الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

الباتول السواط: إلى أين يجب أن نذهب.. الريع بين السمسرة في الدولة واعتقال المجتمع

الباتول السواط: إلى أين يجب أن نذهب.. الريع بين السمسرة في الدولة واعتقال المجتمع الباتول السواط

أشار ابن خلدون في "المقدمة" إلى: أن "المُلك بالجُند والجُند بالمال والمال بالخراج والخراج بالعمارة والعمارة بالعدل".

 

تأويلا، فإن الدولة لها إمكانية فرض المناعة لذاتها بحماية كيانها ومنظومة استمراريتها عبر الضرائب لتقوية اقتصادها وفرض دولة الحق والمساواة والقانون والعدالة بين فئات الكيان داخل هذه الدولة.

 

وعلى الرغم من تمسك الخطاب الرسمي في الدولة المغربية بمصطلح الوطنية للحفاظ على الثوابت والمؤسسات واستثمار الطاقات... لكن تظل هذه القيم الايمانية قاصرة للمضي في هذه الفلسفة. فالشرخ الواقع بين المدني والسياسي والاقتصادي الذي تواكبه قسرا بصرف النظر عن الدعوات لإيجاد العيش المشترك وتوحيد الخطاب وتقاسم خيرات البلاد.. للوصول جزئيا إلى مفهوم الدولة المواطنة الذي تتنادى لها القوى الغيورة بالبلاد، ولابد من الاعتراف أن هناك تنظيمات مدنية وسياسية اقتربت عناوينها وتلامس هذا التنادي لكنها لا تستطيع ملامستها أو حتى التماهي معها لعوامل لا تحتاج الى التنجيم أو العِرافة.

 

ومن غير الشك أن هناك أسئلة رديفة في الذهن عن الدولة (الوطن) وواقعها ودور الحكومة أو اللجان الاجتماعية والاقتصادية... في إيجاد مخارج، وهذا الواقع يعرف إخفاقات واضحة بإخفاق الحكومة التي جعلت من خلط نفسها بالوطن واضحت تعتبر التفاهمات مع الريع والفساد وتخريب البنى الفوقية (الوعي) والبنى التحتية مكسب من شعرة ذيل الخنزير مما دفع المواطن يشك تماما في جدوى المؤسسات من خلل إداري وهدر وريع... وهي الحالة الكائنة التي أضاعت الحالة الوطنية للمغاربة. وفي ظل هذه الوقائع فإن الارتهان بالمختبرات والتجارب الغربية لن تغير من الواقع شيئا، لأن التغيير هو تغيير السلوك والذهنية. فالعلاقة التي يجب أن تكون بين الدولة والشعب والحكومة جدلية وعضوية من حيث الحق والواجب والالتزام لبناء دولة قوية متينة.

 

أما مناسبة هذا القول فهو مرور الميلاد الأول "للجمعية الوطنية لمهنيي قطاع تموين وتنظيم الحفلات والتظاهرات" الذي تزامن مع التركيبة للجنة الخاصة التي عينها جلالة الملك لـ "النموذج التنموي الجديد" الذي كما هو معلن ستعمل على تقديم إجابات واضحة وتفكيك الخلل وكيفية تعامل المنظومة الريعية مع المؤسسات والتركيبات العمودية والأفقية (مجتمع مدني، نقابات، جمعيات...) الذي يرتبط بالريع والزعامات ومنظومة النفوذ التي تخترق مفاصل الدولة، وتداعياتها على ما سبق وعلى منظومة القيم بالمجتمع والتملق للسلطة وما ينتج عنه من استعراض تفاخري من القرب من مالكي القرار وصناعته بشكل فضفاض دون رادع ودون قوانين ناظمة على باقي ابناء الشعب.

 

فالغني عن القول أن ما تم ذكره من مؤسسات والهيئات المدنية المعدة على المقاص متورطون في الريع وأضحت معه منظومة علاقات، حيث انعكست على السير العام للدولة وأضحت رهينة ضمن هذه التشكيلات. وهنا تعد عقدة المنشار في التحول الى الدولة كما أشار "ابن خلدون" في مقدمته، بالتالي جلالة الملك من خلال التوجهات العامة في توزيع عوائد التنمية والعدالة في التنافس والحد من هيمنة الأقلية الريعية الماسكة بتلابيب القرار وسيادة القانون والتكافؤ وبحقوق المواطنين القانونية والدستورية... ولا خلاص للبلاد (سواء عبر لجان خاصة أو غيرها) إلا عبر سيادة القانون باعتباره الضامن للقطع مع هيمنة الريع وتشكيلاتهم والفساد وأصابعه والنفوذ والمتنفذين داخل الدوائر الرسمية.

