التعصب الديني هو مصطلح لوصف التمييز على أساس الدين، وقد يكون إما بدافع ديني بحت، أو تحت غطاء سياسي أو ثقافي أو قبلي.. وبما أن ظاهرة التعصب والعنصرية والعداء تجاه المسلمين في الغرب أصبحت تسير كالنار في الهشيم، بفضل الآلة الإعلامية الجبارة التي لعبت دورا محورياً في تكوين هذه المشاعر السلبية، من خلال تصوير المسلمين بشكل عام كمجموعة من الإرهابيين البرابرة يؤمنون بعقائد تحثهم على القتل والعنف والإرهاب وسفك دماء المخالف، ولبروز ظاهرة "الدعشنة" كذلك عند بعض الشباب المسلم، أصبح من أولى الأولويات وأوجب الواجبات لدى المسلمين وعلمائهم وشيوخهم ودعاتهم وحكامهم القيام بتزيين وتحسين وتجويد الدين الإسلامي، وتقديمه للعالم في أحسن تقويم وأجمل صورة، مع أفضل عرض؛ وإﻻ صورة ديننا الجميل ستصبح في خبر كان! بسبب ما يرتكب من إرهاب باسمه، وهو منه براء!.
وفي هذا السياق شارك اتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل يوم أمس في تظاهرة عارمة ومسيرة دولية التي تقام في مدينة ريو دي جانيرو من كل سنة ضد التعصب الديني والمذهبي وضد كل أشكال العنف والكراهية والعنصرية بمناسبة اليوم العالمي للسلام، والذي يشارك فيها جميع الطوائف الدينية باﻹضافة الى الديانات السماوية، ومنها الدين اﻹسلامي، والذي مثله في هذه التظاهرة الكبيرة اتحاد المؤسسات اﻹسلامية، والجمعية الخيرية اﻹسلامية بمدينة ريو دي جانيرو؛ حيث جاب رجال الدين شارع "كوبا كابنا" وهو أطول شارع على شاطئ البحر، نددوا وأدانوا من خلالها جميع أشكال العنف والقتل والتصفيات الجسدية والإغتيالات والتهجير والإبادة والحروب التي ترتكب باسم الدين، كما طالبوا وناشدوا عقلاء العالم بدفع عجلة السلام بين الأمم والشعوب إلى الأمام؛ وأن تتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها في تثبيت الأمن والإستقرار في العالم؛ لأن الحياة هبة من الله ولا يمكن استمراريتها بدون محبة وسلام وتعايش ووئام بين هذه المخلوقات، وقدر عدد المشاركين في هذه التظاهرة ما يزيد عن 50 ألف ، ويمثلون أكثر من 60 طائفة .
وبهذه المناسبة صرح لنا الدكتور علي حسين الزغبي نائب رئيس اتحاد المؤسسات الإسلامية حيث قال: "نحن كمسلمين في البرازيل وضع القرآن الكريم وسنةُ النبي محمد صلى الله عليه وسلم قواعدَ التعايش مع غير المسلمين، وكانت هذه القواعد أسساً واضحة جلية تستند على حفظ حق مقدس، ألا وهو حق الكرامة الإنسانية، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم: "ولقد كرمنا بني آدم"، وبيّن أن الناس متساوون من حيث بشريتهم، فقال: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وجاء في الوثيقة الإسلامية الكبرى لحقوق الإنسان على لسان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأشهر في حجة الوداع، قوله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب" ( رواه أحمد.). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من دعائه بقوله: "اللهم إني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن العباد كلهم إخوة"(رواه أبو داود.). ومن هنا كانت الحصانة لكل البشر بغض النظر عن ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم ودياناتهم، وعقائدهم فقد قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى.." فالاحترام والتقدير للشخصية الإنسانية حقيقة جلية في نصوص الإسلام، فلقد جاء في القرآن الكريم أن: "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". كل ذلك دون تفرقة بين لون أو جنس أو ملة،. هكذا نحن نفهم الإسلام وندعو من خلال مؤسستنا إلى التعايش والتعاون على البر والتقوى والعمل الصالح بالتنسيق والتآز مع جميع مكونات الشعب البرازيلي لبناء الوطن والمساهمة بإعماره والعيش فيه بسلام " .
