السبت 20 إبريل 2024
خارج الحدود

هل دخلت قطر التاريخ فعلا من باب تسليم أعلى فدية للإرهابيين..؟ (مع فيديو)

هل دخلت قطر التاريخ فعلا من باب تسليم أعلى فدية للإرهابيين..؟ (مع فيديو) وزير خارجية قطر

تتناول هذه المقالة قصة اختطاف الصيادين القطرين وتفاصيل تسلسل أحداث المفاوضات التي جرت في خضم القصة، واحتوت على رسائل متبادلة بين وزير الخارجية القطري محمد عبد الرحمن آل ثاني والسفير القطري لدى العراق زايد الخيارين والتي كانت ذات صلة بسير مجريات القصة وتفاصيلها، وتنوعت تلك الرسائل ما بين رسائل قصيرة وأخرى صوتية. وأشار الكاتب إلى أن حكومة معادية لقطر استطاعت الحصول على تلك الرسائل ومن ثم إرسالها إلى هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

وفي تفاصيل القصة؛ يقول الكاتب إن هناك روايتين مختلفتين: الأولى متمثلة في أن قطر دفعت مليار دولار لجماعات وأفراد إرهابيين" بهدف تحرير الرهائن المختطفين، والأخرى – وهي رواية قطر – متمثلة في أن قطر لم تدفع أي مبلغ مالي لـ "الإرهابيين"، بل أنها دفعت الموال فقط لدولة العراق.

في صباح السادس عشر من شهر دجنبر لعام 2015؛ تلقت الأسرة الحاكمة في قطر خبرا سيئا: اختِطف في العراق ثمانية وعشرون عضو من مجموعة صيدُ أفرادها أمراء.

وزود الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني – والذي كان على وشك أن يصبح وزير الخارجية لقطر– بقائمة تتضمن أسماء الرهائن. وأدرك حينئذ أن القائمة تضم اثنين من أقربائه.

وأرسل رسالة إلى السفير القطري لدى العراق زايد الخيارين، جاء في فحواها: "إن جاسم ابن عمي وخالد زوج خالتي. حفظك الله: عند تلقيك أي خبر عن ذلك؛ أخبرني على الفور".

لقد قضى الرجلان الستة عشر شهرا التالية منشغلين بأزمة الرهائن.

وطبقا لإحدى روايات تسلسل الأحداث فقد دفعا أكثر من مليار دولار لتحرير أولئك الرجال، حيث ذهبت الأموال لجماعات وأفراد صنفتهم الولايات المتحدة الأمريكية على أنهم "إرهابيون": كتائب حزب الله في العراق، والتي قتلت جنودا أمريكيين بقنابل وضعت على جانب الطريق؛ والجنرال قاسم سليماني، وهو قائد قوات الحرس الثوري والخاضع شخصيا لعقوبات الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي؛ وهيئة تحرير الشام، والتي كانت في فترة من الفترات تعرف بجبهة النصرة، عندما كانت تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا.

وطبقا لرواية أخرى للأحداث؛ وهي رواية قطر– فإنه لم يتم دفع أي مبلغ مالي للإرهابيين، بل دفعت الأموال فقط للعراق.

ووفقا لهذه الرواية مازالت الأموال موجودة في قبو بنك العراق المركزي في بغداد، بالرغم من أن جميع الرهائن متواجدون الآن في وطنهم.

وتظهرهذه القصة الملتوية لتفاصيل المفاوضات بشكل متسلسل على هيئة رسائل اعتيادية وصوتية بين وزير الخارجية والسفير لدى العراق.

وتم الحصول على تلك الرسائل بواسطة حكومة معادية لقطر، والتي أرسلتها فيما بعد إلى هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

. والآن؛ هل دفعت قطر أغلى فدية في التاريخ؟

الشيخ محمد خبير اقتصادي سابق وأحد أقارب الأمير البعيدين، ولم يكن معروفا قبل ترقيته ليصيح وزيرا للخارجية في سن صغير.

وفي فترة وقوع حالة الإختطاف؛ كان السفير زايد الخيارين في الخمسينيات من عمره، وقيل إنه يحمل رتبة عقيد في المخابرات القطرية، وكان أول مبعوث قطري إلى العراق منذ 27 سنة. غير أن هذا المنصب لم يكن منصبا هاما. وكانت هذه الأزمة فرصة بالنسبة له لتحسين مكانته.

لقد ذهب الرهائن إلى العراق بحثا عن الصقور، وتلقوا تحذيرات ومناشدات – بعدم الذهاب إلى تلك البلاد. بيد أن رياضة صيد الصقور هي رياضة الملوك في الخليج، وكان هناك سرب من الطيور التي تعد فريسة للصقور – وهي الحبارى – في الأراضي الشاسعة الفارغة في جنوب العراق.

