في تأثيث هذا العنوان تناثرت في مقالات سابقة شذرات، سنضع من خلال التذكير بها إطارا لهذه المطارحة، في مستواها الإديولوجي والتنظيمي.
1- لقد سبقت الإشارة إلى رصد مؤشرات مسايرة الديموقراطيين للجمهوريين. وقلنا: "هذه المسايرة هي نتيجة للمعادلة الجديدة بين التنظيم والشارع، حيث أصبح تحكم الديموقراطيين في تنظيم الحراك تابعا لتحكم الجمهوريين في الشارع". فقد اضطر الديموقراطيون إلى تأجيل المؤتمر الأوروبي بباريس في 28 أبريل2018، إلى ما بعد شهر رمضان، لأن الجمهوريين أرادوا تنظيم مسيرة أوسلو في نفس التاريخ. وتفاديا لأي عرقلة منتظرة لهذا المؤتمر، بدأت إشارات الغزل، والتي استحسنها يوبا الغديوي. فقد عمدت لجنة باريس لدعم الحراك إلى نسف ندوة في معهد العالم العربي بباريس مؤخرا، كما تعتزم فدرالية فرنسا لدعم الحراك، تنظيم وقفة احتجاجية بزيورخ لمناهضة ترشيح المغرب لاحتضان المونديال. وبهذا يكون ديموقراطيو فرنسا قد فقدوا البوصلة، كما فقدها من قبل ديموقراطيو ألمانيا وهم يؤازرون الجمهوريين في مناهضة زيارة الوزير بنعتيق. وبالرغم من هذه المغازلة تم الاعتداء على المناضل عبد المجيد العموري من النهج الديموقراطي. فهل يمكن الرهان على ديموقراطيي إسبانيا وقد أنجحوا مسيرة مدريد 29 أبريل 2018، رغم تخوين الجمهوريين لها، باستثناء رضوان أسويق الذي انتصر لتنظيمها؟
للتذكير، فإن الفكر لا يواجه إلا بالفكر وليس بالبلطجة، ولا يمكن استغلال الديموقراطية لتكريس ديكتاتورية الأقلية. كما يجب التمييز في مناهضة زيارة الرسميين المغاربة بين من لهم صلة بملف الحراك، وبين غيرهم. بل يمكن الضغط على الرسميين المغاربة من خلال بوابة الحوار أيضا.
لذلك يصعب من الناحية المنهجية فهم هذا التطابق بين هؤلاء، وقد أعلن معظم رموز الجمهوريين انسحابهم من الحراك، باعتبار أن الملف المطلبي لم يعد يعنيهم. كما لا يمكن فهم ردود بعض المحسوبين على الديموقراطيين، لما يتم تذكيرهم بالتزاماتهم المعلنة، كما فعل عبد الغني اعبابو حين اعتبر كتاباتي مخابراتية، وأن موقع "أنفاس بريس" التي ينشرها، تموله المخابرات المغربية. هذا بالرغم من شكواهم من تخوين الجمهوريين لهم. وقد وجه مؤخرا الفاعل الحقوقي سعيد العمراني رسالة مفتوحة ليوبا الغديوي عبر "أصوات مهاجرة"، اعتبر فيها "يوبا مؤسس مدرسة التخوين بأوروبا"، فأجاد. وكان من ثمراتها، أن أشاد يوبا بعمل لجنة محسن فكري ببروكسيل -والتي يعتبر العمراني من أبرز وجوهها-بعملها التحسيسي بمناسبة فاتح ماي.
2- لقد سبق أن وقفت على استهدافي من طرف اعبابو ويوبا لمواكبتي، معادلة الديموقراطيين والجمهوريين في أوروبا. ولم أنزلق للرد على هذا الملمح التخويني، بل اكتفيت بالرصد فقط. وسأتعاطى بنفس المنهجية مع تهجم عبد الصادق بوجيبار، علي، لترتيب خلاصات في هذا الجانب. لنقف إذن على مستوى "رئيس" جمهورية اللايف!
إنه يعتقد أن "محمد المرابط صحفي مأجور من الاحتلال"، وقد غاظه لما استشهدت بما سبق أن قاله فريد أولاد لحسن في حق مجموعته، من كون جماعة التخوين تعتبر امتدادا طبيعيا لجماعة التكفير. وقد كان هذا كافيا، ليوجه سهامه لمحمد السادس، وليخاطبني بعد ذلك: "أقول لمحمد المرابط، أنت مجرد قلم مأجور، رموا لك أربعة ريال في قلمك لتكتب ما يملى عليك، أما أنت فليس لك ما تعرف، إلا ما يكتبون لك. كل المعلومات تأتيك من هولاندا، لأن هناك بعض الأشخاص يخدمون النظام معروفون، أرسلوا لك المقال فنشرته". وبعد أن أفرغ ما تبقى في جعبته ضد محمد السادس والعلويين، عاد لمخاطبتي: "هذا ما أقوله لمحمد المرابط، وحاشا أن يكون مرابطا، فعائلة المرابط هؤلاء أناس محترمون نعرفهم، ولكن هذا المرابط، من أين عثر عليه؟"، يقصد هذا الاسم.
لن أنزلق لخفض إيقاع النقاش، بل سأضيف هذا التفصيل الصغير، لعملية رصد مستويات التخوين. فعلى مستوى استهداف الأشخاص، كان هناك تخوين سعيد العمراني وجمال الكتابي وفريد أولاد لحسن،، وفنانين وشعراء وجامعيين، وكل الديموقراطيين. وعلى مستوى الداخل، تم تخوين إلياس العمري وعبد الوهاب تدموري وعبد المجيد أزرياح،، وبعض المعتقلين وعائلاتهم. وعلى مستوى التنظيمات، تم استهداف "اليسار العروبي"، وفي طليعته النهج الديموقراطي، بالإضافة إلى منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان. وهكذا تجد كل هذه الأطراف نفسها بين سندان المخزن ومطرقة الجمهوريين.
3- كما سبق أن أشرت في أكثر من مقال، أن التصلب المخزني يخدم الأفق الجمهوري بأوروبا، ويغذي العدمية في الريف، ويقلص من مساحة الاعتدال في مقاربة الفاعلين لملف الحراك. وهكذا سيعمل انسداد الأفق في الداخل، على استقطاب الديموقراطيين لأطروحة الجمهوريين. وحتى الأستاذ البوشتاوي الذي يظهر الآن في أوروبا متأرجحا في خطابه بين هؤلاء، قد يستجيب لدعوة بوجيبار، وإن كان بعض الجمهوريين لا يثقون فيه.
إذن حل منظومة الحراك بالدياسبورا يبدأ من الداخل، وفي مستويات عديدة. فهل يستجيب المخزن لمنطق الدولة، في كشف الغمة، بتدشين دينامية سياسية، تجعل الخارج مرتبطا بالتوقيت الداخلي للمغرب؟