Monday 15 December 2025
كتاب الرأي

أحمد فردوس: الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نحو التحرر من عبء الذاكرة

أحمد فردوس: الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نحو التحرر من عبء الذاكرة أحمد فردوس
يعيش الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية محطة نادرة في تاريخ الأحزاب، تتجسد في التخلي الطوعي عن الشرعية التاريخية، دون ضغط من الخصوم أو من الدولة بل بقرار داخلي بارد يقوده الكاتب الأول ومن معه. 
 
إن الحزب الذي تأسس على فكرة التراكم النضالي والوفاء لدماء الشهداء، اختار أن يتعامل مع هذا الإرث باعتباره عبئا تنظيميا يعيق حركته، لا رأسمالا رمزيا يعزز موقع الحزب، حيث تم تفريغه تدريجيا من مضمونه وإزاحته من مركز القرار، لصالح منطق تدبير يومي ضيق لا يحتمل ثقل الذاكرة ولا كلفة المعنى. 
 
لقد صار اسم المهدي بنبركة وعمر بنجلون وعبد الرحيم بوعبيد، وعبد الرحمن اليوسفي عبئا أخلاقيا يربك القيادة ويذكرها بما لم تعد قادرة ولا راغبة في تحمله. ولذلك لم يكن غريبا أن يغادر مناضلون تاريخيون الحزب نحو كيانات يسارية أخرى، أو ينسحبوا بصمت حاملين معهم المرجعية الاتحادية، بينما تركوا الإسم فقط لمن آمن بنموذج تنظيمي جديد قوامه الطاعة لا النقاش، والانضباط لا الاقتناع.  
 
لذلك فالكاتب الأول لا يحتاج إلى صور الشهداء في المقرات، ولا إلى استحضار سنوات الرصاص في المؤتمرات. فهو يبني حزبا بلا ذاكرة لأن الذاكرة تسائل، وبلا تاريخ لأن التاريخ يحاكم، وبلا ديمقراطية داخلية، لأن الديمقراطية مزعجة في حزب يريد قائدا دائما لا مرحلة انتقالية. وفي هذا الاتحاد الجديد لم تعد الشرعية تستمد من النضال وإنما من التقرب للكاتب الأول وإظهار الخضوع والطاعة لجنابه، ولم يعد الرأي المختلف ثراء تنظيميا وإنما صار تهديدا يجب تحييده أو تهميشه أو إبعاده. وهكذا تحولت التنظيمات الموازية والفروع الحزببة، من فضاءات نقاش إلى شبكات ولاء انتخابي وظيفتها الأساسية تزكية القرارات لا صناعتها.
 
لقد نجح صاحب الولاية الرابعة فعلا في شيء واحد، وهو تحويل حزب تاريخي إلى علامة سياسية فارغة من مضمونها قابلة للاستعمال في كل السياقات الحكومية دون أن تطرح أسئلة مزعجة حول التوجه أو الهوية أو الموقع الاجتماعي. فصار الحزب اتحادا اشتراكيا بلا اشتراكية، وشعبيا بلا حاضنة شعبية، وقوات بلا قوة سوى قوة الإسم. وحين ينفصل الإسم عن المعنى لا يبقى من الحزب سوى هيكل تنظيمي يعيش على التعيينات والتوافقات الصغيرة. ويعجز عن مخاطبة المجتمع أو تمثيل الفئات التي تأسس من أجلها. 
 
وإذا كان بعض المدافعين عن هذا الخيار يعتبرونه براغماتية سياسية، فالحقيقة أنه شكل ناعم من تصفية الذاكرة الحزبية، وتحويل الشهداء إلى مجرد صور قديمة لا دور لها سوى تزيين الجدران في انتظار أن تختفي هي الأخرى بهدوء كما اختفى عمر وبوعبيد والأموي وآخرون لازالوا أحياء يرزقون ولا يستنكرون هذا الذي يقع.