وتم اجتياح معسكر الصيادين بواسطة شاحنات صغيرة محملة ببنادق رشاشة ثقيلة في ساعات الصباح الباكر.

وأخبر أحد الرهائن صحيفة نيويورك تايمز إنه كان يعتقد أن الخاطفين كانوا ينتمون إلى "تنظيم الدولة الإسلامية" – وهي جماعة جهادية سنية – قبل أن يوجه أحد الخاطفين إساءة شيعية إلى السنة.

وعلى مدى أسابيع عديدة مؤلمة؛ لم يصل الحكومة القطرية أية أخبار. ولكن في شهر مارس لعام 2016؛ بدأت الأمور تتضح. فقد علم المسؤولون أن الخاطفين كانوا ينتمون إلى كتائب حزب الله وهي ميليشيا عراقية شيعية مدعومة إيرانيا. وأرادت الجماعة كتائب حزب الله الحصول على المال. وحينئذٍ؛ أرسل السفير زايد الخيارين رسالة إلى الشيخ محمد مفادها: "لقد أخبرتهم بأن ‘يعيدوا لنا أربعة عشر شخصا... وسنعطيكم نصف القيمة، ولم يتضح مقدار "القيمة" في سجلات الهاتف حتى تلك الفترة.

وبعد مرور خمسة أيام؛ عرضت الجماعة إطلاق سراح ثلاثة رهائن، وأرسل السفير رسالة إلى الوزير قال فيها: "إنهم يريدون بادرة حسنة من جانبنا أيضا. هذه علامة جيدة بالنسبة لنا..

علامة تدل على أنهم في عجلة من أمرهم ويريدون إنهاء كل شيء في أقرب وقت.

وبعد ذلك بيومين، كان السفير متواجدا في المنطقة الخضراء في بغداد، وهي جزء من المدينة محاطة بالسوار المنيعة وشديدة الحراسة حيث تقع الحكومة العراقية والسفارات الأجنبية.

لقد كانت الأجواء في العراق في شهر مارس متوترة بالفعل. وبدا الجو العام في المنطقة الخضراء مشحونا على وجه الخصوص: فقد كان مؤيدو رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، واقفين على الأبواب، حيث كانوا يحتجون على الفساد. وقال السفير إن موظفي بعض السفارات قد فروا. وخلق ذلك توترات على طاولة المفاوضات.

انتظر زايد الخيارين. لكن لم يكن هناك أية إشاٍرة على إطلاق السراح الموعود. وكتب: "هذه هي المرة الثالثة التي آتي فيها إلى بغداد من أجل قضية الرهائن، ولم أشعر قط بمثل هذا القدر من الإحباط. ولم أشعر قط بمثل هذا القدر من التوتر والقلق. أريد مغادرة البلاد دون وجود الرهائن معي".

وبعد ذلك، ظهر الخاطفون، ولكن لم يكن الرهائن بصحبتهم.

 وجه الشيخ محمد سؤالا للسفير، قائلا: "ما الذي يضمن لنا أن بقية الرهائن معهم؟". وأضاف: "قم بحذف الفيديو من هاتفك وتأكد من عدم تسريبه لأي شخص".

 وصادق السيد الخيارين على كلام الشيخ، قائلا: "لا نريد أن تشاهد عائلاتهم الفيديو ويتأثرون عاطفيا".

وقد تم فصل الرهائن عن بعضهم البعض، حيث وضع الأمراء في قبو النوافذ له؛ وتم أخذ أصدقائهم، وغيرهم من المواطنين العاديين، وغير القطريين من بين مجموعة الصيد، إلى أماكن أخرى ومعاملتهم بشكلٍ أفضل وتقديم طعاماً جيدا لهم..

ومن ثم أصبح الهدف هو المال من جديد، وفضلا عن الفدية الرئيسية، أراد قادة الميلشيات مبالغ جانبية لهم.

وفي حين انقضت واحدة من جلسات النقاش، تبين أن أحد مفاوضي كتائب حزب الله، أبو محمد، أخذ السفير جانبا وطلب مبلغ 10 مليون دولار.

وقال السفير في رسالة بالبريد الصوتي "طرح أبو محمد سؤال: ‘ما فائدتي من ذلك؟ بصراحة أريد 10 مليون دولار".

""قلت له، 10 ملايين؟ لن أعطيك .10 إذا سلمتني جميع الرهائن...

