ‬المخطط‭ ‬الاستراتيجي‭. ‬وهو‭ ‬المخطط‭ ‬الذي‭ ‬تبنّته‭ ‬حكومتا‭ ‬الإسلاميين‭ ‬«عبد‭ ‬الإله‭ ‬بنكيران‭ ‬وسعد‭ ‬الدين‭ ‬العثماني»‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتبوأ‭ ‬وزير‭ ‬الفلاحة‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سؤال‭ ‬إذا‭ ‬علمنا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يقود‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬الأزمة‭ ‬الغذائية‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬منها‭ ‬المغرب،‭ ‬وهو‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬غلاء‭ ‬الأسعار،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية‭ ‬«أزمة‭ ‬مستوردة»‭ ‬و«عابرة»‭ ‬و«مؤقتة»،‭ ‬وأن‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬قضية‭ ‬مرحلية‭.‬
 
لقد‭ ‬سبق‭ ‬لعزيز‭ ‬أخنوش‭ ‬أن‭ ‬التزم‭ ‬أمام‭ ‬المغاربة‭ ‬بتحقيق‭ ‬«ثورة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬بالمغرب»،‭ ‬وأن‭ ‬مخططه‭ ‬الأخضر‭ ‬سيحقق‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬كثروة‭ ‬إضافية‭ ‬للقطاع،‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬2020‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬أخنوش،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬المخطط،‭ ‬عاجز‭ ‬الآن‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬مما‭ ‬يضع‭ ‬أمننا‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬خطر،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يهدد‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬للبلاد،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬رقعة‭ ‬الغضب‭ ‬تتسع،‭ ‬وما‭ ‬دام‭ ‬التوتر‭ ‬آخذ‭ ‬في‭ ‬التصاعد‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬شريحة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المواطنين،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المخطط‭ ‬الأخضر‭ ‬ركز‭ ‬وجوده،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬الحاجات‭ ‬الأساسية‭ ‬للمغاربة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬الموجه‭ ‬نحو‭ ‬التصدير‭ ‬بكلفة‭ ‬مائية‭ ‬باهظة،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬المواطن‭ ‬المغربي،‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬يشترى‭ ‬منتجات‭ ‬محلية‭ ‬(الطماطم،‭ ‬البصل،‭ ‬البطاطس،‭ ‬الفلفل‭ ‬الأحمر،‭ ‬السردين‭..‬)‭ ‬بأثمنة‭ ‬تفوق‭ ‬سعر‭ ‬بيعها‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭.‬
 
فماذا‭ ‬سينتظر‭ ‬هذا‭ ‬المواطن‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬كان‭ ‬هو‭  ‬السبب‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية؟‭ ‬وبماذا‭ ‬سيبرر‭ ‬أخنوش‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬الذريع‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬للمواطن‭ ‬أن‭ ‬يقتنع‭ ‬بأن‭ ‬رهينة‭ ‬لتقلبات‭ ‬الأسعار‭ ‬الدولية؟
 
