Monday 15 December 2025
كتاب الرأي

بنسعيد الركيبي: دينامية التفكك الداخلي في الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية

بنسعيد الركيبي: دينامية التفكك الداخلي في الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية بنسعيد الركيبي
يخطئ من يختزل أزمة الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية في شخص الكاتب الأول أو في اختيارات قيادة بعينها، لأن ما جرى ويجري هو أعقد من صراع مواقع وأعمق من خلاف تنظيمي عابر. لأنه مسار تفكك جماعي لمشروع سياسي تاريخي شاركت في صناعته قرارات القيادة كما ساهمت فيه اختيارات المنسحبين وصمت المترددين.
 
فالأحزاب لا تفرغ من مضمونها فقط حين تختزل في شخص واحد، ولكن أيضا حينما يتخلى حراسها المفترضون عن معركة الدفاع عنها من الداخل، ويستسهلون خطاب الإدانة من الخارج. ومن هذا المنطلق فإن أي قراءة نقدية جادة لما آل إليه الاتحاد، لا تستقيم إن ركزت على ادريس لشكر وحده وتجاهلت مسؤولية من غادروا الحزب دون أن يخوضوا معركة الصمود التنظيمي حتى النهاية. فالتاريخ لا يستعاد بالانسحاب، والشرعية لا تصان بالابتعاد وإنما تختبر في لحظات الصراع داخل التنظيمات، حين يصبح البقاء فعلا سياسيا والمواجهة موقفا أخلاقيا.
 
 وانطلاقا من هذه الزاوية يصبح من المشروع مساءلة الذين اختاروا المغادرة، بوصفهم فاعلين ساهموا بقراراتهم في تعميق الأزمة، لا باعتبارهم ضحايا لمسار منحرف. 
 
فهؤلاء الذين يؤكدون أنهم حملوا معهم المرجعية الإتحادية والشرعية النضالية والتاريخ الرمزي للحزب، لم يوضحوا بما يكفي لماذا اختاروا الإنسحاب بدل تحويل هذا الرصيد إلى قوة تنظيمية داخلية، قادرة على خلق توازن في مواجهة ما يصفونه بالمد التدميري والتخريبي.
 
 لقد كان بإمكانهم بما يملكونه من تجربة وامتداد رمزي أن يشكلوا قطبا معارضا صلبا داخل الحزب، يفرض نقاشا ديمقراطيا حقيقيا ويربك مخططات الانحراف والتخريب، لكنهم اختاروا طريقا آخر، طريق الخروج السريع وتأسيس كيانات جديدة أو الالتحاق بأحزاب قائمة، وكأن الإتحاد الإشتراكي لم يعد ساحة معركة بل عبئا يجب التخلص منه.
 هذا الخيار وإن اكتسى خطابا أخلاقيا نقديا فإنه أدى عمليا إلى نتيجة واحدة، هي إفراغ الحزب من معارضيه الحقيقيين وترك القيادة الحالية دون معارضة داخلية حقيقية. فحين يغادر أصحاب الشرعية التنظيمية يصبح منطق التحكم سهلا، وحين ينسحب حراس الذاكرة، تصبح الذاكرة نفسها مادة للاستهلاك الخطابي أو الإقصاء الصامت.
 
لذلك فإن المسؤولية التاريخية تقع على من أعاد هندسة الحزب على مقاس قيادة فردية، وعلى من انسحبوا وتركوا الحزب مكشوفا أمام هذا المسار. لأن إنقاذ الأحزاب التاريخية لا يتم عبر الهجرة السياسية حين تصبح المعركة غير متكافئة.
 
 أما النتيجة التي نعيشها اليوم فهي يسار مشتت، وحزب تاريخي مفرغ من مضمونه وشرعية نضالية موزعة على أفراد وكيانات بلا قدرة فعلية على التأثير في ميزان القوى السياسي، وهو ثمن دفعه الجميع دون استثناء.