منذ بداية تفشي فيروس كورونا بالمغرب، سارعت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في المرحلة الأولى من الظروف الطارئة الصحية إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الوقائية، لتفادي انتقال فيروس كورونا ( كوفيد 19 ) بالمؤسسات السجنية، حيث قامت بإطلاق سراح 251 قاصرا وتسليمهم لأسرهم لتفادي إصابتهم، تعليق الزيارات العائلية ، توقيف الأنشطة التأهيلية التي تتم مزاولتها بشكل جماعي، تطبيق الحجر الصحي على الموظفين وجميع العاملين داخل الوسط السجني، تعقيم المؤسسات السجنية بشكل مستمر، منتظم وتوزيع التجهيزات الطبية ومواد النظافة وتخصيص أجنحة معزولة لإيواء المعتقلين الجدد وإخضاعهم للحجر الصحي لمدة 14 يوما، وبهذه الإجراءات والتدابير الوقائية لم يتم تسجيل ولا حالة إصابة واحدة بفيروس كورونا داخل الأوساط السجنية طيلة المرحلة الأولى من حالة الطوارئ الصحية الممتدة من 20 مارس 2020 إلى غاية 20 أبريل .
لكن عند بداية المرحلة الثانية من مرحلة الطوارئ الصحية ، ظهرت العديد من حالات الإصابة بفيروس كرورونا داخل المؤسسات السجنية، حيث أظهرت التحاليل المخبرية إصابة بعض المعتقلين والموظفين بهذا الوباء ، وخاصة بالمؤسسة السجنية بمدينة ورزازات ، وبالرغم من كون هذه الإصابات تبقى محدودة مقارنة بالعدد الإجمالي للنزلاء والموظفين، إلا أن هذه الوضعية تعتبر مؤشرا يتحتم معه التحكم ومحاصرة المصادر المحتملة لنقل العدوى إلى الوسط السجني والتي يمثل إخراج السجناء إلى المحاكم والمستشفيات أخطرها .
وبالرغم من المجهودات المبذولة من طرف السلطات القضائية بخصوص عقلنة الاعتقال الاحتياطي ، وكذا تقليص عدد النزلاء الذين يتم إصدار الأوامر بإحضارهم إلى المحاكم ، فقد تبين أن ذلك لا يكفي لجعل المؤسسات السجنية في منأى عن انتقال العدوى إليها ، بالنظر إلى العدد الكبير للمعتقلين الذين يتم إخراجهم للمحاكم كل يوم .
وللتحكم والسيطرة على فيروس كورورنا بالمؤسسات السجنية قامت المندوبية العامة لإدارة السجون خلال المرحلة الثانية من حالة الطوارئ الصحية بعد ظهور بعض الحالات بالأوساط السجنية بإجراءات إضافية ، حيث تم المنع المؤقت لإخراج المعتقلين إلى مختلف محاكم المملكة لمدة شهر على الأقل ، التنسيق مع السلطات القضائية المختصة بخصوص عقد الجلسات عن بعد ، المنع المؤقت لإخراج السجناء إلى المستشفيات العمومية إلا في الحالات الاستعجالية القصوى ، العمل على تعزيز المؤسسات السجنية بأطقم طبية تابعة لوزارة الصحة وإعمال الاستشارات الطبية المتخصصة عن بعد .
وإذا كان الإخراج للمستشفى أو المحاكم قد تم التخلي عنه ، فالأول بتعزيز المؤسسات السجنية بأطقم طبية من وزارة الصحة وبتفعيل الاستشارات الطبية المتخصصة عن بعد ، والثاني ببدء تفعيل جلسات الحكم عن بعد ، فإن الاعتقال الاحتياطي لا حل له ، إذ كل يوم يتم القبض على عدد كبير من المخالفين لإجراءات الحجر الصحي حيث بلغت نسبة الموقوفين على خلفية خرق الحجر الصحي أو عدم الالتزام بإجراءات هذا الحجر أو عدم وضع الكمامة ما يقارب 40000 ، ويتم إيداعهم بالمؤسسات السجنية في انتظار محاكمتهم، وهو ما قد يعرض القوات العمومية ورجال الأمن وموظفو الإدارة السجنية وكذا نزلاء المؤسسات السجنية لاحتمال إصابتهم بفيروس كورونا ، وبالتالي تحول المؤسسات السجنية إلى بؤر لهذا الفيروس .
ويتم معاقبة المخالفين لقانون حالة الطوارئ الصحية بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و 1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وكان من الممكن تجنب العقوبات الحبسية والتركيز أكثر على العقوبات المالية ، واعتقال فقط من يمتنع عن دفع هذه الغرامات ، وبذلك كان سيتم تخفيف المؤسسات السجنية من الاكتظاظ والتقليل من نقل العدوى ، وكذا انتعاش خزينة الدولة .
وكان من الممكن الاستفادة من ما أبدعته بعض الدول الأوروبية في هذا المجال وخاصة إسبانيا ، حيث قررت هذه الأخيرة إقرار عقوبات مالية تتراوح ما بين 60 أورو و 10400 أورو، فعوقب المخالف للحجر الصحي ب 600 أورو ، وعوقب الذي لم يحترم الشرطة ب 200 أورو ، فيما عوقب المهين أو المعتدي على الشرطة ما بين 300 إلى 10400 أورو، كغرامات بديلة للعقوبات الحبسية، وذلك بهدف ردع المخالفين وإلزامهم باحترام الإجراءات الصحية المتخذة وتجنب نقل العدوى للسجون واكتظاظها من جهة ، وإنعاش خزينة الدولة بما توفره عائدات هذه الغرامات من جهة أخرى .