لقد‭ ‬ظل‭ ‬عزيز‭ ‬أخنوش‭ ‬رافضا‭ ‬لأي‭ ‬تقييم‭ ‬لمخططه‭ ‬الأخضر‭  ‬وها‭ ‬الأزمة‭ ‬تكشف‭ ‬المستور،‭ ‬حيث‭ ‬تحذر‭ ‬كل‭ ‬التقارير،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تقرير‭ ‬المندوبية‭ ‬للتخطيط،‭ ‬من‭ ‬ندرة‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬وغلائها‭ ‬الفاحش،‭ ‬مما‭ ‬يقتضي‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬«مخطط‭ ‬أخنوش‭ ‬الأخضر»‭ ‬نحو‭ ‬مخطط‭ ‬استراتيجي‭ ‬وطني‭ ‬يمنح‭ ‬الأولوية‭ ‬للمواطنين‭ ‬المغاربة،‭ ‬بدل‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الوطن‭ ‬كمقاولة‭ ‬إنتاجية‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬بلدا‭ ‬فلاحيا‭ ‬يصدر‭ ‬الحبوب‭ ‬والتمور‭ ‬والزيوت،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬إمساك‭ ‬أخنوش‭ ‬بمقود‭ ‬الحكومة،‭ ‬جعله‭ ‬يدبر‭ ‬البلاد‭ ‬بمنطق‭ ‬«الطاشرون»‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬«الصفقات‭ ‬الرابحة»،‭ ‬ناسيا‭ ‬أن‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬قرارات‭ ‬للإمضاء،‭ ‬بل‭ ‬ممارسة‭ ‬سياسية‭ ‬لتدبير‭ ‬مرحلة‭ ‬بكل‭ ‬تعقيداتها‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬حلحلة‭ ‬الوضع‭ ‬وإيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬لكل‭ ‬المشاكل‭ ‬القائمة،‭ ‬وتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬القرارات‭ ‬والمآلات‭ ‬أمام‭ ‬المواطنين‭. ‬كما‭ ‬يعني‭ ‬التحلي‭ ‬بالنزاهة‭ ‬الفكرية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الجرأة‭ ‬على‭ ‬«النقد‭ ‬الذاتي»‭.‬
 
 ‬لقد‭ ‬وضع‭ ‬عزيز‭ ‬أخنوش‭ ‬الشعب‭ ‬على‭ ‬مسافة،‭ ‬وعوض‭ ‬أن‭ ‬ينتج‭ ‬«الثروة»‭ ‬التي‭ ‬وعده‭ ‬بها،‭ ‬انخرط‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجياع‭ ‬والمتسولين‭ ‬والفقراء،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬3500‭ ‬كلم‭ ‬من‭ ‬السواحل‭ ‬لم‭ ‬تسعف‭ ‬المغارفة‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬كيلو‭ ‬«سردين»‭ ‬أو‭ ‬«شرن»‭ ‬أو‭ ‬«كبايلة»‭ ‬أو‭ ‬«باجو»‭ ‬بالثمن‭ ‬الذي‭ ‬يليق‭ ‬بالبلد‭ ‬الذي‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬بحرين،‭ ‬وبالمواطن‭ ‬الذي‭ ‬يكابد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تأمين‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭.‬
 
لقد‭ ‬قيل‭ ‬للمغاربة‭ ‬أن‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬سببه‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المحروقات‭ ‬وتكاليف‭ ‬النقل‭ ‬الباهظة،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬عزيز‭ ‬أخنوش‭ ‬هو‭ ‬مول‭ ‬«ليصانص»‭ ‬ويحتكر‭ ‬تقريبا‭ ‬ثلث‭ ‬السوق‭ ‬الوطنية‭ ‬للمحروقات،‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬نعاين‭ ‬اكتواء‭ ‬المغاربة‭ ‬بلهيب‭ ‬المازوط‭ ‬بدون‭ ‬رادع‭ ‬أو‭ ‬رقيب‭ ‬وبدون‭ ‬أن‭ ‬تتنازل‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬عن‭ ‬هامش‭ ‬ربحها‭ ‬أو‭ ‬تتبرع‭ ‬بفوائضها‭ ‬الفاحشة‭ ‬لامتصاص‭ ‬عجز‭ ‬الميزانية‭. ‬بل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬وضع‭ ‬«ثروته»‭ ‬خلف‭ ‬المتاريس،‭ ‬وترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬ليكتوي‭ ‬المواطنون‭ ‬بالغلاء‭ ‬دون‭ ‬قيد‭ ‬وشرط‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انتبه‭ ‬إليه‭ ‬تقرير‭ ‬لمجلس‭ ‬المنافسة‭ ‬الذي‭ ‬أفاد‭ ‬بوجود‭ ‬تواطؤات‭ ‬بين‭ ‬موزعي‭ ‬المحروقات،‭ ‬واستغلال‭ ‬فاحش‭ ‬لتحرير‭ ‬قطاع‭ ‬المحروقات،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬قوانين‭ ‬ضابطة،‭ ‬مما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬بالفعل‭ ‬ارتفاع‭ ‬لأسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الأساسية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬احتداد‭ ‬الغضب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬واتساع‭ ‬الفوارق‭. ‬
 
