في الوقت الذي باتت فيه كرة القدم جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للملايين في العالم العربي، يبرز سؤال جوهري يستحق الوقوف عنده: هل تبقى هذه الرياضة الأكثر شعبية عامل وحدة كما عرفناها دائما، أم تتحول أحيانا إلى مصدر توتر بين الإخوة العرب؟
السؤال مشروع، والإجابة واضحة لكل من ينظر بموضوعية إلى الصورة الكبرى: كرة القدم الأصل فيها أن توحد، وأن تجمع، وأن تصنع مساحة مشتركة للفرح، لا أن تستغل لتغذية الإنقسام.
من يتابع المشهد الرياضي العربي يدرك أن التنافس بين المنتخبات والفرق أمر طبيعي، بل ضروري لتطوير المستوى وخلق المتعة، غير أن المشكلة تكمن حين يتحول هذا التنافس إلى تعصب أعمى يتجاوز حدود المستطيل الأخضر، ليمس العلاقات بين الجماهير، وأحيانا يصل إلى حملات تنمر أو إساءة عبر منصات التواصل الإجتماعي.
وما ينبغي التذكير به هو أن الروح الرياضية ليست مجرد شعار أخلاقي، بل هي حجر الأساس الذي تقوم عليه الرياضة ذاتها، فاللعبة التي تجمع آلاف المشجعين في المدرجات وملايين المتابعين عبر الشاشات، لا يمكن أن يسمح لها بأن تصبح سببا لشق الصف بين الشعوب التي يجمعها التاريخ والمصير واللغة.
لقد شهدت المنطقة العربية في السنوات الأخيرة لحظات رياضية صنعت وحدة حقيقية، حين احتفل العرب جميعا بنجاحات منتخبات شقيقة، سواء في بطولات قارية أو عالمية، تلك المشاهد كانت دليلا دامغا على أن الجمهور العربي قادر على تجاوز حساسيات الماضي حين يكون الفرح مشتركا، وأن الكرة ليست سوى وسيلة لإحياء الروابط التي قد تبهت في صخب الحياة اليومية.
وإذا كانت كرة القدم قادرة على خلق كل هذه المساحات المشتركة، فإن المسؤولية تقع على عاتق الجميع: من اتحادات كروية وإعلام رياضي وصولا إلى الجماهير. فالإعلام المسؤول مطالب بأن يظل صوتا للعقلانية والإحتراف، لا أداة لصب الزيت على النار. والجمهور مطالب بأن يفرق بين التشجيع المشروع والحماسة الراقية، وبين السلوكيات التي قد تسيء لصورة الرياضة والإنسان معا.
إن ملاعب كرة القدم يجب أن تبقى، كما أراد لها العالم، فضاء للفرح، ومدرسة للتسامح، ومنصة لإبراز أفضل ما في الإنسان من تعاون ومنافسة نبيلة، وعندما يفوز فريق عربي، فذلك مكسب للعرب جميعا، وحين يخسر، فإن الرقي الرياضي يقتضي الدعم والمساندة لا الشماتة.
في النهاية، تبقى الحقيقة ثابتة لا تتغير:
كرة القدم لن تكون يوما سببا للتفرقة بين العرب إلا إذا سمحنا نحن بذلك. أما إذا أحسنا إدارتها وتعاملنا معها بروح المسؤولية، فإنها ستحفظ مكانها كلعبة تصنع الفرح وتجسد الوحدة.