ومن جانبه أكد الشيخ الصادق العثماني والذي شارك في التظاهرة التي أقيمت في ريو إلى جانب رجال الدين المسيحيين واليهود فيقول : "في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد العربية والإسلامية، مع بروز طوائف وأحزاب ومذهبيات وعصبيات، يأتي موضوع التعايش السلمي بين الأطياف البشرية المختلفة، وخاصة بين المسيحيين الذين يعيشون بين أحضان الدول العربية، والمسلمين المهاجرين الذين يقطنون بين أصحاب الديانات السماوية الأخرى في أوروبا وغيرها، كواجب شرعي وإسلامي وديني لا مفر منه، ولا يرفضه إلا الحمقى والمجانين من البشر، أما العقلاء فيرحبون بكل المبادرات التي تساهم في إنجاح عملية السلام والتعايش بين جميع الأطياف البشرية، مع أن هذا التعايش والوئام نجده قد تجسد عمليا عبر التاريخ الإسلامي ومنذ خمسة عشر قرناً إلى اليوم، وهو عندنا في دين الإسلام قضية تعد من المسلّمات الاعتقادية والتشريعية والأخلاقية.
وقد قام النبي الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بتطبيقه على أرضية الواقع خلال حياته، وأمثلة في هذا ﻻ تعد وﻻ تحصى، ثم نهج الصحابة من بعده نفس النهج، وهكذا انطلقت مسيرة التعايش الإسلامي المسيحي واليهودي عبر هذه القرون الطويلة، متألقة تسير من تطبيق عملي لها إلى تطبيق عملي آخر، خلا بعض الفترات الزمنية التي كانت علاقة التعايش فيها ترتكس نحو سلبية مظلمة، أو عصبية بغيضة، أو طائفية مقيتة، يسببها بعض المتطرفين والحمقى من هنا وهناك، أو بعض الجهلة بحقيقة الديانات السماوية، أو التأويلات المنحرفة، أو الأهواء والمصالح والأنانيات لبعض رجال الدين، أو تدخل الغرباء الذين يسعون لبث بذور الطائفية، تمهيداً لاستعمار واستغلال بلاد المسلمين والمسيحيين على السواء .
وجدير بالذكر، أن اتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل تم تأسيسه في 19/12/1979 على يد الحاج حسين محمد الزغبي (مهاجر لبناني) وبتشاور وإشراف السفارات الإسلامية في برازيليا، ومباركة رابطة العالم الإسلامي، وبعض وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية في أكثر من بلد إسلامي، ويضم الاتحاد في عضويته 40 مركزا إسلامياً يتوزعون على ولايات البرازيل المختلفة، ويتولى رئاسته الدكتور محمد حسين الزغبي. ويهدف الاتحاد للعمل على رعاية شؤون الجالية المسلمة في البرازيل، وتأسيس المراكز والمساجد والمدارس الإسلامية، وتوفير الدعم للمؤسسات الإسلامية، ونشر تعاليم الإسلام السمحة داخل البرازيل وبالطرق الحسنة، وبمنهج وسطي معتدل، كما يقوم بالإشراف على الطعام الحلال للمسلمين في البرازيل والعالم الإسلامي، ولديه جهاز للذبح الحلال يضم أكثر 750 موظفا وعاملا، وإدارة للشؤون الإسلامية تعنى بتوزيع الكتب باللغة البرتغالية مجانا، وعمل مشاريع دعوية حديثة، وتضم 8 مشايخ متفرغين، إضافة لفريق عمل محترف للتعريف بالإسلام، ويعتمد الاتحاد في دعم أنشطته المختلفة على قسم من عوائد شهادات الذبح الحلال.. وقد ساهم في بناء 37 مسجدا بالبرازيل، ويعتبر من أقوى المؤسسات الخيرية والإسلامية بأمريكا الجنوبية.