لقد‭ ‬دعا‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬عيد‭ ‬العرش‭ ‬(30‭ ‬يوليوز‭ ‬2022)‭ ‬إلى‭ ‬تجنب‭ ‬التماهي‭ ‬في‭ ‬المصالح‭ ‬الفردية‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬العامة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نعاينه‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬يستثمر‭ ‬في‭ ‬الاحتقان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بالقدر‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬استثمر‭ ‬ويستثمر‭ ‬في‭ ‬قفة‭ ‬المواطنين،‭ ‬وفي‭ ‬قطاع‭ ‬المحروقات،‭ ‬مما‭ ‬يفرض‭ ‬لنزيل‭ ‬«فتيل‭ ‬الانفجار‭ ‬الأخير»‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬،‭ ‬ووضع‭ ‬خطط‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬لمعالجة‭ ‬"الوضعية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الهشة‭ ‬لشرائح‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتطور‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬"الاحتجاج‭ ‬الهادئ"‭ ‬إلى‭ ‬«الاحتجاج‭ ‬العنيف»‭. ‬
 
لقد‭ ‬أثبت‭ ‬تطورات‭ ‬الاحتجاج‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬المواطنين‭ ‬فقدوا‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الوسائط‭ ‬السياسية،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬أحزابا‭ ‬أم‭ ‬نقابات‭ ‬أم‭ ‬جمعيات،‭ ‬مما‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬حقيقيا‭ ‬على‭ ‬النسق‭ ‬السياسي‭ ‬بكامله،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الرفض‭ ‬يسائل‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة‭ ‬زواج‭ ‬المال‭ ‬بالسلطة،‭ ‬ويتجه‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الفصل‭ ‬بينهما‭ ‬تجنبا‭ ‬لتحويل‭ ‬المؤسسات‭ ‬إلى‭ ‬أدوات‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬«الطاشرونات»،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أزمات‭ ‬تهدد‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭.‬
 
لقد‭ ‬جيء‭ ‬بعزيز‭ ‬أخنوش،‭ ‬رغم‭ ‬فشله‭ ‬الذريع‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬ورغم‭ ‬إمعانه‭ ‬في‭ ‬إحراق‭ ‬المغاربة‭ ‬بأسعار‭ ‬المحروقات،‭ ‬ليرأس‭ ‬الحكومة‭ ‬ويتولى‭ ‬تسيير‭ ‬شؤون‭ ‬الدولة،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬«مساره‭ ‬السياسي»‭ ‬كاف‭ ‬ليكون‭ ‬هذا‭ ‬المسؤول‭ ‬عنوانا‭ ‬عريضا‭ ‬للفشل‭ ‬والاحتقان‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬لنقول‭ ‬إن‭ ‬المغرب‭ ‬لم‭ ‬يستفد‭ ‬من‭ ‬درس‭ ‬روسيا‭ ‬القيصرية‭ ‬التي‭ ‬أدخلت‭ ‬راسبوتين‭ ‬إلى‭ ‬البلاط‭ ‬وقربته‭ ‬عائلة‭ ‬القيصر‭ ‬رومانوف‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬القرار‭ ‬وبوأته‭ ‬صلاحيات‭ ‬واسعة،‭ ‬فكان‭ ‬راسبوتين‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬هلاك‭ ‬روسيا‭ ‬القيصرية‭ ‬وسبب‭ ‬خراب‭ ‬أسرة‭ ‬رومانوف‭ ‬القيصرية‭.‬
فحذار‭ ‬من‭ ‬استنساخ‭ ‬نموذج‭ ‬راسبوتين!!
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"
                                                           رابط العدد هنا