السبت 23 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

إدريس ورزكن:أمازيغي ولكن ...

إدريس ورزكن:أمازيغي ولكن ...

أنبذ أمازيغيا كلما ناقشته رفع في وجهي علم تامازغا، و استل من تحت ردائه الإيديولوجي حرف "الزاي" الأحمر، و أشهر أصابعه الثلاثة أمام عيني، و بدأ في محاضرته الطويلة التي حفظناها عن ظهر قلب و بعدها يستكين و يعود إلى سباته العميق حتى إشعار آخر ... أريد أن أرىأمازيغيا يعلم أن الأمازيغية ملك لنا جميعا، و ليست إرثا كتبه "ماسينيسا" باسمه ليتصرف فيه كيف يشاء، و كأنه الوصي و حده على الأمازيغ و القائم على شؤونهم الدنيوية و الأخروية، من جاراه في حديثه فذاك و من لم يوافقه الرأي وضعه على قائمة المنبوذين و صنفه في خانة الأعداء ... أريد أمازيغيا يدافع بشراسة عن وضع الأمازيغية في المحاكم القضائية، أريده حرا يدافع عن الأمي الذي يمثل أمام القاضي فيخسر قضيته لأنه لا يجيد لغة المحاكم المغربية، لا أمازيغيا يكفهر في وجهي كلما نطقت و قلت "إن العربية لغة القرآن" .. أريد أن أرى أمازيغيا يثورعلى وضع قرى تعيش بكاملها في زمن القرون الوسطى بلا أدنى كرامة، هنالك حيث تنعدم الإنارة، و ظمأ العطشى لابد لترويته من تكبد عناء المسافة، لا أمازيغيا يثور و ينتفظ كلما رآني أخط عبارة "المغرب العربي" .. أريد أن أرى أمازيغيا يدافع عن حقوق الثكلى في كهوف الجبال، لا أمازيغيا كل همه أن يطالب بإقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، فسكان الكهوف لن يطالبوا أبدا بعطلة ما داموا أصلا لا يعملون ... أريد أن أرى أمازيغيا يناضل لتحسين وضع الأمازيغية في التعليم حفاظا على هوية الأمة، لا أمازيغيا أكثر ما يجيد قوله هو "القومجية" و نعت العربية بما ليس فيها، فاللغة أداة ووعاء فكر و ليست أداة استعمار، و إن قدر و صار ذلك فأهلها هم المستعمرون و ليس اللغة ..

أريد أن أرى أمازيغيا مثقفا يستطيع التمييز بين الإسلام كدين، و بين العربية كلغة حاملة للقرآن الكريم، و أنبذ أمازيغيا يسب الملة و الدين انطلاقا من إيديولوجية خاطئة و حقد دفين غير مبرر... أريد أمازيغيا يدافع باستماتة عن حقوق الأمازيغ أينما كانوا، أمازيغي يتمثل في ذاته ساكن المغارة بين ثنايا جبال الأطلس، و المصطكة أسنانه بين ثنايا الثلوج في "أنفكو"، و راعي الغنم في شعاب كلميم، و القاطع أميالا لجلب جرة مياه في أقاصي تارودانت، النائم تحت الشجر المستوسد بالحجر في واحات تافيلالت، القابع في العزلة الباحث عن الأمل في تجاويف خنيفرة، الجاثية على الركب، الثكلى، التي توشك أن تلد قسرا في مسلك تيشكا، الساربة بالليل و النهار الهائمة في غابة بوعرفة طمعا في خشب يقي أولادها ويلات البرودة في الخميسات، الحاملة الحطب فوق ظهرها التي هشمت صخور طاطا رجليها العاريتين، التي أدمت حبال الحطب كفيها في تيزا، التي لو قدم لها علم تامازغا لظنت أنها عباية لتخفيف قراسة برد تيشكا، الذي تشقق جلده و حرم نعالا تقي رجليه الصغيرتين وخز الشوك في تاغرات، الذي أكل من العشب و الشجر أكثر ما أكله من الخضر في أقا، الذي غزا محاصيله الخنزير في أيت باعمران فأحالها يابسا كأن لم تغنى بالأمس، والذي عندما أراد إخراجه منها و قف عليه المخزن في تالوين و كأنه يريد أن يستوطن الخنازير البرية في أراضي الباعمرانيين، الذين لم يتبقى لهم سوى رفع الأيادي للتحية كلما مر عليهم خنزير بري بمقتضى تحالف حيواني بشري أمضى عليه المخزن من جانب البشر و وقع عليه بالعطف أول خنزير يهتك بحقول "لاخصاص"، الذي شرده الجهلاء من "الرحل" في أيت بها و مروا على بئره مرورا لم يدع بعده قطرة ماء و تركوه للهلاك الوشيك في توفلعزت، الذي لا يعرف معنى البطالة و لا العطالة في "تودغا" و كل ما يعرف أنه يأخذ صفر درهم في الشهر في "تاوايالت"، التي كنست و حطبت و طبخت و سقت و رعت الغنم في "تاغرات" فقال لها القائلون ينقصك أن تأخذي يوم الثالث عشر من يناير عيدا وطنيا .. الصغير في "تكاض" الذي تعجز أنامله عن مسك القلم فيقول له المصورون ارفع أصابعك الثلاثة لأخذ الصور، العجوز في "تنغير" الذي يوشك مرض الربو أن يهلكه فيقول له القائلون خذ هذا "الزاي" ففيه الثقافة و فيه الهوية و فيه أصل البشر ، ذات العجوز الذي لا يهمه الزاي و لا الضادو كل همه طبيب يداويهففيه الشفاء و فيه العلاج من السقم، المرأة التي كلما مررت بطريق تافراوت استرعاك كيف تسير لوحدها في طريق موحش، و أنت لا تعلم أنها سائرة نحو السوق مثلك إلا أنك تقلسيارتك الفارهة بينما هي تسير منتعلة ما تراه وقد خرجت الجوارب من تحتهفي "تسبرا" ...

عن هؤلاء جميعا و آخرون فليكن صمودك و نضالك فلا نضال بعده و لا هوية .. ارفعوا الظلم عن المظلومين و دافعوا عنه باستماتة فذاك اجزل طريق لصيانة الهوية، أوقفوا عنا هذا العبث بالأمازيغية و كأنها ليست سوى حرف "زاي" و علم و شعار، لقد اكتشفناكم و أدركنا أنكم انتهازيون تستغلون القضية الأمازيغية للأغراض الشخصية، من يريد أن يخدم الأمازيغية فليخدم أبناءها المستضعفين، و من يريد أن يناضل فليناضل لأجلهم ... متى رأيتم هوية تصان و أهلها ينخرهم الفقر في كل مكان؟ ستستقيم الأمازيغية بترسيمها في التعليم، بتمكين ذويها من حقوقهم الكاملة، بالمساواة و العدالة الإجتماعية و رفع الحيف عن ناطقيها ... وليس بالشعارات الفارغة و العنصرية ...