الأحد 6 أكتوبر 2024
اقتصاد

بن صفية يرسم خارطة طريق لتسويق المدن الصغرى والمتوسطة عبر الأنشطة الجامعية

بن صفية يرسم خارطة طريق لتسويق المدن الصغرى والمتوسطة عبر الأنشطة الجامعية عبد اللطيف بن صفية، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال
هي وصفة لا تتطلب ميزانية أو صفقات، بل فقط تتطلب من 53 مؤسسة جامعية ببلادنا (بين كلية ومعهد ومدرسة عليا) أن تستحضر البعد التنموي وحق المدن المتوسطة والصغرى في الاشعاع الجامعي.
الوصفة اقترحها الأستاذ عبد اللطيف بن صفية، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، في مقال نشره بأسبوعية « الأيام » (عدد 979)، عبر دعوته المؤسسات الجامعية برمجة بعض أنشطتها بهذه المدن الصغرى والمتوسطة لخلق دينامية محلية تعود بالنفع على الجميع. « أنفاس بريس » تعيد نشر مقال الأستاذ بن صفية:
 
انتهت أشغال المؤتمر، تصافح المشاركون وتعانقوا. تفرق الجمع، وعاد كل منا إلى بلده. تلاشت الذكريات مع السنين. غير أن حكاية البلدة الصغيرة في أقصى القارة لازالت تسكنني. جامعة في مدينة صغيرة تحرك اقتصاد منطقة بكاملها. هذا كل ما في الأمر.
المبدأ بسيط للغاية، فأنشطة الجامعة من ندوات ومؤتمرات ومنتديات وورشات التكوين والتفكير… كلها موجهة ومنسقة لخدمة ساكنة المنطقة بإشراك منعشيها، فنادق، مطاعم، شركات النقل، متاحف ومآثر، مسارح، فرق فلكلورية، معارض، صناعة تقليدية، منتوجات طبيعية محلية… ولنا أن نتصور حجم المتابعة الإعلامية والعائدات الإشهارية والآثار الإشعاعية.
المدن الكبرى بجهات بلادنا هي من تحضن الجامعات العمومية والخاصة، مع بعض الاستثناءات. بينما تتوزع الكليات متعددة التخصصات على مدن متوسطة. فيما تفتقر المدن الصغيرة إلى الحضور الجامعي، خاصة تلك التي تتمتع بتاريخ ورمزية حضارية. وأخرى ممن تعاني أوضاعا هشة وصعبة. كل الجامعات والكليات التابعة لها تنشط بشكل دوري وأحيانا مكثف. هذه حقيقة، ويبدو، بالرغم من ذلك، أن العائدات الاقتصادية والتنموية للأنشطة الجامعية لا تظهر جليا، بفعل تأثيرات الحركة الاقتصادية العامة للمدن الكبرى.
ما يهمنا في هذه المناسبة هو حظ المدن الصغيرة من الأنشطة الجامعية، بالأخص الديناميكية الفكرية والثقافية التي تحدث في تلك المدن. وبالتالي أثرها الاقتصادي والتنموي. في هذه الحالة، يجب إخضاع برامج الأنشطة الجامعية لتصور دقيق ومندمج، يقوم على رؤية استشراقية وعلى تنسيق محكم مع مختلف الشركاء. يستحضر البعد التنموي بحس تسويقي يرتقي بالمؤسسة الجامعية وبمجالها الترابي.
تنبني الرؤية على تخطيط مسبق للأنشطة الأكاديمية والعلمية. يأخذ المخطط بعين الاعتبار تخصصات المؤسسة أو النواة الجامعية، يتيح التنوع بين الأنشطة المحلية والجهوية والوطنية والدولية، يحقق التوازن بين أنشطة المسالك (إجازة وماستر ودكتوراه) ثم بين أنشطة بنيات وهياكل التعليم والبحث (الشعب، مراكز الدراسات والبحوث، الكراسي..). يقترح مخطط الأنشطة برنامجا زمنيا ملائما لأجندة المؤسسة الجامعية، وتستدعي البرمجة الزمنية في حالة تنظيم لقاء وطني أو دوليا التحقق من توفر الإقامة للمشاركين سواء بالمدينة أو نواحيها القريبة. ثم التحقق من عدم تنظيم أي حدث وازن بالمدينة بموازاة الحدث الجامعي، ما يضمن إشعاعه. كل هذا يتطلب تنسيقا محكما بين جميع مكونات النواة الجامعية بالمدينة ومثيلاتها بالجهة، ثم بينها وبين شركائها محليا ووطنيا ودوليا.
الأنشطة الإشعاعية الجامعية هي آلية تسويقية مزدوجة. تروج صورة وسمعة النواة الجامعية من كليات ومدارس ومعاهد، وتدعم بالتالي تموقعها. تساهم النواة الجامعية كذلك في تسويق المدينة أو المنطقة المتواجدة بها، وهنا تلعب وسائل الإعلام دورا محوريا إذا وظفت بحرفية. كما أن استحضار البعد التنموي المحلي والجهوي، يجعل النواة الجامعية تمنح لأنشطتها روحا، وما يكفي من المعاني الحقيقية لانتمائها المحلي والجهوي.
يقتضي استحضار البعد التنموي لحظة التفكير في نشاط أو مشروع إشعاعي ومتميز للمؤسسة الجامعية، تصور كل ما يؤمن عائدات مادية للمنعشين المحليين، مما يحرك اقتصاد المنطقة ويخلق فرصا للشغل. مثلا: إلى جانب الإقامة والطعام والتنقل والطبع والتصوير… لابد من التفكير في جلب أنظار واهتمام المشاركين بمؤهلات وخصائص المنطقة، كتنظيم خرجات سياحية، زيارة التعاونيات ومعارض المنتوجات المحلية، تنظيم أمسيات بنكهات محلية… وهنا أقترح على المؤسسات الجامعية خلق مصلحة أو خلية تسويقية تعنى فقط بتنظيم هذا النوع من الأنشطة بمهنية.
كل منطقة بالمغرب تزخر بمعالمها ورصيدها المتميز، الذي يجب أن توظفه الأنشطة الجامعية لفائدة هوية المؤسسة التي تصدر عنها، وتستغله بالتالي في ميزان أدائها المجتمعي - التنموي. يتطلب هذا الأمر ميزانية وتمويلا، لأن ميزانية المؤسسات الجامعية تكفي لأنشطة محدودة. سبيلنا في هذا التوجه لا يخلو من إبداع، إذ يمكن الحصول على الدعم المادي واللوجيستي للأنشطة الجامعية من موارد مختلفة ومتنوعة. أولا، نظام حقوق المشاركة في الندوات الكبرى والمؤتمرات، وكذلك حقوق بيع المؤلفات والإنتاجات الصادرة عن اللقاءات الأكاديمية والعلمية. ثانيا، نظام دعم القطاعات الحكومية والمنظمات الدولية والتعاون الدولي. ثالثا، نظام الرعاية الثقافية في إطار الشراكة مع القطاع الخاص.
هذا تصور أولى نقترحه هنا للتداول والنقاش. بطبيعة الحال يمكن الحال يمكن إغناؤه وتطويره، بل يمكن توحيد مبادئه وخطوطه العريضة في «ميثاق جامعي للأنشطة الأكاديمية والعلمية» بما يجعل رؤيتنا الواضحة لتلك الأنشطة وأداءنا البراغماتي لها عنوانا واحدا لعمل رصين وهادف.
 
عن أسبوعية « الأيام » (عدد 979)