 

فمن خلال القطاع الذي نشتغل فيه التنظيم والتجهيز وإطارنا المدني عبر ربوع المملكة "الجمعية الوطنية لمهنيي قطاع تموين وتنظيم الحفلات و التظاهرات" بصرف النظر عن التأني والبطء لعوامل تم ذكرها وغيرها، تم رصد حالة للمدرسة الكلاسيكية الريعية التي تعمل كما تعودت عبر الدجل والشعوذة (المكرومات والمنح والتسهيلات...) بمعنى أن هذه المنظومات اسست لنفسها عقلية رعوية صلبة من خلال الهيمنة على كل الصفقات في ذات الإطار بل وصل الحد الى الاعلان لأحد المحظوظين أنهم يقعون ضمن "الرضى المولي" فيتم دعمهم ماديا ومعنويا وتسهيل لهم كل الإمكانيات والطاقات! قد يكثر الجدل هنا حول الريع والفساد ونفقات الدولة وعلاقته بالمواطن، بل إن التركيز الضمني المعتمد في هذا التوضيح هو الإشكال السلوكي في بنية الدولة ككل ومنظومة القيم، حيث تعد نكبة على الكل، لماذا وكيف؟ فهذه المسلكيات الفاسدة الريعية عمقت الخلاف بين المواطنين، إضافة إلى مفهوم "الحظوة" و"القرب" وكذا الهيمنة على المال العام وتوزيعه على التوابع مع تعقيد المساطر والبيروقراطية للمواطنين الحقيقيين في مجالات وأنشطة اقتصادية عدة، مما يتقاطع مع المساواة والديمقراطية، مما يعني أن الفاعل الوطني الجاد بهذا البلد والتسويق الاعلامي بفتح الأبواب هو شكل استهلاكي. وهناك أبواق للمنظومة الريعية والأقلية المهيمنة على النشاطات الحيوية الكبرى والمتوسطة وحتى الصغرى لها أدواتها الفجة التي تبجل وتبرر سلوكياتها التدميرية للوطن والإنسان لافتقادها للحس الإنساني أو ضمير يضعها ضمن التنادي للقوى الوطنية.

 

بالتالي إلى أين نذهب بكل هذه التوصيفات الواقعة بالبلد؟ وكيف نتجاوز الاقتصاد الريعي من إسقاط مفهوم الدولة وكذا هذه الوثنية المدنية والسياسية والاقتصادية؟

 

من المفترض أنّ الدولة تكرس نفسها لمواطنيها وتضمن حقوقهم ومساواتهم وهيكلة الاقتصاد بالاتجاه الانتاجي المتنوع والمستدام والانخراط في العمليات التي ترسمها الدولة وتحقق التطلعات ضمن العقد الاجتماعي الجديد المتوافق عليه والتوافقات السياسية وطرق التدبير والخيارات التفصيلية الاخرى، وليس العكس باستعمال الريع للسيطرة على السلطة وإحكام القبضة على المجتمع ومؤسساته وتجريد التحول الديمقراطي الذي يعيشه المغرب من محتواه، وحتى إن جزمنا حسما أن هذا التحول على أهميته لكنه يقع ضمن ومساحيق التجميل إذ لم ترافقه عناصر شروط موضوعية من قبيل: تجاوز الاقتصاد الريعي للدولة إلى إنتاجي ومن سلطة الريع إلى سلطة وطنية وإشراك كل الفاعلين الجادين الوطنيين بدل التهميش وتوزيع الثروة، بدل المحاصصة بين أبناء الدولة وخدام الفساد ونشر القيم الخلاقة المبدعة بدل الاستحمار وإعلام الانحطاط... بالإضافة إلى أننا كمغاربة يجب التفكير في أنفسنا وليس في العالم، وكذا تكون الدعوة صريحة وقوية وواضحة في مواجهة التشكيلات الريعية المافيوية الفاسدة التي هي ليست بدولة ولا هي مؤسسات، بل هي منظمات إجرامية تشتغل أمام أنظارنا مما يجعلنا كمواطنين معتقلين شعوريا في واقعنا، يدمر كل الأفق والطاقات ويمنعنا من الحركة ويجعل عجلة التاريخ تدور في الفراغ، وبالتالي تأكيدا على ما سبق يجب على الدولة تأهيل ما أنتجته أو يتم تحديدهم تأهيل المواطن للمراحل التالية.

 

- الباتول السواط، الرئيسة الوطنية للجمعية الوطنية لمهنيي قطاع تموين وتنظيم الحفلات والتظاهرات