 ""لتحفيزه، أخبرته أيضا أنني على استعدادٍ لن أشتر له شقة في لبنان

واستعان السفير باثنين من الوسطاء العراقيين، وثالثهما كان من الطائفة السنية. وطلبا منه مقدما أن يعطيهما "هدايا": 150,000 دولار نقدا وخمس ساعات من ماركة رولكس، "اثنتان منهما من أغلى الأثمان، وثالثة من جودة عادية". ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الهدايا للوسيطين أنفسهما أم كانت بهدف دهن سير الخاطفين أثناء استمرار المحادثات.

وفي شهر أبريل لعام 2016؛ أضيف للسجالات الهاتفية اسم جديد: قاسم سليماني، وهو الراعي الإيراني لكتائب حزب الله.

وبحلول هذا الوقت، بدا أن طلب الفدية وصل إلى مبلغ مذهل يبلغ مليار دولار. ومع ذلك، فإن الخاطفين صمدوا وطالبوا بالمزيد.

وأرسل السفير رسالة إلى وزير الخارجية قال فيها: "لقد التقى سليماني بالخاطفين مساء أمس وضغط عليهم من أجل قبول مليار دولار. لم يستجيبوا بسبب وضعهم المالي... سليماني سيعود"

وأشار السفير مرة أخر إلى أن الجنرال الإيراني كان "منزعجا للغاية" من الإختطاف. حيث قال للشيخ محمد: "إنهم يريدون استنفادنا وإجبارنا على قبول مطالبهم على الفور. نحن بحاجة إلى التزام الهدوء وعدم التسرع. لكن يجب أن تكونوا مستعدين لدفع الثمن". فأجاب الوزير: "الله يعين!

مرت أشهر. ثم في شهر نوفمبر من العام 2016، دخل عنصر جديد في المفاوضات. أراد الجنرال سليماني من قطر المساعدة في تنفيذ ما يسمى "اتفاق المدن الربع" في سوريا.

في ذلك الوقت، كانت الحكومة السورية المدعومة من إيران تحاصر مدينتين سنيتين يسيطر عليهما الثوار. وفي تلك الأثناء، كانت هناك قريتان شيعيتان مواليتان للحكومة تحت الحصار من قبل الثوار السلفيين، الذين كانت قطر تدعمهم على ما يبدو.

وبموجب الاتفاق، سيتم رفع حصار المدن الربع وسكانها.

ووفقا للسفير، قال الجنرال سليماني لـ "كتائب حزب الله" أنه إذا تم إنقاذ الشيعة بسبب اتفاق المدن الربع، فسيكون من "المخزي" المطالبة برشاوى شخصية.

وقال السفير في رسالة لوزير الخارجية "حزب الله في لبنان وكتائب حزب الله في العراق كلهم يريدون المال وهذه هي فرصتهم. إنهم يستغلون هذا الوضع للاستفادة منه... خاصة أنهم يعلمون أنه تقريبا النهاي ... كلهم لصوص".

آخر ذكر أن تبادل فدية بقيمة 1 مليار دولار كان في شهر يناير 2017، جنبا إلى جنب مع رقمٍ آخر 150 – مليون دولار.

تعتقد الحكومة التي أعطتنا هذه المادة - والتي هي معادية لقطر - أن المحادثات بين الشيخ محمد والسيد الخيارين كانت حول فدية بمليار دولار بالإضافة إلى 150 مليون دولار كمدفوعات جانبية، أو "عمولات". لكن النصوص غامضة. قد تكون صفقة المدن الربع هي ما كان مطلوبا لتحرير الرهائن، بالإضافة إلى 150 مليون دولار من المدفوعات الشخصية للخاطفين.

يقر المسؤولون القطريون بأن النصوص ورسائل البريد الصوتي حقيقية، بالرغم من أنهم يعتقدون أنها قدِّ حررت "بشكل انتقائي لغاية".

كما تم تسريب النصوص، إلى صحيفة الـ"واشنطن بوست"، في شهر أبريل .2018 وانتظرت مصادرنا حتى أصدر المسؤولون في الدوحة بيان النفي. ثم سعوا إحراج قطر من خلال نشر التسجيلات الصوتية الصلبة.

تقبع قطر تحت الحصار الإقتصادي من قبل بعض جيرانها - المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر. حيث نتج عن هذا النزاع الإقليمي حملة مكثفة ومكلفة من القرصنة والتسريب والإفادات في واشنطن ولندن.

انتهت أزمة الرهائن في أبريل .2017 وقد حلقت طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية إلى بغداد لنقل الأموال واستعادة الرهائن. هذا ما أكده المسؤولون القطريون، رغم أن الخطوط الجوية القطرية نفسها امتنعت عن التعليق.